هكذا تفوّق حزب الله بالحرب الاستباقية…
روزانا رمَّال
يعاقَب حزب الله دولياً وعربياً على قيامه بما يعتبره حقاً مقدّساً له بالدفاع عن كلّ ما يتعارض مع فكرة حماية وصون المقاومة التي تحظى بشرعية داخلية كرّسها البيان الوزاري بالرغم من بعض التباينات والاجتهادات التي تصبّ أخيراً في اعتماد المقاومة حصناً اوحد ضدّ ايّ هجوم على لبنان.
كان حزب الله شديد الدقة في لحظة تغيير «منتج» عاشته المنطقة بقدرته على العصف بالحكومات والإدارات السابقة، فكان متفرّجاً في السنة الأولى من الأزمة في سورية 2011 يراقب عن كثب ما يجري، ويدرك أنّ المطالبة بالإصلاح مطلب محق من دون ايّ تدخل ضروري منه إلى حين لحظة اكتمال الصورة وانتهائه من قراءة المشهد، حيث دخل حزب الله في الميدان السوري من بوابة رصد كاملة لما عُرف بمخطط الانتقام من محور إيران سورية – حزب الله بسياق العرض الغربي للمشهد الديمقراطي الضروري في سورية.
كشف حزب الله عن حيّز هامّ من سياسته المتمثلة بالتروّي تجاه اتخاذ القرارات من دون ان ينفعل في بداية الامر لمجرد متابعته للاحتجاجات او معرفته انّ هناك اعتراضات موجهة للرئيس السوري بشار الأسد، فكان هادئاً لا يودّ التدخل بما من شأنه ان يعتبر تدخلاً بالشأن السوري، حتى لحظة تبيان المشروع الكبير الذي استدرج كبرى الدول الإقليمية والغربية إليه ضمن دائرة إسقاط الاسد، والإطباق على المقاومة من الجهة الشمالية، وقطع السلسلة المتصلة لمحور بدأ ينمو ويتماسك اقتصادياً وسياسياً متمثلاً بسورية وإيران والعراق ربطاً بروسيا.
أدرك حزب الله أنّ لبنان في دائرة الخطر من الجهة الشمالية، وأنّ استيلاء المتطرفين على مساحة من الحدود مع لبنان يعني فرض حصار لم يكن ممكناً للإسرائيليين الحصول عليه بعد حرب تموز 2006 في فرض قوات متعدّدة الجنسيات وليس «اليونيفيل» بالحدود مع سورية، وهو الهدف من السيطرة عليها الذي يتكفل بقطع طرق الإمداد العسكري لحزب الله فتعيش المقاومة في دوامة مأزومة بكلّ ما للكلمة من معنى.
العتاب والخلاف الداخلي لاحقا حزب الله منذ لحظة دخوله الحرب السورية عام 2012 حتى اليوم الى ان بدأ هذا العتاب بالتلاشي لهول ما كشفه عنه حلفاء «عاتبون» من تورّط كبير داخل سورية فسقط الاتهام بقوة الواقع بإعلان السعودية عن دعمها للمعارضة السورية بالإضافة الى الولايات المتحدة الاميركية التي تدعم بناء دولة كردية من جهة وعدد كبير من الجماعات «المتفرقة» المتطرفة من جهة أخرى في الشمال السوري، إضافة إلى اتحاد كلّ القوى من أجل اسقاط النظام الحليف لحزب الله الذي يشكل نواة الحياة لجسد المقاومة.
الاتحاد هذا نفسه أخذ على حزب الله مهمة الانضواء ضمن مشروع حماية المقاومة في لبنان وظهرها عبر سورية بعدما تبيّن أنّ الحدود الشمالية تغصّ بالمتطرفين الذين يتوعّدون بالدخول الى لبنان، فكانت معركة القصيْر الحدودية من أكبر المعارك التي أفرزت مرحلة جديدة من عمر الأزمة وكرّست معها حزب الله لاعباً شرق أوسطياً كبيراً بعدما استطاع في هذه المعركة التوصل لخيوط العقد ومشهدها المتشابك بدعم يؤكد المقاتلين في حزب الله على أنهم التمسوا فيه السلاح الإسرائيلي والأعتدة والآليات والروحية في القتال التي يمارسها المتطرّفون، وقد سجل الإعلام الخاص للحزب مشاهد متعدّدة لآليات إسرائيلية تركن في زوايا الأحياء المستهدفة، وهذا يعني يقين الحزب بأنّ التجسّس على بلداته البقاعية والانخراط تدريجياً في نسيجها هو هدف «إسرائيلي» كبير لاستهداف قياداته في كلّ دائرة ممكنة من المقلب الآخر في لبنان.
الدخول الاستباقي لحزب الله للمعركة السورية جاء لحماية المقاومة أولاً، ولبنان من هجمات التكفير الموعودة ثانياً، وسورية رئة حزب الله ومتنفس مشروعه ثالثاً، واليوم تدخل تركيا الأراضي السورية ضمن مخطط استباقي لنسف فكرة الدولة الكردية التي تشكل خطراً استراتيجياً عليها وهو الإطار نفسه الذي أخذ حزب الله نحو معارك سورية. وهي المرة الاولى التي تتدخل تركيا بهذا الوضوح في الحرب الميدانية السورية، لكنها المرة الأكثر دقة والتي لم تعد تحتاج تأخيراً بنظر الأتراك، فالأكراد المدعومون اميركياً يتوجهون تدريجياً نحو تحرير أراضٍ حدودية مع تركيا من داعش بدأ بمنبج والباب وجرابلس اليوم وغيرها في وقت لا يزال ما جرى في عين العرب ـ كوباني يحيط بخيال الرئيس التركي أردوغان مرفقاً بدهشة تسبّب بها سوء قراءته المسبقة للدعم الأميركي لـ «أعدائه الأكراد» منذ بداية الحرب.
يتفهّم العالم ضرورة أن تحمي تركيا حدودها وتتخلص من الهاجس الكردي فيجاريها في حربها الاستباقية على أرض غير تركية. وهو الأمر نفسه الذي يخوضه حزب الله دفاعاً عن لبنان وخط المواجهة مع «إسرائيل» فيه. يتفهّم العالم حرب النيات المعلنة من انقرة ويتفهّم معها على الرغم من التصريحات القلقة للدخول التركي البري ضرورة حسم الملف سلباً او إيجاباً من أجل معرفة مصير سورية والمنطقة، والذي بات دعوة أوروبية ودولية ماسة بانتشار الإرهاب في العالم.
عملياً تقوم تركيا ومعها العالم بالدور نفسه او ربما الأدوار التي يؤدّيها حزب الله منذ خمس سنوات بعدما سبقها إليها. كلّ العالم يتدخل لردّ الإرهاب خشية ان يغزو أوروبا. وتركيا تتدخل خشية نشوء الدولة الكردية الحلم، وحزب الله تدخل لردّ كلّ ذلك محافظة على وحدة سورية كضامن لأمن المقاومة…
حزب الله يتفوّق بالحروب الاستباقية والقراءة السياسية وفي وأد المؤامرات في مهدها.