تراجع مكانة الخليج في الخطاب الغربي لصالح الانفتاح على الأسد وحزب الله الحكومة تراوح عند العقد وصيغة ثلاثينية تعتمد المثالثة بين 8 و14 والوسط

كتب المحرر السياسي

تتزايد حالات المراجعة النقدية للسياسات في المواقف الغربية الصاعدة إلى سلّم الحكم على كتف تغييرات أملتها الحرب التي دارت في الشرق الأوسط بين محور المقاومة، والمحور الغربي العربي المناوئ، والتي أسفرت عن بروز الإرهاب كتحدٍّ كبير مشترك، كما أسفرت عن فشل ذريع لمحاولة بناء أنظمة جديدة تابعة للغرب وتحت هيمنة دول الخليج ومستقرة سياسياً وأمنياً، بقوة تمثيل شعبي وشرعية ديمقراطية للإسلام السياسي المدعوم من الغرب والخليج لقطع الطريق على محور المقاومة، وخلق توازن جديد بوجهه. ففي البلدان التي استهدفتها رياح الخماسين التي هبّت مع «الربيع العربي»، من تونس إلى مصر وليبيا واليمن وصولاً إلى سورية، راوحت النتائج بين تعويم نسخة منقحة وضعيفة للنظام الذي كان قبل هبوب الرياح، ووضع مفتوح على مخاطر تغلغل الإرهاب والتطرّف، وبين فوضى أمنية ومشاريع حروب أهلية وإقليمية ودولية تحوّلت إلى حرب استنزاف لا مستفيد فيها إلا الإرهاب.

تجمع المراجعات الظاهرة بقوة مع صعود مؤشرات تغييرات سياسية كبرى في أوروبا، من بريطانيا إلى فرنسا وألمانيا، أنّ الخطاب الشرق أوسطي للغرب يتغيّر بعمق، فهو يحفظ قدراً من الانعزالية الصاعدة بقوة تطرّف عنصري من جهة، وبتمسك بأمن «إسرائيل» وحمايتها ومكانتها، معبّراً في ذلك عن مزاج شعبوي لوطنية فجّة ترث زمن العالمية والعولمة الذي تحكم بالثقافة والسياسة في هذه الدول، التي لم تكن حكوماتها أشدّ حكمة في تعاملها مع ملفي الإسلام و»إسرائيل»، في خطاب العالمية والعولمة. لكن الجديد الذي تحمله مراجعات الوطنية الفجة، التي مثّل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نموذجها الأبرز بفجاجته، ويمثل المرشح الفرنسي الأوفر حظاً في انتخابات الربيع الرئاسية فرنسوا فيون، نموذجها المثقف والعقلاني، هو التغيير في النظر لمحورية مكانة دول الخليج في سياساتها الشرق أوسطية، لحساب نظرة نقدية لا تشكل فيها دول الخليج أكثر من سوق وحسابات مصالح نفطية وعسكرية، وليست شريكاً في صناعة السياسة. والمقابل تغيير في النظرة نحو سورية وحزب الله، عبر عنها فرنسوا فيون بوضوح، تحت شعار الدعوة الواقعية لجعل الحرب على الإرهاب أولوية السياسة الخارجية، وما تستدعيه من انفتاح على الدولة السورية من جهة، وعلى حزب الله من جهة أخرى، ودائماً على التسليم بصعود روسيا ومحوريتها.

في قلب هذه التغييرات لا تزال سورية صانع المشهد الرئيسي، حيث غوطة دمشق كما حلب تشهدان تقدّماً متزايداً متعدّد المحاور لصالح الجيش وحلفائه وسط صراخ متزايد للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي تلقى صفعة روسية بتحميله مسؤولية إضاعة فرص التقدّم على المسار السياسي، وفقاً لتصريح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ومثل دي ميستورا تصرخ فرنسا فرنسوا هولاند وتستدعي حلفاءها الخليجيين والأتراك للتشاور حول وضع حلب، والوصفة مشروع قرار يقدّم لمجلس الأمن الدولي ويسقط بالفيتو الروسي.

الإنجاز الأهمّ تمثل في نجاح الحشد الشعبي في العراق بالسيطرة على الطرق المحيطة بتلعفر، رغم التهديدات التركية، فتمكّن من قطع كلّ طرق التواصل المفترضة بين داعش والأراضي السورية، حيث أكدت مصادر عسكرية متابعة في سورية لـ»البناء» أنّ التنسيق السوري العراقي سواء مع الحكومة والجيش أو مع الحشد الشعبي، يتابع تفاصيل المناطق الحدودية على مدار الساعة منعاً لتسلل مسلحي داعش نحو سورية هرباً من الموصل.

أنقرة التي ترتبك مع مشهد تلعفر، وتقف عاجزة عن ترجمة تهديداتها بالتدخل، ترتجف على مداخل مدينة الباب التي وعد الرئيس التركي رجب أردوغان بدخولها، ولا تجرؤ على التوغل مع التهديدات السورية الواضحة بالتصدي لأيّ محاولة للتقدّم ومواجهة أيّ ظهور للطيران التركي في الأجواء السورية.

لبنانياً، تستمرّ المساعي لاستيلاد الحكومة الجديدة دون تورّط في ضرب مواعيد جديدة بعد سقوط موعد عيد الاستقلال. وبينما بشر رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بفرصة حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع، «مردة وكتائب وقوميين»، من ضمن صيغة الأربعة وعشرين وزيراً، مشيراً لعقد بسيطة يعمل على تذليلها، أوحى رئيس مجلس النواب ومثله أوساط الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، بالتفاؤل بقرب الولادة. بينما قالت مصادر مطلعة لـ»البناء» إنّ صيغة الثلاثين وزيراً عادت إلى الواجهة وفقاً لمعادلة المثالثة، بعشرة وزراء لتحالف الرابع عشر من آذار ممثلاً بتيار المستقبل والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وشخصيات مثل الوزير ميشال فرعون، وعشرة وزراء لتحالف الثامن من آذار المتمثل بحركة أمل وحزب الله وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان والوزير السابق عبد الرحيم مراد، وعشرة وزراء لتكتل الوسط الذي يرتبط بتفاهمات مع أطراف في الثامن من آذار وأطراف في الرابع عشر من آذار، كحال تفاهم التيار الوطني الحر مع كلّ من حزب الله والقوات اللبنانية، وحال تمسّك النائب وليد جنبلاط بحلفه مع كلّ من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، ومع التيار الوطني الحر والنائب جنبلاط في الوسط، حصة رئيس الجمهورية كحَكَم بين الأطراف.

جولة مفاوضات حكومية جديدة

رغم المناخ الإيجابي الذي عكسته احتفالات عيد الاستقلال في وسط بيروت ودبلوماسية «البون بون السياسي» الذي استعان به الرئيس سعد الحريري لكسر الجليد الحكومي والسياسي بين رئيسَي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، ورغم اللقاء الرئاسي الرباعي في قصر بعبدا والاجتماعات الثنائية في أروقته واللقاء المطول في أحد مكاتبه بين وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ومستشار الرئيس المكلف نادر الحريري، إلا أنها لم تنجح في إخراج التوليفة الحكومية من عنق الزجاجة ولو أعادت محركات الحريري إلى العمل وضخّت الدم السياسي في شرايين التفاوض وخفضت منسوب التشنّج بين الرئاستين الأولى والثانية الذي كاد يطيح بمساعي التأليف.

جولة جديدة من المفاوضات بدأها الرئيس المكلف مزوّداً هذه المرة بوعود التسهيل تمكّن من انتزاعها من رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي، إن في خلوة بعبدا أم عبر التشاور بين بري والحريري داخل السيارة التي اصطحبتهما معاً إلى بعبدا لتقبّل تهاني الاستقلال. فهل ينجح الحريري في الجولة الثانية بعد أن ارتطمت جهود الجولة الأولى بحائط المطالب الوزارية المرتفع والمنتفخ في ظلّ ما نقل عن الرئيس بري بأنّ قواعد جديدة ستحكم التفاوض الحكومي؟

