مع ميشال عون رئيساً التغيير ممكن… الإصلاح متعذّر
د. عصام نعمان
إذا انتخب رئيس تكتل التغيير والإصلاح البرلمانية العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول/أُكتوبر، يمكن القول إنّ التغيير في لبنان بدأ، فهل الإصلاح في ضوئه ممكن؟
المقصود بالتغيير الانتقالُ من حال الركود نتيجةَ شغور رئاسة الجمهورية منذ أواخر أيار/ مايو 2014 إلى حال سياسية مغايرة يمكن خلالها تحريك فعاليات البلاد باتجاه تحقيق مطلب الإصلاح. لكن، هل انتخاب عون مضمون آخرَ الشهر الحالي؟
إنه ممكن، لكنه غير مضمون. فالأمر يتوقّف على مدى قدرة عون وحلفائه على تأمين حضور ما لا يقلّ عن 86نائباً وتصويتهم إلى جانبه في جلسة الانتخاب. إذا تعذّر ذلك، فقد يلجأ رئيس مجلس النواب، بعد دورة الاقتراع الأولى، إلى رفع الجلسة بدعوى فقدان النصاب القانوني المحدّد بثلثيْ المجلس، أيّ 86 نائباً.
المساعي جارية على قدمٍ وساق لتأمين حضور ما لا يقلّ عن 86 نائباً مؤيداً لانتخاب عون. لكن مقاطعة عدد كبير من نواب «تجمّع 14 آذار»، بينهم نواب من أهل السنّة في بيروت وشمال لبنان والبقاع الغربي، قد تؤدّي الى تعثّر انتخاب عون وإلى العجز تالياً عن تحقيق التغيير المنشود.
حتى لو أمكن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، فإنّ مطلب الإصلاح يبقى متعذراً لأسباب ثلاثة:
أولها سبب شخصي أو شخصاني. فرئيس مجلس النواب نبيه بري ثابت في موقعه منذ العام 1992 بفضل عوامل متعدّدة أبرزها وفرة قدراته الذاتية، وضعف أعدائه ومنافسيه، ودعم حلفائه المحليين والإقليميين. ثباته الطويل في مركزه مكّنه من التحوّل، ولا سيما بعد انحسار نفوذ سورية في لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب قواتها، إلى مرجعية سياسية أولى في البلاد. هذه المكانة العالية المستجدّة منحت بري نفوذاً متزايداً أحسَنَ استعماله في توطيد مركزه ومصالحه. ولعلّ السبب الرئيس لمعارضته العماد عون رئيساً للجمهورية هو رفضه ان يقتصر دوره في انتخابه على المباركة بدلاً من المشاركة، كما شعوره بأنه سيفقد معه مكانته ونفوذه كمرجعية أولى. ذلك أنّ عون شخصية قوية بل أقوى من كلّ الذين تعاقبوا على سدة الرئاسة. فهو الأوسع شعبيةً، ولا سيما بين المسيحيين، ورئيس لكتلة برلمانية كبرى، وحليف لكتلة برلمانية أخرى وازنة الوفاء للمقاومة ذات قاعدة شعبية واسعة. كلُّ ذلك يمنحه كرئيس للجمهورية، وربما للمرة الأولى في تاريخ لبنان المعاصر، هامشاً واسعاً من حرية الحركة والمناورة والنفوذ. فلا غرابة إنْ ولّد ذلك لدى بري شعوراً نفسياً سلبياً إزاء عون مشفوعاً بعزيمة متّقدة لإبعاده عن رئاسة الجمهورية ولمناكفته إذا ما نجح في الوصول إليها. ولا غرابة أيضاً أن تكنّ شخصيات قيادية أخرى في الشبكة السياسية الحاكمة مشاعرَ سلبية لعون لا تقلّ عن مشاعر بري، وأن تجد طريقها الى التعبير والتأثير عند تأليف الحكومة الجديدة، وبالتالي عند بحث قضايا الإصلاح، وفي مقدّمها قانون الانتخاب الجديد.
