ضغط ربع الساعة الأخير من ولاية أوباما يبدأ بالرياض
روزانا رمَّال
وحدها السعودية اليوم تبدي حماسة «أقل» نحو الانضمام لسياسة التفاهمات المفترضة التي يسعى الى التوصل اليها الطرفان الأميركي والروسي في ما تبقى من وقت قبل اختتام عهد الرئيس الأميركي باراك اوباما الحافل. وحدها السعودية لا تبدي حماسة كاملة نحو المساعي المبتكرة من اجل التوصل الى اتفاق وقف اطلاق للنار ليس لأنها مجبرة على ذلك في سورية وفقدت نفوذها الميداني وثقله، فحسب بل بسبب ربطها وقف اطلاق النار في سورية بوقف اطلاق للنار متبادل في اليمن ما يعني ربطها لتنازلاتها في الساحة السورية بحماية ساحتها وحدودها الجغرافية. وهنا فان تقدمت بطيئا بهذا الاطار بخصوص الحلّ السياسي باليمن بدأ يطرأ منذ توجه الاطراف المفاوضة الى الكويت والقبول السعودي بمبدأ التفاوض مع الحوثيين الذي يعتبر بحد ذاته اعترافاً بوجودهم وبحتمية مشاركتهم لايّ حلّ مقبل لكن هذا لم يعد كافياً وحده.
التباطؤ في الحركة السعودية على خلاف المسارعة التركية لاحداث فارق ما في مسألة مكافحة الارهاب مع انضمامها الى اللاعبين «الكبار» في المهمة بشمال سورية يضع السعودية في خانة مريبة ربما وضعت بعض أسسها في رهان غير واضح المعالم على الانتخابات الأميركية المقبلة. فعلى ما يبدو، تعتقد الرياض بامكانية تحسين شروط المفاوضات مع الادارة المقبلة اذا وصلت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون الى الرئاسة من دون ان تتنصل من حتمية اعتبار الحل السياسي كملاذ أخير، لكن عملا بالحفاظ على اكبر قدر ممكن من المكاسب مع الادارة الجديدة.
يلفت التصعيد اليمني في هذا التوقيت الدقيق ويلفت معه استخدام صواريخ وصلت لعمق الأرض السعودية مع تسريبات تتحدث عن تصعيد أكبر في حال تدهور الاوضاع فالتيار الحوثي «انصار الله» بالاشتراك مع قوى علي عبدالله صالح تضغط باتجاه الحدود السعودية وما بعدها بشكل بات الحديث عن نوبات قصف صواريخ قادرة على الوصول للعاصمة الرياض وارد وهذا يعني أن الحديث عن قدرة سعودية بإطالة عمر الحرب أكثر غير ممكن في اي تقدير من التقديرات.
تدرك المملكة أن طيلة سنة وستة أشهر على حرب اليمن لم تتراجع العزيمة والهمة اليمنية المدعومة من ايران عملياً، لا بل بدأت تظهر القدرات «الطويلة المدى» مؤخراً من صواريخ وأدوات اشتباك ميدانية متطورة وهذا يعني بالنسبة للسعودية ايضاً استحالة حسم المعركة بالكامل لصالحها.
التباطؤ السعودي في التفاعل مع حركة التغيير ومحاولة التخلص من ضغط الادارة الأميركية الحالية عليه والإحراج الذي تسببته تركيا في التحولات السريعة بقتال الارهاب جعل الأحداث اسرع من امكانية إعطاء الرياض فرصا جديدة عند واشنطن التي تستعجل احداث خرق ما في المنطقة وها هي ترسل نائب وزير خارجيتها توم شانون الى مسقط حيث يحضر اسم العاصمة مجددا ليتوج الحلول بعد الاتفاق النووي الإيراني واستقبالها مباحثات الدول الخمس زائداً واحداً بشأنه. زيارة شانون تأتي بعد الزيارة الهامة التي قام بها كيري بالاسابيع الماضية الى جدة واجتمع بدول مجلس التعاون الخليجي مطلعاً إياهم على المرحلة الجديدة والتقدم الذي تحرزه واشنطن مع موسكو. وعلى هذا الاساس فإن المبعوث الأميركي يتقدم لمتابعة ما كان قد اتفق عليه كيري مع الخليجيين ولتحريك عجلة المفاوضات السياسية بالتوازي مع بحث العملية السياسية في سورية من اليوم حتى آخر اسبوع من شهر ايلول حيث تتوضح اكثر المواقف النهائية.
يقول المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا أن «21 أيلول يوم هام في التسوية السورية»، وان «الوقت قد حان لمنح العملية السياسية في سورية دفعاً جديداً». لم يستبعد دي مستورا إمكانية صدور تصريحات هامة بشأن التسوية السورية في هذا التاريخ في نيويورك، حيث من المقرر عقد اجتماع وزاري بشأن الأزمة في سورية.
السعودية التي بدأت تستشعر بعض المتغيرات المقبلة والتي صرح وزير خارجيتها عادل الجبير لاول مرة عن عدم ثقته بان الأسد سيساهم بتثبيت الحلول وما فيه من اعتراف ضمني ببقائه ضمن المشهد السياسي بسورية بعيداً عن تكرار دعوات المملكة على وجوب رحيله واستحالة القبول به ولو مرحلياً فوجئت بقرار مجلس النواب الاميركي باقراره قانونا يسمح لضحايا اعتداءات 11 ايلول 2001 وأقاربهم بمقاضاة حكومات أجنبية يشتبه بدعمها اعمالا ارهابية ضد الولايات المتحدة ما يعني السعودية بشكل اساسي وهي التي تعارض المشروع منذ اربعة اشهر لحظة مصادقة مجلس الشيوخ عليه.. مشروع القانون يتحدث عن15 من اصل 19 شخص متهمين بخطف الطائرات التي استخدمت في الاعتداءات جنسيتهم سعودية.
وعلى الرغم من امكانية نقض القرار واهمية رفعه الى البيت الابيض لمصادقة الرئيس باراك اوباما عليه قبل ايام من الذكرى الـ15 للاعتداءات، فإن هذا لا يعني الحذر الذي اضافه المشروع على الادارة السعودية التي بدأت تستشرف مرحلة جديدة من التعاطي الأميركي معها ومرحلة من الامتعاض بالرأي العام الأميركي والدولي تجاهها وهي المتهمة بجرائم ضد الاطفال باليمن. كل هذا سيجعلها تسارع للتخلص من ضغط الصاق تهم الارهاب وشبهاته دولياً.
باراك اوباما الذي يعلن عن معارضته للقانون يعرف جيدا كيفية الابتزاز في قضية من هذا الحجم وهو على الاقل ورقة أميركية ناجحة في تحريكها بهذا التوقيت بالذات، فكيف ومن حرّكها ؟ ضغط الربع الساعة الأخير من ولاية اوباما تعيشه الرياض بكل تداعياته.