الحكومة اللبنانية المقبلة والعلاقة بسورية
ناصر قنديل
– قبل أن تبصر الحكومة اللبنانية الجديدة النور يعلن فريق الرابع عشر من آذار بركنيه المستقبلي والقواتي ورموزه وعناوينه وآلاته الإعلامية الانتقال في مقاربة الانقسام اللبناني حول العلاقة بالدولة السورية من النأي بالنفس، والتستر على الدعم المخفيّ الذي يقدّمه للجماعات المسلحة وفي طليعتها جبهة النصرة، إلى الحرب المعلنة على الدولة السورية، ولو خارج كلّ سياق منطقي، في ظلّ غياب مظلة دولية إقليمية تحمي هذا الخيار الهستيري، الذي وصل بالرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة التصرّف بعيداً عن كلّ لياقة ومسؤولية كرجل دولة في الاستقبال الرسمي الذي تدعو إليه الدولة ويحضره قادتها في قصر بعبدا، ويتقدّم المهنئون السفراء المعتمدون في لبنان لتقديم التهاني بالنيابة عن قادة بلادهم، فينسحب رئيس الحكومة مع مرور السفير السوري بتصرّف فظ ومسيء للبنان كدولة، وتصرّف بما يعود للدولة كأنه حساب مصرفي شخصي يمكن تجييره لاسترضاء أمير هنا أو ملك هناك.
– واضح رغم الإنكار أنّ ما يجري في حلب يصيب الذين راهنوا على الحرب التي أرادت إسقاط سورية واستهدفت جيشها ورئيسها بالهستيريا، وهم يرون أنّ الحلف الدولي الذي راهنوا على ركوب موجه في حقدهم وكيدهم ضدّ سورية، يتحلّل ويتسابق الرؤساء والمرشحون للرئاسة من واشنطن إلى باريس على التبشير بالتحالف مع الرئيس السوري بشار الأسد، فيحسّون بسوء طالعهم المقبل، ويرون مرجعياتهم الإقليمية التي وعدتهم بعاصفة صحراء ثانية تستهدف سورية وراحوا يبشرون بها مع بدء حرب صحرائهم الأولى على اليمن، صارت أحلام فاقدي الأهلية العقلية، بعد النهاية السوداء للعاصفة الأولى وموجاتها الارتدادية عبر الحدود، وصولاً لقبول تسوية تنقذ صاحب العاصفة من رمال عاصفته، عبر التخلي عن عنوان ما سمّاه الشرعية اليمنية، وارتضاء حكومة يمنية يقودها مَن خاض الحرب لسحقهم، بينما السلطان العثماني يشتري ويبيع نفطاً وغازاً، بعد وعده بعاصفة شمال تغيّر وجه الحرب في سورية، ويرتضي بضمان عدم قيام شريط كردي على الحدود، ويترجّل عن حماره الأعرج متفرّجاً على هزيمة رجاله في حلب وتجمّد رجاله في الباب وتوقع الأسوأ لرجاله في إدلب.
– ليس ثمة حسابات لأمل أو أفق، لدى الذين يناصبون العداء لسورية ويرفعون أصواتهم بالصراخ في كلّ مناسبة، وصولاً لحفلة الجنون التي نشهدها مع زيارة الشخصية السورية المميّزة فكرياً ودينياً وأخلاقياً التي يمثلها مفتي سورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، إلى لبنان مهنئاً بالعهد الجديد، وحفلة الجنون الثانية التي تولّت تناول كلام موضوعي قاله الرئيس السوري ممتدحاً الرئيس اللبناني العماد ميشال عون لإدراكه استحالة فصل لبنان عما يجري حوله من حرائق وإيمانه بسقوط مشاريع النأي بالنفس، لحساب الإيمان بالدفاع عن لبنان بوجه الإرهاب الذي يستهدف الجميع، ومعلوم كلام الرئيس عون عن الخوض الاستباقي للحرب على الإرهاب، وما يعنيه من مباركة للدور الذي يؤدّيه حزب الله في سورية في الحرب على الإرهاب، لكن يبدو أنّ ثنائي حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل، الذي يقود جوقة افتعال التحريض على سورية، ووضع العصي في دواليب أيّ تطبيع نفسي لعلاقة دولة بدولة معها، كتسوية داخلية تعبر فوق الخلافات اللبنانية حول الموقف السياسي من الوضع في سورية، يلعب لعبة مدروسة ستنفجر بوجه الشركاء في التسوية الرئاسية والحكومية ما لم يتمّ التنبّه لها من اليوم مسبقاً.
– لا يبدو التحريض ورفع الصوت وافتعال المعارك الكلامية إلا تمهيداً لمعارك مقبلة في مجلس الوزراء، حول قضايا مثل التعاون بين الجيشين اللبناني والسوري بوجه خطر الإرهاب المقيم على الحدود بين لبنان وسورية، ومثل الاختيار بين ما يعرضه الزوار الأجانب من تركيا وكندا وألمانيا للمماطلة بعودة النازحين السوريين مقابل هبات مالية، وبين التشارك مع الدولة السورية في عودة متدرّجة، كلما سنحت الفرصة، وسيكون للثلث المعطل دوره في كلّ قرار، ومَن يحسب تعامل ثنائي القوات والمستقبل مع الشأن الحكومي سيكتشف سرّ هذه الصدفة بتزامن حكومة الأربعة والعشرين وزيراً مع نيل الثنائي للثلث المعطل، وزواله في حكومة الثلاثين، وفي المقابل تمترس الثنائي بلا مبرّر منطقي وراء صيغة الأربعة والعشرين ورفضهم العنيد حدّ الاستماتة لصيغة الثلاثين.
– لا يجوز تأخير الصمت في مرحلة تشكيل وتكوين مؤسسات الدولة عن شأن بحجم العلاقة اللبنانية السورية، ولا يحق لحلفاء سورية مواصلة عدم الالتفات لمخاطر تنتظرهم وتركها تنفجر بوجههم وبوجه سورية لاحقاً، علماً أنّ الأكيد هو حجم التفاهم العميق بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب في هذا المجال، فهل يمكن أن يفيدهم الانطلاق منه في مقاربة الشأن الحكومي أسوة بقانون الانتخاب، بالتمسك بحكومة تؤمن بالنأي بالخلافات اللبنانية حول العلاقة مع سورية عن السياسة الرسمية للدولة التي يفترض أن تتصرّف كدولة مع دولة، واعتبار هذا الموقف معبراً لولادة الحكومة يجسّده السير بحكومة لا يملك فيها لا الثامن ولا الرابع عشر من آذار ثلثاً معطلاً ضماناً للاطمئنان والتوازن، وهل يفيد القول إنّ من حق سورية أن تنتظر من لبنان الرسمي مواقف جامعة وملزمة بحجم موقف الدولة المصرية على الأقلّ، وأنّ ما جرى مع السفير السوري وما يجري بحق مفتي الجمهورية السورية إنْ لم يسمع أصحابه ما يلزمهم بالتوقف عنه ربطاً بتسهيل ولادة الحكومة، وجعل العقلانية اللبنانية مرجعاً جامعاً لا التحالف أو الخصومة مع سورية، سيعني التسهيل الحكومي تسهيلاً لولادة حكومتين، واحدة عاجزة عن اتخاذ قرار لأنها لا تملك الثلثين وثانية قادرة على تعطيل أيّ قرار لأنها تملك ثلث التعطيل، واحدة يصرّح بلسانها وزير الخارجية بمواقف تعبّر عن حرص على المصلحة اللبنانية وثانية يصرّح بلسانها رئيس الحكومة تخرّب كلّ بناء حريص على مصلحة لبنان بحسم الحرب على الإرهاب وحلّ لقضية النازحين، وترهن كلّ ما يخصّ لبنان بأحلام أمراء وملوك الرمال، أم أنّ المال الذي يتحدث عنه الأوروبيون والكنديون والأستراليون يحمل من الإغراء لمن نفد ماله ما يكفي لتعطيل كلّ علاقة طيبة بين لبنان وسورية؟