ثانيها سبب سياسي، ذلك أنّ موازين القوى المحلية متكافئة ومتشابكة في آن، الأمر الذي يجعل التوافق على صيغ مشتركة للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستحقة مسألة بالغة الصعوبة. لنأخذ مثلاً قانون الانتخاب بما هو المدخل الى الإصلاح السياسي. لا غلوّ في القول إنه ما زال موضع أخذ وردّ وجدل محموم منذ إدخال إصلاحات وثيقة الوفاق الوطني الطائف في متن الدستور سنة 1990. فلا غرابة، والحالة هذه، ان يكون أمام مجلس النواب لا أقلّ من 17 مشروعاً واقتراحاً لقانون الانتخاب، وان يعجز المجلس كما طاولات الحوار المتوالية منذ نحو 10 سنوات عن التوصل الى صيغة توافقية بشأنه. وثمة مَن يعتقد انّ أطراف الشبكة السياسية الحاكمة تقصّدوا الاختلاف والاصطراع حول قانون الانتخاب كي يقدّموا المبرّر الكافي لترسيخ الأمر الوحيد الذي يتفقون عليه وهو تمديد ولاية مجلس النواب بتركيبته الحالية الى أبد الآبدين! ومن أبرز المفارقات اللافتة في هذا المجال انّ كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التي يرأسها العماد عون تدعو الى اعتماد النسبية التمثيل النسبي في الانتخابات وتجاريها في هذا السبيل كتلة الوفاء للمقاومة حزب الله وكذلك كتلة التحرير والتنمية حركة أمل وغيرهما من التكتلات المؤيدة أو المعارضة لعون، في حين أنّ أطراف «تجمع 14 آذار»، وفي مقدّمهم «تيار المستقبل» الذي يرأسه سعد الحريري، تعارض النسبية وتستميت في المحافظة على نظام التمثيل الأكثري. فكيف يمكن حلّ هذه الإشكالية، بل هذا الافتراق، عندما يصبح عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة؟
ثالثها سبب إقليمي. ذلك أنّ الحريري وحلفاءه المحليين مرتبطون بصورة عامة بالسعودية التي تعتبر انّ مواجهة إيران يجب أن تكون قضية العرب الأولى، في حين تدعم إيران كتلة الوفاء للمقاومة وحلفاءها المحليين الذين يعتبرون انّ قضية العرب الأولى يجب أن تكون فلسطين ومقاومة الكيان الصهيوني، وانّ التطورات الإقليمية منذ العام 2011 جعلت تنظيمات «الإرهاب التكفيري»، وفي مقدّمها تنظيما «داعش» و»النصرة»، خطراً موازياً في جسامته لخطر «إسرائيل»، ولا سيما بعد ثبوت قيام تعاون بين دولة العدوان والاستيطان من جهة وتنظيمات الإرهاب التكفيري والعنف الأعمى من جهة أخرى. غنيّ عن البيان انّ انشغال أطراف الصراع في لبنان، كما في المنطقة، كلّ منها بما يعتبره القضية الأولى التي تقتضي المواجهة، يجعل الاهتمام بأيّ قضية أخرى، حتى لو كانت إصلاحية ملحّة، مسألة مؤجلة، خصوصاً مع وجود تباين واسع في الرأي بشأنها بين الأطراف السياسية المتصارعة.
باختصار، حلم التغيير مع ميشال عون ممكن، لكن الإصلاح صعب بل متعذّر، خصوصاً إذا ما جاء التغيير محدوداً وضيقاً وعرضةً لتحديات وتداعيات ناشئة عن صراعات مزمنة ما زالت تعصف بلبنان وسائر دول الإقليم.
ما المخرج؟
لا بدّ من انتفاضة شعبية تنتج موجة عارمة من التغيير تُنتج بدورها مؤتمراً وطنياً جامعاً للنهوض بمتطلبات الإصلاح الشامل لإدارة التنوّع اللبناني. ولهذا كله حديث آخر.