الحسكة.. الميليشيات والمرتجى

نظام مارديني

لم تعد مدينة الحسكة مدينة التنوع، ولا مدينة الفرح، بل هي مدينة الرصاص. لطالما سخرنا من البيزنطيين لأنهم جادلوا في جنس الملائكة قبل أن تسقط القسطنطينية في يد الفاتح العثماني، نحن نقاتل حول اللاشيء، وقبل أن تسقط الحسكة يُراد إسقاطها بسبب غياب الدولة في يد المخلص الميليشياوي.. الذي يعتدي على حرمات البيوت ويعتقل المثقفين ويلاحق الشباب للتجنيد، ويحتضن الحاقدين وتُسيِّر استخبارات متنوعة، وهذا ما يفسر تململ الشارع «الكردي» بخاصة وبقية المواطنين السوريين المتزايد ضد إدارة الاتحاد الديمقراطي PYD والأسايش.

لقد حوّل هذا الحزب المنازل مستودعات للضغينة، بل مستودعات للدم بين أخوة المواطنة وكأنهم لم يحفظوا من العائلة سوى تلك الآية التي تقول: كل مَن يعارضني فهو عدوّي. لا بأس، قلنا ذات يوم «احذروا فقه الميليشيات» الذي يفتي بالعنصرية مع الآخر.. ولكن من قال إن هذا الفقه طارئ علينا وعلى شعبنا ووطننا؟

من المؤكد أن ثقافة الحرب تزدهر في بيئة ثقافية تحمل ثنائيات حادة مثل «عرب ـ كرد»، وهي بيئة تعيش وهم صراع المظلوميات، فكل جماعة سريانية، كردية، عربية، أرمنية، شركسية… الخ تعتقد أنها تتعرّض للظلم ويتم توظيف هذا الاعتقاد لخلق ثقافة مقاتلة تبحث عن الانتقام، ثم تستكمل الحرب الأهلية والعنف المتبادل عملية صناعة «الهويات» المتحاربة.. قوة الجذب الهائلة التي تمتلكها فكرة «المظلومية» في ظل وسط اجتماعي يسوده الإحباط والإفقار والجهل بسبب غياب الدولة باعتبارها الضامن الوحيد لهذه الجماعات.. هذه «المظلومية» هي التي تصنع أشكال العنف الأكثر بشاعة والتي تغذي بدورها شعور «الضحية» ورغبة الانتقام.

إن المأزق التاريخي الذي يتخبط فيه حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حمايته وأسايشه ، يزداد عتمة بفعل النفوذ الكاسح لهذا النوع من القيادات المثقلة بالأوهام القيمية والسياسية والثقافية، وهي القيادات التي اخترقتها من الاستخبارات الأميركية والبريطانية، للعب دور وظيفي في المشروع الأميركي ضد الدولة السورية وضمن بوابة المصالح المشتركة، ولعل القيادي في الاتحاد الديموقراطي الكردي، الدار خليل، كان الأكثر تعبيراً في هذا الاتجاه، حيث اعتبر «دور قوات سورية الديموقراطية جزءاً من حرب واشنطن على الإرهاب»! ولكن لم يقل لنا خليل كيف تحارب الإرهاب وتدعمه في الوقت ذاته؟

ومع اعتقاد الكرد بضعف الدولة السورية في مناطق سيطرتها، يكونون قد تجاوزوا الخط الأحمر السوري المحظور من خلال مضيهم، في مشروع التقسيم الذي لا إمكانية له على أرض الواقع، وبالمضي في الحرب الأميركية على سورية.

ما يحصل لشعبنا في الحسكة، عرباً وكرداً وسرياناً وأرمن وأقليات لا يُراد لها أن تتآخى وتتّحد على أحد أغنى تضاريس هذا العالم وجغرافياته، يتحمل وزره كل المنتسبين لنادي «بهاليل السياسة» الطارئين الضاجين اليوم في الفضائيات وعند حرائق الوليمة الأزلية في هذه المدينة.. أليست المعادلة الذهبية الخشبية في الحسكة، هي أن ميليشيا الاتحاد الديمقراطي لم تعد تتعامل مع أهالي محافظة الحسكة ككائنات بشرية، أو كقصاصات بشرية، بل كهياكل عظمية عصف بها العدم منذ بدايات العدوان على سورية.. فهل نُمِيَ إليك أيّها الحسكاوي أي أدمغة فذة في عقل الميليشياوي؟

حتى في ثقافة التسويات السابقة بين الدولة وهذه الميليشيا، لم تكن هناك تسويات مخملية بل تسويات جراحية، بعد كل هذا، هل من حاجة لميليشيا تدعى PYD ؟ أم سيستمر حزب الاتحاد الديمقراطي كحصان طراودة أميركي في هذه العدوان الطويل الأمد على سورية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى