«داعش»… فرصة أم تهديد؟
هاني قاسم
أعلن «داعش» إمارته الإسلامية في العراق وسورية، وتمدّد إلى مشارف أربيل، ولبنان، ووصل إلى الحدود التركية والكويتية والسعودية، فأدرك الغرب والشرق خطر هذا التوسّع، وأنه يشكل تهديداً لأمن المنطقة والعالم.
فرض الخطر الداعشي على الجميع أن يعيدوا النظر في أولوياتهم، فلم يعد إسقاط النظام السوري أولويتهم، بل محاربة «داعش» هي الأولوية، فأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما على مواجهة «داعش»، ولم يعد استمرار أزمة العلاقات بين السعودية وإيران أمراً مقبولاً في ظلّ الخطر الداهم، فاجتمع مساعد وزير الخارجية الإيراني مع الفيصل وبحث معه سبل «مواجهة التطرف والإرهاب»، وهي أول زيارة لمسؤول إيراني بعد انقطاع العلاقات بينهما، ودعت الدول الغربية سورية إلى التعاون الأمني معها، وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2170 لمحاربة «داعش» و«النصرة» تحت الفصل السابع، ولكن مع عدم وضع آليات للتنفيذ، ورحّبت سورية عبر وزير خارجيتها بالتعاون الدولي معها، ولكنها اشترطت احترام السيادة السورية، ودعت الدول الغربية ودول المنطقة إلى الاجتماع من أجل محاربة الإرهاب ومن ضمنهم إيران، واجتمعت خمس دول عربية بينها السعودية وقطر واتفقت على ضرورة محاربة الإرهاب في سورية، وتنامي الفكر المتطرف الذي يهدّد المنطقة.
تدخلت أميركا بضربات عسكرية وعلى نطاق محدود، لأنّ داعش اقترب من أربيل، حدود مشروع الدولة الكردية التي تتقاطع فيها مصلحة الأكراد مع مصلحة أميركا لتقسيم العراق مشروع بايدن والتي تعتبرها مركزاً استراتيجياً لها أهميتها الاقتصادية والأمنية، فأرغم «داعش» على التراجع، علماً بأنّ حلّ المشكلة لا يقتصر على مواجهة «داعش» في العراق فقط، بل وفي سورية أيضاً، وهو ما أشار إليه رئيس هيئة الأركان للجيوش الأميركية مارتن ديمبسي، ولكن هل ستكون أميركا جادة في القضاء على «داعش»؟ وهل هي مستعدّة لوقف الحرب على سورية والتسليم بزعامة الرئيس بشار الأسد؟
وإذا ما أرادت أميركا تحجيم «داعش» في العراق وتقليص خطره فيها ودفعه باتجاه سورية من أجل الضغط عليها لتقديم التنازلات، فهل تضمن نتائج ما خططت له؟ أم أنّ «داعش» سيعتبرها فرصته فيزداد توسّعاً في سورية، ويحاول التمدّد مجدداً في لبنان بعد أن حالت مجموعة من الظروف دون سيطرته على القرى المحيطة بعرسال لاستكمال إمارته فيها وربط قرى القلمون بعكار وصولاً إلى المنفذ البحري؟
وهل اكتفت أميركا في العراق باستبدال المالكي بحيدر العبادي؟ أم أن هناك مجموعة مطالب سياسية لا بدّ من استكمالها قبل البدء بمعركة إنهاء «داعش»؟
وأما في سورية فهل الغرب مستعدّ للتعاون مع النظام لأنه الجهة الأقدر على مواجهة «داعش» أم أنه سيزيد من دعمه للمعارضة المسلحة التي لم تستطع مواجهة المدّ الداعشي، وانسحبت من العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتها؟
إنّ المتابع لتطوّر الأحداث يرى أن الخطوات الإجرائية ليست بحجم ما أعلن عن خطر «داعش» وضرورة القضاء عليه، فتدخل أميركا في العراق لا يزال محدوداً، وأما في سورية فقد أعلنت أنها لا تنوي التعاون مع حكومة دمشق لأنها تريد استمرار النزف فيها! والنتيجة هي أنّ استمرار تعاطي أميركا مع ملف محاربة الإرهاب بهذه الطريقة، تحاربه في مكان وتغضّ الطرف عنه في مكان آخر، فسوف يساعد هذه الجرثومة السرطانية على الانتشار والتمدّد في دول الجوار وصولاً إلى ما يمثله ذلك من تهديد للدول الأوروبية ولأميركا نفسها.