مصادر بعبدا أكدت لـ «البناء» أنّ «تمسك الرئيس بري بوزارة الأشغال ما زال يؤخر تشكيل الحكومة حتى الساعة، وأنه أبلغ المعنيين بأنه لن يتنازل عنها لأيّ طرف آخر»، لكنها أوضحت أنّ «احتمال تنازله عنها لتيار المرده يبقى وارداً إذا بقيت العقدة الأخيرة». وأشارت المصادر إلى أنّ «رئيس الجمهورية حسم حصته وحصة التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية في لقائه الأخير مع الرئيس المكلف الاثنين الماضي، وبالتالي ترك للحريري التفاوض مع الأطراف الأخرى على الحصص والحقائب المتبقية».

هل تبدّلت قواعد التشكيل؟

وأضافت مصادر بعبدا أنّ «الأجواء كانت إيجابية خلال لقاء الرؤساء في بعبدا، لا سيما بين عون وبري لكن الذي تغيّر في التفاوض هو أنّ رئيس المجلس بات يفاوض بأسلوب آخر، فهو انتقل من موقع المسهّل للتشكيل إلى المفاوض بشراسة على حصص الطائفة الشيعية وحركة أمل وحزب الله ومكوّنات 8 آذار، فضلاً عن أنّ السجال الأخير بين عون وبري والأخير والحريري استحضر مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس الأمر الذي انعكس على عملية التفاوض».

وأوضحت المصادر أنّ «التعقيدات التي برزت في الأيام الأخيرة قبل عيد الاستقلال دفعت رئيس الجمهورية إلى الإعلان أنّ هذه الحكومة ليست الأولى في العهد بل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة». ولفتت إلى أنّ «نادر الحريري وجبران باسيل حاولا خلال لقائهما الأخير التوصل إلى تفاهم وتذليل العقد ووضع مسودة نهائية إلا أنّ تقييد الحريري بمجموعة من الوعود والتعهّدات لحلفائه حالت دون ذلك»، وإذ رجحت المصادر «ولادة الحكومة مطلع الأسبوع المقبل إذا ما برزت عقبات قواتية جديدة، واستبعدت إطالة أمد التأليف إلى الأعياد».

عقدة الأشغال

وقالت مصادر مستقبلية لـ «البناء» إنّ «العقد التي ما زالت تعرقل الحكومة بسيطة وليست كبيرة ومحصورة بوزارة الأشغال التي كانت من حصة القوات، وطالب بها بري بينما اشترطت المرده أن تحصل عليها أو على الطاقة أو الاتصالات كشرط لدخول الحكومة، ورفضت عرضاً أخيراً من الحريري لإعطائها حقيبة التربية». وردّت المصادر «الصراع الدائر حول الحقائب الخدمية إلى اقتراب موعد الانتخابات النيابية، حيث يريد كلّ طرف تأمين خدمات لجمهوره وحزبه لاستثمارها في الانتخابات»، ولفتت إلى أنّ «الحريري يحاول قدر الإمكان لتأليف الحكومة بأسرع وقت، وهو قدّم تنازلات كبيرة ولم يضع فيتو على مشاركة أحد، لكن التوزيع المذهبي والحزبي والمناطقي يعقد الاتفاق على صيغة موحدة».

وإذ لفتت المصادر إلى أنّ «الحريري متمسك بالوزير المسيحي من حصته وهو مستشاره الدكتور غطاس خوري وبأن ينال رئيس الجمهورية وزيراً سنياً»، لفتت إلى أنّ «هذه العقدة قد حلت بينما هناك عقدة الوزير الشيعي من حصة رئيس الجمهورية، حيث يشترط بري للموافقة على ذلك أن ينال وزيراً مسيحياً بينما يتمسك أيضاً بحقيبة أساسية للمرده وأخرى للحزب السوري القومي الاجتماعي». وأوضحت أنّ الوزير ميشال فرعون سيكون من حصة القوات اللبنانية وليس من حصة الحريري»، وتوقعت أن «لا يطول أمد تشكيل الحكومة مهما بلغ حجم العقد».

بري متفائل

وأبدى بري في لقاء الأربعاء النيابي تفاؤله بتشكيل الحكومة ونقل عنه النواب أمله بحلحلة العقد القليلة التي لا تزال قائمة لإنهاء التشكيلة الحكومية، مؤكداً أنّ هناك «ورشة عمل تنتظر الحكومة في مقدمها درس وإقرار قانون انتخابات جديد يبقى على رأس المواضيع التي يجب إنجازها تمهيداً للانتخابات النيابية». وبحسب النواب، فإنّ بري أعلن تمسكه بوزارة الأشغال ورأى أنّ العقدة تكمن في الصراع على هذه الحقيبة، وأنه مصرّ في المقابل على إسناد وزارة أساسية إلى تيار «المرده».

باسيل: الحكومة تتّسع للجميع

وأكد تكتل التغيير والإصلاح خلال اجتماعه الأسبوعي في الرابية تمسكه بحكومة الوحدة الوطنية تشمل جميع القوى الممثلة بالحدّ الأدنى»، وأوضح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل خلال حديثه للصحافيين بعد الاجتماع «أننا منذ البداية لم نرفض أحداً، ونطالب أن يكون هناك كتائب ومردة وقوميون وما يُسمّى أطراف سنية خارج المستقبل والوزير أرسلان وتتسع للجميع حتى بالأربعة وعشرين وزيراً». وأشار إلى أنّ «الرئيس الحريري وافق فوراً على وزير سني يسمّيه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وافق على وزير مسيحي ضمن حصة المستقبل بشكل طبيعي وتلقائي. فهذا هو مفهومنا للشراكة القائمة على التبادلية بقناعة وتسليم من الجميع». ودعا باسيل للاتفاق السياسي على قانون الانتخاب».

وعلمت «البناء» أنّ «قيادة التيار الوطني الحر أبلغت أعضاء الكتلة والمسؤولين في التيار بعدم الإدلاء بأيّ تصريح أو معلومات حول تشكيل الحكومة والاكتفاء بما قاله رئيس التيار جبران باسيل في بيان التكتل.

انفتاح خليجي تجاه لبنان…

وبعد زيارة أمير مكة خالد الفيصل الإثنين الماضي موفداً من القيادة السعودية، وصل بيروت أمس وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، موفداً من أمير قطر، لنقل رسالة خطية إلى الرئيس عون للتهنئة بانتخابه رئيساً ودعوته لزيارة قطر.

ومن بعبدا التي استهلّ منها جولته، أكد الوزير القطري أنّ العلاقات القطرية – اللبنانية مستمرة، مهنئاً اللبنانيين بتجاوز محنة الفراغ وآملاً أن يتجاوزوا محنة تأليف الحكومة.

وشدّد عون بعد اللقاء على «حرص لبنان على متانة العلاقات اللبنانية – العربية عموماً واللبنانية – القطرية خصوصاً وعلى تعزيزها في المجالات كافة»، لافتاً إلى «الدور البناء الذي يقوم به اللبنانيون في دولة قطر خصوصاً ودول الخليج». وأكد عون على «عودة الاستقرار السياسي والأمني إلى لبنان»، معتبراً انها «تشكل حافزاً لعودة رعايا الدول الخليجية لزيارة لبنان».

ثم انتقل الدبلوماسي القطري إلى عين التينة، حيث التقى الرئيس بري. ليعقد بعد ذلك مؤتمرأً صحافياً ونظيره اللبناني جبران باسيل في وزارة الخارجية، حيث لفت إلى «حراك إيجابي على صعيد العلاقة اللبنانية – الخليجية».

ومساءً استقبل الحريري الموفد القطري واستبقاه إلى مأدبة عشاء، وأكد دعم بلاده «للأشقاء في لبنان وللحكومة اللبنانية، ونتمنى للحريري كلّ التوفيق بجهوده في هذه الأيام. ونحن واثقون جداً أن حكومة قوية ستؤلف، وستكون داعمة للشعب اللبناني وللشعوب العربية»، بينما أشار الحريري إلى أن هذا الحراك الخليجي يدلّ على أن الخليج منفتح باتجاه العودة إلى لبنان».

ثم التقى وزير الخارجية القطري في فندق فينيسيا رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، رئيس حزب القوات سمير جعجع، رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى