قانون الستين بعباءة نسبية
وليد زيتوني
أصبح واضحاً أنّ العمل جارٍ على قدم وساق للتوزيع الطوائفي والمناطقي وتناتش الحصص والمقاعد، كلٌّ حسب قدرته وقوته. فالمناخ الطائفي والمذهبي السائد في لبنان لا يمكن أن ينتج إلاّ قانوناً انتخابياً يتناسب مع مصالح القوى الطائفية بعيداً عن أي تفكير ولو بسيط بالجنوح نحو المواطنية الحقيقية أو الدولة المدنية.
قانون «الستين» ركِّب على قياسات المتنفذين والإقطاع والمتموّلين الممسكين بمقدرات البلد، وهؤلاء ليسوا ممثلين حقيقيين للناس بقدر ما هم ممثلين لمصالهم الخاصة وللقوى الخارجية التي تقف خلفهم، ولن يتخلوا عن «امتيازاتهم» ومصالحهم التي تتحقق على حساب المصلحة العامة وعلى حساب الناس وحقوقهم وتطلعاتهم وآمالهم وأمانيهم.
إذا كان البعض أو الكل يشكو من «قانون الستين» باعتباره قانوناً سيئاً، فإن القوانين المطروحة الآن تكرس حالة من التجذر في التهميش لفئات متعددة، بل يمكن أن تؤسس إلى ما لا يحمد عقباه بالنسبة إلى وحدة الدولة، وضرب البنية الاجتماعية وتقويض الأمل بمستقبل الأجيال القادمة.
والقانون الذي هو محل نقاش بين مجموعة من القوى، يلبس لبوس النسبية جزئياً في الدورة الثانية بعد مرحلة ما يُسمّى بالتأهيل. وهو تأهيل يقع حصراً في الطوائف، على مستوى القضاء. وفي هذه المرحلة أي الدورة الأولى من الانتخابات تتشكل الضوابط المانعة للقوى اللاطائفية الساعية إلى التغيير من الوصول إلى مرحلة التنافس الحقيقي، والدورة الثانية من الانتخابات تحفظ للإقطاع وأمراء المناطق والزواريب مواقعهم بل ربما تقتصر عليهم وعليهم فقط حلبة المنافسة.
غير أن لهذا القانون الكثير من الشوائب المرتبطة، وبعجالة سنحاول إعطاء أمثلة حسيّة، بعيداً عن تبنينا أي منطق طائفي من قريب أو بعيد. فمثلاً هذا القانون لا يلحظ ما هو دور ثلث المقترعين من غير طائفة المقاعد الثلاثة في قضاء الكورة؟ ومثلاً أيضاً، ما هو الدور الانتخابي لشرائح معينة في قضاء النبطية أو قضاء صور أو قضاء صيدا لا تستطيع أن تنتخب في الدورة الأولى، وما هو دور شريحة معينة في دائرة بيروت الأولى؟
هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى فإذا كان «قانون الستين» يشكو من طغيان فئة على فئة، فهذا القانون أيضاً ورغم طائفيته سيشكو من طغيان فئة مذهبية أخرى. بل سيشكل مانعاً فعلياً من التنافس على مستوى المذاهب التي لا تشكّل أكثرية في القضاء.
لنأخذ مثلاً منطقة البقاع الغربي، فعشرة آلاف صوت أو أقل لا يمكن أن تسمح بالمنافسة التأهيلية ضمن مجموع طائفي يتعدّى تسعين ألف ناخب. والأمر ذاته، ينسحب على طائفة أخرى في منطقة بعلبك الهرمل.
إنّ طرح مسألة التأهيل الطائفي سيجعل من الفئات القليلة العدد على المستوى المذهبي أن تعمل على نقل أصواتها من دائرة إلى أخرى لتتمتع بالمواطنية الكاملة ترشيحاً وانتخاباً، وهو ما يسبب فرزاً طائفياً واضحاً، سيتكامل هذا الفرز مع طروحات اللامركزية ليشكّل في ما بعد قاعدة للتقسيم، أو بأفضل الحالات أن يصبح هناك في لبنان مواطنون درجة أولى قادرين على الترشح والانتخاب ومواطنون درجة ثانية يشاركون جزئياً في انتخابات مرشحوها مفروضون مسبقاً عليهم.
بالإضافة إلى ما تقدّم من شوائب، يبقى هناك مسألة مهمة جداً، وهي استبعاد اللاطائفيين عن التنافس، رغم أن هذه الشريحة المنتشرة تشكل نسبة كبيرة من اللبنانيين.
أخيراً لا بدّ من عودة إلى مشروع القانون الذي طرحه الحزب السوري القومي الاجتماعي ويقوم على أساس الدائرة الواحدة والنسبية خارج القيد الطائفي. ففي هذا المشروع فقط تلغى الهوامش والفروقات المجتمعية، وتتحقق الوحدة الوطنية.
فلنتنافس على بناء البلد، لا على تقسيمه.
نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي