الصين في سورية وروسيا في اليمن؟
ناصر قنديل
– تدور اللحظات الأخيرة من التفاوض الروسي الأميركي على التفاهم الذي يفترض أن تكون أولى ترجماته حرباً عاصفة يشترك فيها الحلفان اللذان تقودهما كلّ من واشنطن وموسكو ضدّ تنظيم داعش وجبهة النصرة في سورية والعراق، ويمكن فهم التسارع في طرح أوراق على طاولات التفاوض برسائل علنية تتدافع من كلّ اتجاه، وفهم سحبها، والتناوب في وضع أوراق جديدة وسحبها، من هذه الزاوية. فهذه سمة مثل هذه اللحظات التفاوضية، وهذا لا يعني أنّ كلّ شيء نراه ونسمعه هذه الأيام ممسرح وهوليودي، لكنه تعبير عن خطوات قابلة للتوسع نحو سقوف أعلى ومفتوحة مع فشل التفاوض، وقابل للخفض نحو الحدّ الأدنى في حال التوصل للتفاهم. من ضمن هذا السياق يبدو التموضع الروسي في قواعد إيرانية مثالاً حياً، حيث لم يمرّ يوم على السجال الإعلامي الإيراني الروسي حول كيفية تقديم وتوظيف استخدام روسيا لقاعدة همذان الإيرانية في تخديم عملياتهم في سورية، حتى عادت التصريحات الروسية الإيرانية إلى الحرارة والتوافق في تأكيد إيراني على أنّ الاستخدام الروسي تمّ بطلب إيراني، وتأكيد روسي أنّ الهدف قد تحقق من هذا الاستخدام وستتمّ العودة إلى تكراره عند الحاجة، لكن الرسالة وصلت للأميركيين، ومضمونها أنّ التعاون الذي سينشأ عن التهرّب الأميركي من التفاهم في خوض الحرب على داعش والنصرة، لن يكون محصوراً بها وسيتخطاها نحو تشكيل حلف عسكري جديد، تشكل روسيا وإيران نواته.
– يعرف الأميركيون، كما تقول مصادر في البنتاغون بمواقع قريبة منه في واشنطن، أنّ تجميد مفاعيل تصعيدية للتعاون الروسي الإيراني عسكرياً خارج ضرورات الحرب في سورية، تمّ مقابل إعلان أميركي عن سحب النسبة الأكبر من المستشارين العسكريين الأميركيين في اليمن، والمقايضة هنا واضحة أنها لحساب إيران وليست على حسابها، ما يجعل السجال الروسي الإيراني نوعاً من امتصاص لمناخات داخلية، لكن تحت السيطرة وربما التوظيف. كما يعرف الأميركيون أنّ تمسكهم بالتخندق في الحرب السعودية على اليمن، وادّعاء العجز عن الدفع نحو حلّ سياسي منصف هناك، والتغاضي عن التموضع السعودي إلى جانب جبهة النصرة في سورية، رتبا موقفاً روسياً في مجلس الأمن أسقط مشروع القرار أو البيان الذي طلبه الأميركيون والروس لتحميل انصار الله والمؤتمر الشعبي مسؤولية إفشال الحلّ السياسي وفقاً لمفاوضات الكويت، من جهة، ومن جهة مقابلة رتبا التسريع بتشكيل مجلس سياسي للحكم، يتصرف لفرض شرعية شعبية واضحة التفوّق على حكومة منصور هادي المدعومة من السعودية، وأنّ بيد هذا المجلس ما لوّح به الرئيس السابق علي عبد الله صالح القدرة على منح تسهيلات عسكرية لروسيا في هذه المنطقة الحساسة عبر تفعيل اتفاقات سابقة بين موسكو وصنعاء، تدخّل الأميركيون يومها لوقف تنفيذها، وأنّ الفشل في التوصل لتفاهم على مجمل الخريطة في اليمن وسورية سيرتب تداعيات من هذا النوع، تبدو اليوم مجرد صرخات بصوت مرتفع.
– في الحسكة يقوم التشكيل الكردي المدعوم أميركياً بالتصعيد عسكرياً وفجأة تخرج واشنطن من ورائه، وتلوّح بجدّيتها في حماية عناصر وحداتها الخاصة على الأراضي السورية، ومن ثمّ في الدفاع عن القوات الحليفة لها، تتقدّم موسكو بمسعى لهدنة، ويتمّ تفجير مفاعيلها، في توقيت كانت القوات التركية تدعم فصائل سورية أخرى للتقدّم إلى مناطق حدودية يسيطر عليها داعش، والواضح أنها لعبة تنافسية وتصادمية مع الجماعات الكردية المدعومة من واشنطن، تتقن سورية لعبة الشطرنج، فتتمهّل في دخول الكمين الأميركي الذي سيدفع المواجهة معها إلى المواجهة، بدلاً من التصادم مع تركيا، ويمنح واشنطن فرصة طرح وجودها في الأراضي السورية للتشريع، ورسم خرائط وحدود الحماية ومداها الذي يحظى به هذا الوجود، فترتضي سورية هدنة لم تكن لترضاها في ظروف مختلفة وتسحب عن الطاولة ورقة تفاوضية حول الوجود الأميركي وتدفع إلى الواجهة معركة يقف فيها الأميركي والتركي وراء فريقين متقاتلتين بين جرابلس ومنبج، فيتقدّم الروس فوراً بمقترح ضمّ سورية إلى التفاهمات الخاصة بأمن التحليقات الجوية للطيران الحربي الذي يضمّ واشنطن وموسكو، طالما أنّ واشنطن تتحدث عن خطورة تضارب التحليقات بين طيرانها والطيران السوري، فاتحة المجال لحصر الشرعية بدور سلاح الجو الأميركي كجزء من الحرب على الإرهاب، مقابل جلب الأميركيين إلى تنسيق يكون السوريون طرفاً فيه.
– قالت وكالة «شينخوا» الصينية إنّ مسؤولاً عسكرياً صينياً وهو الأميرال «غوان يوفي» مدير قسم التعاون الدولي في اللجنة العسكرية المركزية الصينية زار دمشق يوم الأحد الماضي ووعد بتقديم مساعدات عسكرية وإنسانية للحكومة السورية، بما في ذلك توسيع برنامج تدريب الجيش السوري، وتابعت الوكالة الصينية الرسمية أنّ تقديم هذه المساعدات يُعدّ خطوة جديدة تقدم عليها بكين تعزيزاً لدورها في الشرق الأوسط، ونقلت الوكالة عن الأميرال قوله خلال زيارة لدمشق، إنّ بكين تدعم نضال سورية في الدفاع عن استقلالها وتريد علاقات عسكرية أوثق مع سورية. وأردف قائلاً: «يرتبط جيشا الصين وسورية تقليدياً بعلاقات ودّية، ويريد الجيش الصيني مواصلة تعزيز التبادل والتعاون مع الجيش السوري». وقد أدّى انتشار نبأ إرسال خبراء عسكريين صينيين إلى سورية ودعم دمشق في تدريب قواتها العسكرية والزيارة التي قام بها الوفد العسكري الصيني الى دمشق إلى اشتداد غضب المحللين الأميركيين، وكتب موقع «فيسكال نيوز» الأميركي أنّ زيادة المساعدات الإنسانية الى الشعب السوري وتدريب القوات العسكرية السورية قد تحوّل الى ورطة ومشكلة جديدة للأميركيين. وأضاف الموقع الأميركي «أنّ الصين قرّرت الآن القيام بدور أكبر في سورية والإعلان عن هذه الخطوة الصينية يأتي بعد مضيّ يوم واحد فقط على الإعلان الروسي عن قيام الطائرات الروسية بقصف مواقع داعش في سورية انطلاقاً من أحد مطارات ايران، إنّ هذين الحدثين قد شكّلا معاً مشكلة كبيرة لإدارة أوباما في البيت الأبيض، لأنّ المعطيات تقول إنّ روسيا والصين وإيران الذين يقفون في وجه أميركا على الصعيد الدولي قد توحّدوا ضدّ لاعب إقليمي، وهو تنظيم داعش الإرهابي. وفي هذا السياق زاد القلق الأميركي مع كلام رئيس اللجنة الدفاعية في مجلس الدوما الروسي فلاديمير كومودو الذي قال «إنّ التدخل العسكري الصيني في سورية هو الخطوة الأولى نحو تشكيل حلف سياسي عسكري بمشاركة دول ليست حليفة للناتو، لقد حان وقت تشكيل هذا الحلف الجديد».
– تتّضح أبعاد الرسائل المتسارعة، فالصين بدأت مساهمتها، وهي تعلم أنّ أمنها مهدّد من حجم تورّط جماعات الإيغور والتي تأتي من غرب الصين في إقليم جينغ جيانغ في تنظيمي داعش والنصرة والذين ظهرت مشاركة مئات منهم في معارك حلب، كما تعلم أنّ الانسحاب الأميركي من أفغانستان نهاية العام سيفتح الحدود البرية الروسية والصينية والإيرانية، وسيسمح عبر إيران والعراق وسورية بوصول الصين إلى البحر المتوسط، وأنّ الصين معنية للحصول على هذه الفرصة لتحقيق هذا الحلم التاريخي ببذل ما يلزم لحماية سورية واستقلالها، وقد بدأ الصينيون خطوات جدية بهذا الاتجاه، يعرفها الأميركيون جيداً، لكنهم يعرفون أنّ فشل مساعي التفاهمات سيجعل حجم الاندفاع الصيني أكبر، وهذا شأن تمتدّ مفاعيله لتوترات شرق آسيا وما يجري في بحر الصين. فواشنطن تواصل الاستفزاز، وليس ما يغري الصين بالحفاظ على برود التحركات العسكرية، خصوصاً أنّ الاستثمارات الصينية المرصودة لطريق الحرير وما فيه من طرق وسكك حديد وأنابيب نفط وغاز، من شنغهاي إلى بانياس السورية، تزيد عن المئة مليار دولار وتستحق التحرك لحماية شروطها السياسية والعسكرية لكن لهذا الحراك الصيني، وربما الهندي من بعده حدّ أدنى وسقف أعلى، وما ستقرّره أيّ منهما يعتمد في النهاية، هي درجة التجاوب الأميركي في هذه اللحظات الحساسة من التفاوض.
– المنطقة تدخل كلعبة شطرنج كبيرة مرحلة النقلات الحاسمة، حيث المبادرة بيد محور المقاومة، ومَن معه في موسكو وما بعد موسكو وما بعد بعد موسكو، كما كان في حرب تموز مستعداً لمواجهة نحو حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا، وعلى واشنطن أن تحسن اختيار نقلاتها ومعها نقلات حلفائها، قبل أن تدنو لحظة حاسمة فيها «كش ملك»…