عون لزيارة الرياض بعد الحكومة… والوحدة الوطنية ضامن الاستقلال والاستقرار سجال بري الحريري يعيد فريقَيْ 8 و14 للواجهة الحكومية والقضية قانون الستين

كتب المحرّر السياسي

قبل أن يصحو حلفاء واشنطن من صدمة هزيمة هيلاري كلينتون في السباق إلى البيت الأبيض وتلاشي الرهانات التي رافقت آمال فوزها بظهور تصريحات منافسها دونالد ترامب الذي صار رئيساً يستعدّ لدخول البيت الأبيض تحت شعار التعاون مع روسيا والرئيس السوري في الحرب على الإرهاب، حملت الانتخابات التمهيدية ليمين الوسط في فرنسا نتائج مشابهة، فسقط الرهان على المرشح ألان جوبيه وتثبت فوز المرشح فرنسوا فيون الذي يدعو للتعاون مع روسيا والرئيس السوري بشار الأسد في الحرب على الإرهاب، مثله مثل منافسته المحتملة مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، فبدت الرياض مربكة في خطواتها اليمنية بين التأقلم مع هزيمتها وتقبّل مسار سياسي ينتهي بإطاحة فريقها اليمني وعلى رأسه منصور هادي، وبين السعي لإمساك هذا الفريق بيده وجذبه للتسوية السياسية ولو اقتضى ذلك تمديد الحرب، بينما تركيا التي صرخت وزمجرت عن خطوط حمر رسمتها في سورية والعراق، فقد وقفت مرتبكة في كيفية التعامل مع سقوط هذه الخطوط بتقدّم الجيش السوري في شرق حلب وتقدّم الحشد الشعبي العراقي في محاور تلعفر، وتصدّي الطائرات السورية للطائرات التركية وإخراجها من الأجواء السورية تنفيذاً لتهديد سوري سابق، وتبدو الصورة الإقليمية مرشحة للمزيد من الارتباك في وضع حلفاء واشنطن سواء مع وقائع الميدان التي لا تريحهم، أو مع التراجعات المتتابعة في دول الغرب عن سياسات الحرب بعدما صار الفشل حصادها الوحيد.

لبنانياً، أضيف السجال الذي دار بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري إلى السجال الذي دار قبله بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس بري ليتعقّد المشهد الحكومي أكثر، وجاء إيحاء الحريري بتحميل بري مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة كافياً لردّ قاسٍ من بري وصف فيه الحريري بالمخالف للدستور والأعراف، وعادت الحكومة إلى المربع ما قبل الصفر، ولم يعد ممكناً الحديث عن مواعيد ولادة قريبة، رغم تفاؤل المتفائلين، فقانون الانتخابات النيابية والانتخابات، وقفا قبل أكثر من ثلاث سنوات وراء استباق نهاية الولاية الرئاسية للعماد ميشال سليمان بقرابة السنة بتمديد لولاية المجلس النيابي فرضه تلويح الحريري بعدم المشاركة في الانتخابات، ورفضه السير بقانون جديد، وبقي الفراغ الرئاسي ممتداً بقوة وجود مجلس ممدّد لا يمكن لمجلس منتخب حديثاً تحمّل تبعات الفراغ الذي تحمّله لسنتين ونصف السنة، ثبت أنها كانت مهلة صمود الحريري في رفض الخيار الرئاسي لحزب الله الذي مثله العماد عون، والسؤال اليوم أنه إذا كان العماد عون بعدما صار رئيساً للجمهورية يعتبر حكومة العهد الأولى تتشكل بعد الانتخابات المقبلة، انطلاقاً من الإيحاء بقانون جديد وزخم انتخابي يرافقها يغيّران المعادلات، فلماذا يمكن أن يعتبر الرئيس الحريري حكومته الأولى بعد الانتخابات؟

هل المقصود أنّ الحكومة لن تتشكّل وسيبقى رئيساً مكلفاً حتى تجري الانتخابات وفقاً لقانون الستين، أم الرهان على نجاح ثنائية المستقبل مع القوات في جذب التيار الوطني الحر لتحالف انتخابي على أساس قانون الستين يمكّن الحريري والقوات من حصاد مقاعد مضمونة في دوائر بيروت الأولى وزحلة وعكار والشوف، وتمكين القوات في المتن وعاليه والبترون والكورة وزغرتا على حساب حزب الكتائب وقوى الثامن من آذار، ليكون الحصاد القواتي المستقبلي المشترك ثلث المجلس النيابي المقبل، وفقاً لما تتداولة أوساط الفريقين؟

