اليمن: الثورة الثانية
حميدي العبدالله
اندلعت في اليمن عام 1962 ثورة أطاحت بالنظام الإمامي، ونقلت اليمن من غياهب القرون الوسطى إلى القرن العشرين، ولكن درجة التخلّف وانتشار الفقر، وحالة الاضطراب المتواصلة، والتدخلات الخارجية، لا سيما من الغرب والسعودية، حجّمت الثورة ومنعتها من تحقيق أهدافها الكبرى، وأسّست لاندلاع ثورة ثانية.
عندما بدأت موجة «الربيع العربي» تحرّك الشعب اليمني من جديد، وحاول استكمال مهام الثورة الأولى، ولكن التدخلات الخليجية، وتحديداً من قبل السعودية، وتدخلات الحكومات الغربية، أجهضت التحرك الشعبي واختزلت الثورة بعملية تغيير وجوه النظام عبر استبدال الرئيس علي عبدالله صالح بنائبه الرئيس الحالي لليمن.
أثار ذلك حالاً من الإحباط والسخط وأدى إلى اندلاع الثورة اليمنية الثانية، أي الثورة التي يشكل حزب أنصار الله عمودها الفقري، وبديهي أنّ عوامل نجاح الثورة الثانية متوفرة بقوة إلى درجة يسهل معها استنتاج الانتصار، وتكمن هذه العوامل بالآتي:
أولاً: حجم التأييد والالتفاف الشعبي حول الشعارات وخطة العمل التي عرضها زعيم حزب «أنصار الله» عبد الملك الحوثي في خطبه وإنذاراته التي وجهها للحكومة الحالية وللدول والجهات التي تقف وراءها. ومن شاهد حشود الجماهير في شوارع صنعاء لا يخالجه أيّ شك في مستوى الالتفاف الشعبي حول شعارات الثورة التي يقودها أنصار الله.
ثانياً: النجاحات العسكرية التي حققها «أنصار الله» ضدّ القوى الرجعية وبقايا النظام القديم، إذ أثرت هذه الانتصارات على مجمل التوازن بين القوى الداعمة للثورة والتغيير وبين القوى المتمسكة بالنظام الحالي.
ثالثاً: نجاح حزب «أنصار الله» في المزاوجة بين العمل السياسي الجماهيري والعمل العسكري على نحو يساعد في أن يغذي العمل العسكري العمل السياسي والجماهيري ويحميه من بطش السلطة، ويساعد العمل السياسي الجماهيري على تزخيم العمل العسكري وجعله امتداداً للعمل السياسي بأشكال أخرى، ونادراً ما هُزمت حركة ثورية أحسنت عملية المزاوجة بين العمل العسكري والعمل السياسي الجماهيري.
رابعاً: طبيعة الخطاب الوحدوي الذي يتبناه «أنصار الله» على الرغم من محاولات دمغهم بتهمة الطائفية، ووضوح وطنية هذا الخطاب في عدائه للغرب ولـ»إسرائيل»، وتمسكه بحقوق المواطنين والعمل على تحقيقها في وجه ازدراء السلطة لهذه الحقوق.
خامساً: واقعية الشعارات السياسية والمطالب التي رفعها هذا التيار، والتي تمركزت حول ثلاثة شعارات يصعب على أحد رفضها، وهي استقالة الحكومة الحالية، وإلغاء سياسة «الجرعة» التي أدّت إلى رفع أسعار المشتقات النفطية، وتطبيق «مخرجات» مؤتمر الحوار الوطني.
بديهي أنّ هذه الشعارات تعبّر عن مصالح كلّ اليمنيين، أو على الأقلّ الأغلبية الساحقة منهم، وهذا هو الذي يفسّر هذه المشاركة العارمة في المسيرات والاعتصامات التي دعا إليها عبد الملك الحوثي.