جاء التقرير العسكري الأميركي مدمّراً لـ«الإسرائيليين» هل يحاكَم قادة «إسرائيل» لارتكابهم جرائم حرب؟!
لماذا ترك قصف «إسرائيل» قطاع غزّة الضباطَ الأميركيين مذهولين؟ التحليل: تقول مصادر عسكرية في البنتاغون، إن قصف حيّ الشجاعية فاجأ حتى وزير الخارجية جون كيري.
أنهى إعلان وقف إطلاق النار الثلاثاء الماضي بين «إسرائيل» والفصائل الفلسطينية، سبعة أسابيع من القتال الذي راح ضحيته 2200 فلسطينياً و69 «إسرائيلياً». ومع سعي المعسكرين المتنافسين إلى وضع دراسات حول ما حصل، فإنّ دراسة تقويمية واحدة لن يكون مسموحٌ لها بالخروج إلى العلن، ألا وهي الدراسة العسكرية الأميركية. وعلى رغم أن البنتاغون يخجل من التعبير علناً عن مواقفه التي ستصطدم حكماً بالكونغرس المؤيد مسبقاً للقرارات «الإسرائيلية»، إلا أنّ مصدراً عسكرياً أميركياً رفيع المستوى ـ فضّل عدم الكشف عن اسمه ـ عرض تقارير لاذعة حول التكتيكات «الإسرائيلية»، خصوصاً في حيّ الشجاعية في قطاع غزّة.
واحدة من أكثر اللحظات حرجاً في تاريخ عملية «البنيان المرصوص» كانت في العشرين من تموز الماضي، عندما رصدت «فوكس نيوز» مخابرة لوزير الخارجية الأميركية جون كيري يعلّق ساخراً على العملية العسكرية «الإسرائيلية» قائلاً: «إنها عملية معقدة ودقيقة للغاية».
وابلٌ من القذائف شديدة الانفجار
جاء تعليق كيري هذا عقب أعنف قصف في هذه الحرب، إذ أمطرت المدافع «الإسرائيلية» آلاف القذائف شديدة الانفجار فوق حيّ الشجاعية، وهي منطقة سكنية في الجانب الشرقي من القطاع. مصدر عسكري أميركي رفيع المستوى اعتبر أن تعليق كيري هذا، جاء نتيجة تقرير البنتاغون التقويمي حول العملية «الإسرائيلية»، كان قد اطّلع عليه قبل لحظات قليلة مضت.
هذا التقرير الذي أذهل المسؤول العسكري الأميركي حين اطّلع عليه في البنتاغون يوم 21 تموز، يضمّ ملخصاً للساعات الأربع والعشرين التي سبقت هذا التاريخ، والتي تؤكد أنّ 11 كتيبة مدفعية، أي ما لا يقلّ عن 258 قطعة مدفعية، قصفت أكثر من 7000 قذيفة شديدة الانفجار على حيّ الشجاعية في غزّة، فضلاً عن 4800 قذيفة أخرى في فترة زمنية لم تتجاوز الساعات السبع.
مجموعة كبيرة مختارة من المسؤولين العسكريين وضباط المخابرات كانت تتلقى يومياً تقريرين ملخّصين حول العملية «الإسرائيلية» العسكرية على قطاع غزّة. المعلومات الواردة في هذه التقارير جُمعت من مصادر موثوقة في استخبارات الجيش «الإسرائيلي» ممّن يتحدثون مع المسؤولين الأميركيين عبر الأقمار الصناعية، تقدّم تقريراً مفصّلاً حول تكتيكات القتال «الإسرائيلي» وأداء أسلحته، التي قدّمت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً منها. وعلى رغم خجل هذه التقارير من إطلاق أحكام سياسية على العملية، فقد انتقد مسؤولون رفيعو الأداء العسكري التكتيكي للجيش «الإسرائيلي»، لا سيما في الغزو البري لحيّ الشجاعية. ورفض متحدّث رسمي بِاسم البنتاغون التعليق على محتويات هذا المقال.
أسقط الجيش «الإسرائيلي» يوم السادس عشر من تموز منشورات فوق حيّ الشجاعية، تحثّ فيها السكان على ترك منازلهم. لتبدأ في اليوم التالي وبعد إعداد مدفعية قصيرة، وثلاث وحدات من الجيش «الإسرائيلي» بقيادة اللواء جولاني، هجوماً برّياً عنيفاً في الحيّ لتدمير مخابئ حماس وتشتيت تشكيلات قياداتهم.
خلع القفازات
كان التوغل ناجحاً في البداية، إذ لم يلقَ جنود الجولاني مقاومة تذكر. لكن بعد ظهر يوم السبت التالي في 19 تموز، انخرطت وحدات منظمة من حماس ومدرّبة تدريباً جيداً في قتال الشوارع والأزقة في حيّ الشجاعية. كان متوقعاً أن تكون العملية البرّية محدودة، لكن عناصر حماس المجهّزين بالكامل والذين خرجوا من الملاجئ والمخابئ فاجأوا عدوّهم وأظهروا مكامن ضعفه. وقد صرّح المستشار المدني للرئيس «الإسرائيلي»: «إنّ مقاتلي حماس أظهروا مثابرة غير متوقعة وكانوا فعالين جداً ضدّ الوحدات المدرّعة لدينا».