وفقاً لقراءة مصدر في قوى الثامن من آذار أنّ البلبلة التي نشأت عن المشهد الرئاسي يجري استثمارها لتمويه الحقيقة السياسية التي لا تزال محكومة بثنائية فريقَيْ الثامن والرابع عشر من آذار، حيث يمثّل رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحزب الله وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان والوزير السابق عبد الرحيم مراد والوزير السابق فيصل كرامي، تعبيراً عن جبهة سياسية واحدة، تربطها علاقة تفاهم مع التيار الوطني الحر هو التفاهم الذي أقامه مع حزب الله، والذي كان في أساس الخيار الرئاسي للحزب واحترام الحلفاء لهذا الخيار حتى مَن اختلف منهم معه حوله، بينما يقود فريق الرابع عشر من آذار ثنائي حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل محاولاً تثمير تموضعه الرئاسي الاستلحاقي عند الخيار الرئاسي لحزب الله لتصوير الحكومة حكومة منتصرين رئاسياً ومقابلهم مهزومين يستلحقون مكاناً لهم في الحكومة لتبنيهم خياراً رئاسياً مغايراً. ويضيف المصدر تبدو الحسابات الحكومية خاضعة لمعيار قواتي مستقبلي مشترك، عنوانه الحصول على الثلث زائداً واحداً لضمان القدرة على التعطيل لتمرير قانون انتخابي يعتمد النسبية يرضاه التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط، بالتفاهم مع قوى الثامن من آذار. وفي المقابل منع تحالف الثامن من آذار من الحصول على المثل، وهذا الذي يفسّر التقلب في مقاربات الرئيس سعد الحريري وممثلي القوات في كلّ من صيغتي الأربعة وعشرين أو الثلاثين وزيراً، بحيث يكون صدفة مجموع حصة القوات والمستقبل تسعة في حكومة الأربعة وعشرين وأحد عشر في حكومة الثلاثين، والضغط لإبعاد تمثيل أطراف من الثامن من آذار بخلفية منع تشكل الثلثين في حال تفاهم التيار الوطني الحر مع الثامن من آذار على قانون انتخاب، ومنع الثامن من آذار من امتلاك الثلث زائداً واحداً في حال نجاح ثنائي القوات والمستقبل بالتفاهم مع التيار الوطني الحر والنائب جنبلاط على تشكيل الثلثين لحساب أيّ قانون آخر.

يختم المصدر أنّ قوى الثامن من آذار مدعوة لتوضيح الصورة سياسياً، وخوض غمار التشكيل الحكومي على هذا الأساس، بالمطالبة بحصة موازية عدداً ونوعية حقائب، سيادية وغير سيادية، لما يناله فريق الرابع عشر من آذار، واعتبار فريق رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وفريق النائب وليد جنبلاط فريقاً ثالثاً تربطه بكلّ من الفريقين تفاهمات تتيح جعله فريق الوسط، ولا مانع من المثالثة بين الأطراف الثلاثة سواء في صيغة الأربعة وعشرين وزيراً أو الثلاثين فلا ينال أيّ فريق ما يعطل تشكّل الثلثين اللازم لإقرار أيّ قانون انتخاب، أو يمتلك فريقا الثامن والرابع عشر من آذار هذه القدرة بالتساوي.

الحريري قذف كرة النار

قذَفَ الرئيس المكلّف كرة النار الحكومية الى ملعب رئيس الجمهورية الذي التقاه عشية عيد الاستقلال عارضاً مسودة حكومية بعد ثلاثة أسابيع على التكليف وعد عون بدراستها والردّ عليها في غضون أيام قليلة. ولم يوفر الحريري رئيس المجلس النيابي من الرسائل المبطنة التي تحمل في طياتها اتهامات بالتعطيل، بقوله في دردشة مع الصحافيين في باحة القصر بأن الجهة التي تعطل باتت معروفة. كلام سعد الحريري لم يمرّ مرور الكرام في عين التينة التي ردت بالأسلوب نفسه بتصريح من الرئيس نبيه بري قال فيه: «ليس جواباً على دولة الرئيس سعد الحريري بل توضيحاً له، الذي يعرقل هو الذي يخالف الدستور والأعراف وقواعد التأليف وليس من يحذّر من ذلك، وقد يكون الهدف الأبعد الإبقاء على قانون الستين».

وتوجّه الرئيس ميشال عون إلى اللبنانيين في رسالة الاستقلال الذي يحتفل به لبنان اليوم، بالقول: «إن آمالكم المعقودة على هذا العهد كبيرة بحجم تضحياتكم ومعاناتكم وانتظاركم، وكما بدأنا هذه الطريق معاً سنكملها معاً، فجهّزوا سواعدكم لأن أوان بناء الوطن قد حان، وورشة البناء تحتاج الى الجميع، وخيرها سيعم الجميع». ولفت إلى أن المؤسسات الوطنية عانت ولا تزال من وهنٍ تضاعف بسبب الخلل في الممارسة السياسية والدستورية، ولا يمكن أن تنهض من جديد ما لم يتمّ تحديثها وتغيير أساليب العمل وقواعده».

رسالتان من السعودية لعون…

في ظل حماوة المشهد السياسي والتعثر الحكومي حطّ الموفد السعودي المستشار الخاص للعاهل السعودي وأمير مكة خالد الفيصل في بيروت يرافقه وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان في أوّل زيارة سعودية بعد انتخاب الرئيس عون. وتوجّه الفيصل والوفد المرافق الى قصر بعبدا، حيث قدّما التهاني باسم القيادة السعودية للرئيس عون.

وقال الفيصل إثر اللقاء: «حملت رسالتين إلى فخامة الرئيس من خادم الحرمين الشريفين، الأولى تتضمن التهنئة بانتخابه رئيساً للجمهورية والثانية دعوة رسمية لزيارة المملكة العربية السعودية. ووعدني فخامة الرئيس بتلبيتها بعد تشكيل الحكومة». ثم انتقل الأمير الفيصل الى عين التينة، حيث عقد لقاءً مع الرئيس بري، ودار الحديث حول الأوضاع في لبنان والمنطقة. وغادر الوفد من دون الإدلاء بأي تصريح.

وختم الموفد السعودي جولته أمس، في بيت الوسط حيث التقى الحريري وجرى خلال اللقاء، عرض لتطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية. وأكد الحريري الذي استبقى الوفد السعودي على مأدبة العشاء، أن لبنان المتمسك بهويته العربية ملتزم بكل القضايا التي تحمل السعودية رايتها، بينما ردّ الفيصل بأن السعودية لا تريد لبنان ساحة خلاف عربي بل ملتقى وفاق عربي وزيارة الرئيس عون إلى المملكة سوف تكون الأولى في برنامج زياراته الخارجية.

وأشارت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ «البناء» أن «توقيت ومضمون الزيارة السعودية هو محاولة للإيحاء بأن السعودية حاضرة وفاعلة على الساحة المحلية وأن الورقة اللبنانية لا زالت في اليد السعودية لا سيما أنها جاءت بعد أسبوع على زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف الى لبنان وتحاول المملكة قطف الزيارة الأولى لرئيس الجمهورية اليها، وإن كان تقدير هذا الأمر يعود الى عون لكن المملكة لم تقدم شيئاً له بل حالت دون وصوله الى بعبدا لسنوات بل التسوية الدولية الإقليمية كانت أقوى منها فضلاً عن الظروف المالية والسياسية والحزبية للحريري التي دفعته الى السير بهذا الخيار». بينما أكدت مصادر في التيار الوطني الحر لـ «البناء» أن «عون سيدرس الدعوة السعودية، مرجحة أن يلبيها ولن تأخذ أبعاداً سياسية وبعيدة عن سياسة المحاور وتنسجم مع خطاب القسم والسياسة الخارجية المتوازنة التي يعتمدها الرئيس وفي المقابل عندما توجّه دولة أخرى دعوة له لزيارتها سيلبيها أيضاً، لأن هدفها يكون بناء اقتصاد الدولة والمؤسسات ومواجهة التحديات التي تواجه لبنان لا سيما في ظل جود آلاف اللبنانيين العاملين في دول الخليج».

وقالت مصادر مستقبلية لـ «البناء» بأن «زيارة الوفد السعودي الى لبنان فتحت صفحة جديدة من العلاقات بين لبنان والمملكة وأغلقت صفحة التشنج والتوتر الذي ساد في العامين الماضيين والزيارة هي رسالة سعودية لدعم أمن واستقرار واقتصاد لبنان».

الجمود الحكومي سيد الموقف

في غضون ذلك، وعلى خط تأليف الحكومة، لا يزال الجمود سيد الموقف في المفاوضات التي توقفت منذ السبت الماضي وإن أوحت حركة ومواقف الحريري وتفاؤله المصطنع عكس ذلك. وقالت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» إن «الحريري سلم رئيس الجمهورية أمس مسودة حكومة مكتملة بالحقائب من دون أسماء ولم يعطِ عون موافقة مبدئية عليها بل وعد بدرسها وإبداء رأيه خلال أيام»، وأوضحت المصادر أن جهات معينة تريد تدجين العهد ولا تريد له أن ينطلق بشكلٍ مريح»، مشيرة الى أنه «إذا كان التأخير ناتجاً عن صراع على الأسماء والحقائب أو على التوازنات والأحجام السياسية ووظيفة الحكومة، لكن الوقت يضيع من العهد وثلاثة أسابيع مرت من دون إصدار مراسيم التشكيل، علماً أن عيد الاستقلال توقيت وضعه الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا لتشكيل الحكومة»، وشدّدت على أن «الحريري مصرّ على أن ينال وزيراً مسيحياً ضمن حصته، كما أنه لا يبدي أي معارضة بأن يختار عون وزيراً سنياً وبري وزيراً مسيحياً لكسر الاصطفافات الطائفية التي شهدناها في الحكومة السابقة».

وأكدت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء أن «المفاوضات تراوح مكانها ويبدو أن هناك يداً خفية عرقلت الوصول الى حل توافقي للحكومة، لكن لا مانع من أن تأخذ مزيداً من الوقت لتذليل بعض العراقيل، لكن لا زلنا ضمن المهلة المعقولة». ولم تنف المصادر أن «يكون الرئيس بري هو المعني بكلام الحريري من قصر بعبدا»، بينما أوضحت أوساط عونية لـ«البناء» أن أي «تفاهم بين التيار العوني وحزب القوات لن يؤثر على تشكيل الحكومة»، كاشفة أن حقائب التيار والقوات والأسماء شبه منجزة ولم تعد عقبة أمام التشكيل، بينما العقد تكمن في مكان آخر والتيار والرئيس عون سهّلا الامور الى أقصى حد»، مشيرة الى أن «المفاوضات توقفت في الأيام القليلة الماضية على نقطة حقيبة المردة والثانية الوزير السني من حصة رئيس الجمهورية، ولم تلغ المصادر احتمال حصول مفاجآت اليوم، إلا أنها رجحت امتداد المفاوضات حتى أواخر الشهر المقبل كأبعد تقدير موضحة أنه ليس المطلوب من السعودية أن تقوم بوساطة أو تدوير الزوايا، فهي لا تتدخل في الشأن اللبناني، خصوصاً أن لا عراقيل كبيرة وجوهرية تعترض تشكيل الحكومة».

وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «حزب الله يقف مع الرئيس بري في الموضوع الحكومي وفي جميع المطالب التي يطلبها. وهو متمسك بتمثيل المردة والحلفاء، ويراقب عن كثب عملية توزيع الحقائب والأسماء، ويدعم موقف بري في ابقاء وزارة المالية ضمن الحصة الشيعية، كما يبدي استغرابه إزاء المطالب القواتية»، مشددة على أن «الحل بإرضاء بري ومكونات 8 آذار، إذ لا يتوقع أحد إصدار رئيس الجمهورية مراسيم الحكومة من دون تحقيق مطالب بري»، مرجحة العودة الى صيغة الثلاثين التي تسمح بتذليل كل العقبات إلا أن الحريري يحاول تحاشي ذلك كي لا تتحجّم حصته، وبالتالي يخف تأثيره في القرار الحكومي»، وأوضحت أن «حزب الله لا ينظر بعين القلق الى العلاقة المتشنجة بين حليفيه عون وبري فهو بذل اقصى جهده لإيصال عون الى الرئاسة، لكنه غير ملزم بأن يذلل وحده كل العبوات السياسية المزروعة على طريق العهد، خصوصاً في الملف الحكومي وهو غير معني بالتفاهم بين القوات والتيار حول تقاسم الحصص الوزارية، بل سيقف خلف حليفه بري لمواجهة تضخيم دور القوات في الحكومة المقبلة وتوليها حقائب ذات حساسية وأخطار أمنية وسياسية كالدفاع والأشغال والخارجية، أما الأخطر فهو تكريس هذا الوزن والحصة للقوات في الحكومات المقبلة».

وتحدثت المصادر عن رسائل بعثها حزب الله الى بعبدا، وأكدت أن الحزب «لا يتدخل بشكلٍ مباشر في عملية تشكيل الحكومة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى