رسائل من اليمن، بعد توقف مفاوضات الكويت
جمال الكندي
توقفت المفاوضات اليمنية ـ اليمنية في دولة الكويت، بعد جلسات حوارية نقدر أن نسمّيها ماراثونية إستمرّت لأكثر من ثلاثة أشهر، كان خلالها «فريق هادي» يعوّل على انتصار ميداني كبير يوظفه في السياسة ليكون ورقة ضغط على الفريق الآخر.
ولكن هل تحقق ذلك؟ وهل استطاعت القوى المساندة للرئيس المنتهية ولايته هادي وأنصاره، أن يكسبوا في السياسة ما عجزوا أن يحصّلوه في الميدان.
إنّ الوقائع والمعطيات، على الأرض، تثبت أنّ المواجهة العسكرية التي تدور في اليمن بين أنصار «هادي» من جهة، والجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من جهة أخرى، تعلّمنا أنه لا يوجد تغيّر في قواعد اللعبة العسكرية في اليمن والزحف باتجاه العاصمة صنعاء، من قبل أنصار «هادي»، عن طريق محاولتهم السيطرة على «فرضة نهم» أثبتت فشلها، فالتحالف السعودي أعطى لهذه العملية أهمية كبرى لتكون منطلقاً له للسيطرة على صنعاء، وإنهاء دور «الحوثيين» وأنصار علي عبدالله صالح من الخارطة السياسية اليمنية.
إنّ المعطيات العسكرية في الميدان اليمني تجعل من هذه الأمنية بعيدة المنال، فما زالت الجبهات في اليمن مشتعلة في تعز والجوف وميدي وغيرها. والمواقع التي يفقدها أحد طرفي النزاع في اليمن يسترجعها بعد أيام. والعنوان العسكري الرئيسي في حرب اليمن هو الاستنزاف والمراوحة المكانية، إنْ صحّ التعبير، لكلا الطرفين، فلا توجد إختراقات كبيرة في الساحة العسكرية للفريقين، منذ خروج الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من مناطق الجنوب اليمني. لذلك، كان لا بدّ لصوت العقلاء أن يجد له طريقاً في الأزمة اليمنية، يدعو جميع أطراف النزاع فيها، ومن يدعمهم، لوقف القتال والتفاوض الجدّي وإيجاد أرضية مشتركة تحمي ما تبقى من اليمن.
إنّ فشل مفاوضات الكويت ترجم في الساحة اليمنية بحدثين: أحدهما سياسي والآخر عسكري. وكلا الحدثين لا يروقان لأنصار «هادي» والحلف السعودي. الأول: هو إتفاق سياسي بين «الحوثيين» وأنصارهم و«المؤتمر الشعبي اليمني» وأنصاره، بموجبه تمّ تشكيل مجلس رئاسي يقود البلد. وهذا بدوره، سوف يبعد «هادي» وأنصاره عن المشهد السياسي اليمني، إلا إذا نجحت مفاوضات الكويت، بنسختها الثانية، وتوافق الطرفان على حكومة وحدة وطنية.
أما الحدث الثاني، فهو إنتهاء الاتفاق على تحييد إستهداف العمق السعودي، مقابل تحييد إستهداف الحدود اليمنية- السعودية من غارات طائرات التحالف السعودي. هذا الاتفاق، بعد توقف مفاوضات الكويت تمّ حله. والصورايخ البالستية اليمنية وجدت لها طريقاً في جيزان ونجران. وهذه كانت ورقة عسكرية قوية وظفت في السياسة، فكانت من أسباب مفاوضات الكويت.
أكثر من خمسمئة يوم مضت على بدء الحملة السعودية على اليمن، والنتائج على الأرض لا غالب ولا مغلوب. لذا، كان لا بدّ من وجود فكرة التشاركية السياسية في حكم اليمن. وهذه كانت آلية ممكنة التطبيق في مفاوضات الكويت، لكن هناك جهات في الداخل اليمني والخارج، تريد إفشال هذه المفاوضات، فهي من أنصار الحلّ العسكري، الذي ثبت بأنه عبثي وفاشل ويستنزف العامل البشري في كلا الطرفين.
في المقابل، فإنّ معاودة إستهداف العمق السعودي، غيّرت من قواعد اللعبة وأوجدت ورقة ضغط عسكرية قديمة- جديدة ستكون بوابة مفاوضات جديدة، أكثر جدية في الآتي من الأيام، لأنّ فاتورة استنزاف الجنود السعوديين وضرب المواقع في الجنوب السعودي، مكلفة ومؤثرة على الشارع السعودي. وهذا بدوره سوف يسرع من الحلّ السياسي.
أكثر من خمسمئة يوم على حرب اليمن والمعطيات على الأرض تقول إنّ هناك دمارا شاملا في كلّ اليمن، جنوبه وشماله ووسطه، وأنّ الحلّ العسكري لكلّ الطرفين، ومن يؤيدهما، فشل. ومن كان يقول بأنّ هذه الحرب حرب أيام أو شهور وتحسم لطرف على طرف، أخطأ الحساب. وها هي الحرب تدخل عامها الثاني ولا وجود لتغيّر جذري في ساحات القتال، بل على العكس، من يقود الحملة الجوية على اليمن هو الذي يستنزف: مالياً، عسكرياً وبشرياً وتحتلّ بعض مواقعه العسكرية في عمقه الجغرافي وصورته الإنسانية اهتزّت باستهدافه للطفولة في اليمن. والغارتان الأخيرتان على مدرسة لتحفيظ القرآن في صعدة، ومستشفى تابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود»، ومقتل أطفال في الغارتين، سوف يفتح ملف إستهداف الأطفال، مرة أخرى، من قبل الحلف السعودي، ويهدّد بوضع السعودية، مرة أخرى، على القائمة السوداء، بسبب استهدافها الأطفال في حرب اليمن.
هذه المعطيات التي ذكرناها، أعتقد بأنها ستسرّع في إيجاد الحلّ السلمي في اليمن، وستبرز أكثر رعاة ودعاة هذا الحلّ في المنطقة.