استراتيجية حماية المملكة من عنفها…
جهاد سعد
صرخة الملك السعودي المدوّية في وجه السفراء الأجانب كانت على الأرجح استغاثة، لا من «داعش» الموصل بل من أنصاره في المملكة.
في بداية الحرب على سورية كانت المملكة تنتج عنفها وتصدّره إلى سورية كما فعلت منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق، خزان العنف الذي تملؤه الوهابية بتعاليمها وفضائياتها كان يجد منفذاً الى دول الجوار العربي بعد أفغانستان، وكان يُستغلّ لتسجيل نقاط لصالح المملكة وحليفتها الاستراتيجية سياسياً أينما ذهب.
فكلّ قطرة دم بريئة تسيل في مدن العراق كانت ولا تزال تمنع العراق من النهوض كدولة، وتؤكد حاجته إلى الرعاية الأميركية، وتحرّض رؤوساً حامية من الخليج على الهجرة الى ساحة «الجهاد» المفتوحة، ولم يقصّر السياسيون العراقيون بصراعاتهم في تهيئة بيئة حاضنة للإجرام بكلّ أشكاله.
ومن العراق الى سورية كان من الضروري أن ينتقل الإرهاب التكفيري، بعد أن انتفخ وتعولم، وازداد خبرة وحدّة وشدّة بفضل خبرة بقايا البعث العراقي الذي لم يكن إسلامياً في يوم من الأيام، هذا الحزب الذي كان مسؤولاً عن كلّ كوارث العراق على مدى عقود هيّأت له الولايات المتحدة حاضنة في سجن «بوكو» ليحصل ذلك السفاح بينه وبين الإرهاب التكفيري تحت عين ونظر «السي. آي. إي.» فينتج ما يُسمّى في طفولته «داع» وفي شبابه «داعش»، كما يُستفاد من الدراسة القيّمة لهيثم مناع «أموال الإمارة».
يوجد شبه إجماع من المراقبين على أنّ الموصل سقطت بقوة المال السياسي لا بتفوّق عسكري «لداعش»، العملية كانت استخباراتية أمنية أكثر مما كانت عسكرية، فالقوة العراقية العسكرية ومؤسسات الدولة انسحبت بقدرة قادر، من المحافظ الذي خرج تحت عين «داعش» الى أربيل، الى أصغر ضابط وجندي عراقي.
تكرار الخطأ نفسه
الخطأ نفسه الذي ارتكبته المملكة مع صدام حسين عندما تصدّر الحرب على إيران، تمّ ارتكابه للمرة الثانية مع «داعش» لإسقاط الدولة السورية وتفكيكها، وكما أحسّ صدام بجنون العظمة وفائض القوة فاجتاح الكويت، وجدت «داعش» نفسها أمام مساحة وإمكانيات عسكرية ومالية وبشرية أكبر من أن تكون إمارة فأعلنتها «خلافة»، وشرعت دولة الخلافة فوراً في تغيير خارطة المنطقة مهدّدة بالتمدّد في كلّ الاتجاهات…
أمام هذا التمدّد لا تجد دول الخليج نفسها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية محصّنة بما يكفي، بل على العكس تبدو كأنها الطرف الأضعف بسبب عدة عوامل أهمّها:
1 ـ إنّ فتاوى التحريض على «داعش» وغيره من التنظيمات المتطرفة لا تزال طرية في الذاكرة السعودية، خاصة عند جمهور المتأثرين بفكر «إخوان نجد» الذين لا يكتفون بنصرة «داعش» بالمال والرجال، بل يعتبرونها الدولة الممثلة للوهابية، كما هي في «الأصل»، وليس كما يمارسها النظام السعودي، وتكفي نظرة خاطفة على أدبيات هؤلاء الوهابيين المتطرفين لتظهير المشهد الذي يواجهه النظام السعودي الآن، خذ مثلاً هذا المقطع من كتاب «الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية» لمؤلفه الشيخ أبي محمد عاصم المقدسي، والكتاب متوفر على الأنترنت على منبر التوحيد والجهاد:» إنّ فهداً اليوم يشدّ الرّحال إلى ارض أسياده وأسياد أبيه في بريطانيا العظمى، وتتناقل وسائل الإعلام في أنحاء العالم صورة حامي الحرمين بين الملكة البريطانية وأُمِّها وهو يرتدي صليب النّصارى وشعار الماسونية للدّرجة 18 لم تعد العلاقات سرّاً. بل علانية، ورايات الصليب ترفرف اليوم في شوارع جدّة والرّياض وغيرها إلى جنب راية التّوحيد ! وفوق سفارات الأولياء ومؤسساتهم. والنّصارى وغيرهم معزّزون مكرّمون لا يعرفون جهاداً ولا جزيةً ولا صغاراً ! ص13 وفي الصفحة التالية يقول: «وفي السعودية اليوم عدّة قواعد سعودية أميركية، يعترف وزير الداخلية بأنّ القائمين على إدارتها صليبيون أميركان لمصالح مشتركة لكلا البلدين. لاحظ الهامش أيضاً لأنه من الاقتباس .
2 ـ فيما تتمتع الدول العربية السنية بحصانة ايديولوجية ناتجة عن اعتناقها المذاهب الأربعة المشهورة لأهل السنة، بما فيها سورية ومصر وتونس وغيرها، لا يجد دعاة الدفاع عن النظام السعودي من المبلغين نصاً واحداً في أدبيات الوهابية يقنع ضحاياهم بأنّ «داعش» على خطأ، بل على العكس كلما تعمّقت في دراسة تاريخ الوهابية التي انتشرت في الحجاز بالسيف، وقرأت فتاوى التكفير لكلّ من هو غير وهابي وغير موحد على طريقتهم يتضح لك عمق الأزمة الحالية للنظام على صعيد إعادة غسل الأدمغة في الاتجاه المعاكس.
3 ـ أدى فشل الحملة على سورية ولو جزئياً وظهور بوادر خطر عودة التكفيريين الى ديارهم الى صدور أمر ملكي يجرّم القتال خارج الحدود، ثم تبعته فتاوى تحريم القتال خارج الحدود، مما يعني كنتيجة طبيعية حبس العنف السعودي داخل الحدود، هذا العنف المرشح للانفجار هذه المرة في الداخل مما يضع مصير النظام على حافة الهاوية وينذر بحرب أهلية بين وهابية الإخوان ووهابية النظام.
من هنا تأتي ضرورة زيادة الحضور الأميركي في الداخل السعودي ويتمّ تغليف هذه الحماية الأميركية للنظام بنقل معسكرات تدريب المعارضة السورية الى الطائف بحسب الاقتراح البندري القديم، فما هي مهمة هذه المعسكرات؟
أولاً: كشف الراغبين بالقتال من السعوديين وسوْقهم الى معسكرات غسل أدمغة، ثم إعادة تصديرهم لاستكمال العملية التي بدأت بالحرب على العراق وسورية. ولو سقطت الدولة السورية لكانت الحروب بين الإمارات المذهبية أتون احتراق الذين يكفّرون النظام السعودي مما يضمن عمر أطول للنظام السعودي من دون أن ننسى الاستفادة «الاسرائيلية» من حروب الإمارات من جهة أخرى.
ثانياً: تهيئة جيش وهابي تابع للنظام لمواجهة أنصار وهابية ـ «داعش» في الداخل تحت عنوان اعتدال وتطرف.
تلزيم الأمن الداخلي في الخليج لأميركا المفلسة
مما يعني تطوّر الوجود الأميركي من مستوى قواعد عسكرية تسيّج الأنظمة الخليجية لحماية النفط ومصالح «إسرائيل» والتحريض ضدّ إيران، الى مستوى تلزيم أميركا المفلسة الأمن الداخلي في الخليج العربي انطلاقاً من المملكة مما يعتبر أهمّ استثمار أميركي في تاريخ العلاقة بين الناهب والمنهوب.
ولذلك على بعبع «داعش» أن يكون طويل العمر، لما يمنحه من فرص عمل واستثمار للشركة الكبرى المسمّاة الولايات المتحدة الأميركية سواء على مستوى الداخل الخليجي أو المحيط الإقليمي برمّته.
تدريجياً مهّدت الاستراتيجية المعلنة لقتال «داعش» الى حروب سنية سنية بين الفصائل المعارضة في سورية، على الأقلّ بين «داعش» من جهة وبين بقية الفصائل التي ستنضوي بالسياسة او بالاغتيالات لمعسكر جدة… ولما كان لكلّ فصيل امتداداته في الخليج العربي فإنّ الحروب الأهلية خارج الخليج بالوكالة توشك أن تتحوّل الى حروب أهلية داخل الخليج بالأصالة.
مسار جهنمي خطط له العقل الصهيوني الأميركي ضدّ هذه الأمة، وأدواته بكلّ أسف الضحايا أنفسهم…
فهل يستمرّ الخليجيون بتخريب بيوتهم بأيديهم؟… كلّ ما حدث ويحدث لا يبشر بصحوة خليجية تحميهم حقيقة وتحمي الأمن الإقليمي معهم.
كاتب من لبنان