مَن المسؤول عن إذلال اللبنانيّين؟
علي بدر الدين
لم يعد مجدياً أو مأمولاً الرهان على الأفرقاء السياسيين في لبنان الذين انغمسوا في «أجندات» مصالحهم وطوائفهم ومذاهبهم، وأحسنوا الحفاظ على مكتسباتهم في السياسة والإدارة والخدمات والتلزيمات على اختلافها، وتحويل البعض منهم لبنان إلى شركة متعدّدة الزعامات والطوائف، يديرها مقاولون متمرّسون يعرفون جيداً من أين «تؤكل الكتف» وكيف ترجّح «كفّة» ميزان الربح وتخطي الصعاب والعراقيل من أي جهة أتت على قاعدة «أعطني اليوم أعطك غداً»، من دون النظر أو الاعتبار لمصلحة الوطن والمواطن أو لأيّ سلبيات وتداعيات مهما كان حجمها وتأثيرها.
ما يشهده لبنان من أخطار مزمنة ومتراكمة وقد فعلت فعلها في تأجيج الصراعات وتعميق الانقسامات وتكاثر الأزمات وزيادة التحديات والاستهدافات وضعت لبنان على «حدّ السيف» وقد تؤدّي به إلى المجهول الذي يخشى منه الجميع، مع أنّ بعضهم شريك فاعل في مواقفهم اللاوطنية وخطابهم التأجيجي الطائفي والمذهبي وشراكتهم لوضع اليد على مقدّرات الدولة ومالها العام ووظائفها وناسها الذين توزّعوا قبائل وعشائر وأزلاماً بقوة القهر والعوز والفقر والعزف الممنهج والهادف على أوتار طائفية مذهبية ونفعية انكفائية وخلخلة مفاصل الوحدة الوطنية والعيش المشترك وحشرها في زوايا العزل والانفصال، بعيداً من هموم الوطن المشتركة وهواجس القلق والخوف على الحاضر والمستقبل والمصير برمته.
وفي قراءة متواضعة وموجزة للواقع السياسي والاقتصادي والأمني وملحقاته المتنوّعة والمتعدّدة الذي يعاني منها لبنان في ظلّ سياسة وأداء الحكومات المتعاقبة والقيادات السياسية الرسمية والحزبية التي لها اليد الطولى في رسم سياسة البلد على المستويات كافة يظهر بوضوح على ضوء النتائج الشديدة السلبية التي يحصد اللبنانيون على اختلافهم المزيد من المعاناة وخيبات الأمل وضياع الأحلام والطموحات ودفعهم إلى «لعن الساعة» التي ولدوا فيها في هذا البلد الذي لا قيمة لبنيه ولا كرامة لهم ولا من مسؤول في الدولة يتحمّل مسؤولياته ويتجرّأ على قول الحقائق وإطلاع الرأي العام على ما يحصل من انتكاسات وتداعيات وخراب وإذلال، ومن المسؤول إنْ كان فرداً أو جهة أو طائفة عن الضائقة الاقتصادية والمعيشية والصحية والاجتماعية التي تكسر ظهور اللبنانيين؟ ومَن يتحمّل مسؤولية الانقطاع المخزي للتيار الكهربائي في كلّ لبنان؟ ومن يتحمّل مسؤولية انقطاع المياه من شركات المياه الرسمية التي رفعت قيمة الاشتراك السنوي إلى ما يقارب الثلاثمئة ألف ليرة؟ ومن المسؤول عن سرقة المياه الجوفية وإعطاء رخص لتشريع أكثر من 60 ألف بئر ارتوازية في لبنان معظمها يتاجر بحق اللبنانيين من هذه المياه، وقد بدأت تظهر بوادر تلوث المياه في بعض المناطق، ما يشكل خطراً مباشراً على صحة وسلامة المواطنين وبخاصة الأطفال؟
ومن السخرية أن يعلن المسؤولون في شركة كهرباء لبنان بهدف استغباء اللبنانيين أنّ إضراب المياومين انعكس سلبياً على إصلاح الأعطال وإعادة التغذية بالتيار إلى طبيعته، علماً أنّ الهدر القائم منذ سنوات في الشركة والفوضى والخلافات المستحكمة، هي التي أدّت إلى الهريان في مؤسسة لبنانية كان يُؤمل منها أن ترفع منسوب التغذية وليس إغراق لبنان في العتمة، والمفاجئ في الأمر أننا لم نجد مسؤولاً أو وزيراً أو نائباً أو سياسياً يتحدث عن معاناة المواطن اللبناني وسلبه حقوقه وكرامته، وهو العاجز عن الحراك أو المطالبة أو انتقاد الدولة ومَن فيها، سوى في حلقاته الضيّقة وبين من يثق بهم باستثناء تحركات خجولة ومتواضعة غير مؤثرة لبعض النشطاء في العمل الاجتماعي، ولا مواقف لهؤلاء القادة ولا خطابات سوى عن الفراغ الرئاسي والتمديد للمجلس النيابي أو عدمه بين القوى السياسية التي يبدو أنها مختلفة على كلّ شيء ومتفقة على عدم فعل شيء لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان، أو الحؤول دون تصدّعه ثم انهياره تحت ضربات أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية، ورهانات على الخارج لحلّ ملفاته المعقدة التي ربما تحتاج إلى معجزات ولّى زمنها أو إلى عصا موسى أو مارد الفوانيس السحرية بعد أن عجز الأفرقاء في لبنان أو بعضهم على الأقلّ في الترفّع عن المصالح السياسية والطائفية الضيّقة بل ساهموا في إغراقه بالصراعات والظلام والعطش، وانعدام المسؤوليات وإصدار قرارات على مقاس الطوائف والقيادات والمسؤولين.
فهل يمكن لوطن تتآكله الصراعات، وتثقل مواطنيه سياسة الهدر الإهمال والحرمان أن تقوم له قائمة؟ سؤال ربما تجيب عليه عقود مقبلة؟