تطوّر الاشتباك في وقت متأخر من ليل السبت وحتى صباح الأحد، وبعد ثماني ساعات أي عند صباح العشرين من تموز، كان الجيش «الإسرائيلي» قد خسر 13 جندياً، سبعة منهم قضوا في ناقلة جنود مدرّعة اشتعلت فيها النيران، بعد أن قامت مجموعة من حماس بتفجير لغم تحتها. وعندما تحرّك الجيش لاسترداد الجثث والآلية المنكوبة، استهدف مقاتلو حماس مركباتهم ودارت بينهم معارك أدّت إلى تراجع القوات «الإسرائيلية». وفي صباح ذلك الأحد المبكر، ومع تزايد خسائر الجيش «الإسرائيلي»، اعتمد كبار ضباط هذا الجيش وقادته سياسة خلع القفازات، ففتحوا النار ـ ببساطة ـ على أيّ شيء يتحرك، وفقاً لتقارير الصحافة «الإسرائيلية».
ووصف مسؤولون فلسطينيون ما كان يحدث في الشجاعية بأنه مجزرة، وعندما تزايد الضغط الدولي على «إسرائيل» بسبب قصفها الهستيري على الشجاعية، برّرت ذلك بأن هذا الحيّ أصبح بؤرة يلتجئ فيها قياديو حماس، وأنها أنذرت السكان بضرورة إخلاء المكان. غير أن حماس منعتهم من ذلك ووضعتهم في خط النار كي تجعل منهم دروعاً بشرية تحميها.
عكست تعليقات كيري الساخنة عبر الهاتف صدمة المراقبين الأميركيين من القصف «الإسرائيلي». و صرّح مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون قائلاً: «توازي أحد عشر كتيبة مدفعية للجيش الإسرائيلي ما يعادل مدفعية فرقتين من المساة الأميركية… إنها كمية كبيرة من الأسلحة وهي حتماً مميتة». كما أكد ضابط مدفعية متقاعد خدم سابقاً في العراق، أن تقرير البنتاغون لا شك أنه قلّل من قدرة النيران «الإسرائيلية» وتأثيرها على الشجاعية. «فهذا يعادل مدفعية توضع لدعم سلك كامل، إنه بلا شك عدد ضخم من الأسلحة».
وكان ضابط عسكري أميركي رفيع المستوى قد صرّح بأن «السبب الوحيد للقيام بذلك، أن تقتل أكبر عدد ممكن منهم في فترة زمنية قصيرة… إنه ليس استئصالهم أو جزّ العشب»، مشيراً إلى مصطلح شعبي «إسرائيلي» يستخدم في العمليات الدورية ضدّ حماس في غزّة… «إنه فقط إزالة التربة السطحية».
«يا إله السموات»، هتف الجنرال المتقاعد روبرت جارد يوم 21 تموز عندما علم عدد الصواريخ المدفعية التي قصفت على الشجاعية. «إنه لرقم مذهل في مثل هذه المدّة الزمنية القصيرة». وأضاف: «حتى لو كانت هذه الأرقام نصف حقيقية، فإن ردّ الفعل الإسرائيلي جاء غير متناسب».
يشرح جارد أنه حتى الذخائر الأكثر تطوراً لا تمتلك القدرة على الهبوط أكثر من عشرات أو مئات الأقدام على الأهداف المنشودة. ومعظم الخبراء المدفعيين يدركون هذه الحقيقة تماماً وقد عوّضوا عن خسارتهم هذه بإطلاق المزيد من القذائف المدمّرة. وحتى لو انخفضت نسبة سقوط هذه القذائف على الشجاعية فقط 10 في المئة، فإن هذا يعني سقوط ما لا يقلّ عن 700 قذيفة على رؤوس المدنيين من السكان ليل 20 تموز وحتى صباح الحادي والعشرين. والأهداف الأكثر دقة تبلغ نسبة تحقيقها ما يزيد على 164 قدماً ارتفاعاً. أي كما قال جارد بعبارة أخرى: «ليست كلّ أسلحة الدقة دقيقة كفاية».
كبار الضباط الأميركيين ممن هم على دراية بالمعارك والعمليات المدفعية «الإسرائيلية»، والتي على ما يبدو تأثرت بالتقارير التي وُضعت حول القصف المدفعي العنيف للشجاعية، أقرّوا بأن استهداف «إسرائيل» هذا المكان لم يكن استهدافاً لمواقع قادة حماس العسكريين بقدر ما هو قصف عشوائي في شوارعه ووهاده وأزقته. فقد صُمّمت هذه العملية لتدمير أنفاق حماس التي تستعين بها لإطلاق النار… فهم قد «بدأوا بقمع مراكز إطلاق النار لحماية وحداتهم، لكنهم انتهوا بأن صبّوا كلّ نيران مدفعياتهم في وابلٍ عشوائي بعدما شعروا بأنهم يخسرون كلّ شيء، دافعوا عن وجودهم بوابلٍ من القذائف!!!»، صرّح المسؤول العسكري الرفيع في البنتاغون، مشيراً إلى أنّ لائحة المدنيين الطويلة ممن قضوا حتفهم في ذلك القصف المركز على الشجاعية كان بفعل القصف الهستيري العشوائي.
قال ضابط أميركي كبير: «اسمعوا، نحن نعرف ما معنى أن يُقتل المدنيون في الحروب… حتى أنّ هذه الأخبار تتصدّر صفحات جرائدنا، ونطلق عليها تسمية أضرار جانبية، ونحاول قدر الإمكان التقليل من شأنها، إذ إننا ندرك تماماً أنّ قتل المدنيين سيحوّل الرأي العام ضدّنا. فقتل الأبرياء وصفة سحرية للهزيمة والفشل. لكن أليس هذا هو ما فعلته مدفعية الجيش «الإسرائيلي» في الحادي والعشرين من تموز في حيّ الشجاعية؟ دروع بشرية؟ من ذا الذي يمتلك جرأة الإقرار بذلك؟».
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق