التبدّل في السياسة التركية والتحديات المنتظرة
إبراهيم ياسين
طرح الهجوم الإرهابي الأخير الذي استهدف أحد الملاهي الليلية، ليلة رأس السنة الميلادية، في مدينة اسطنبول التركية، الأسئلة بشأن الواقع الأمني في تركيا وبالتالي الأسباب التي تجعل من تركيا مسرحاً للهجمات الإرهابية واستطراداً، آفاق الخروج من هذا الوضع غير المستقرّ.
لا شك بأنّ تزايد الهجمات الإرهابية، في الآونة الأخيرة في تركيا، ترافق مع التطورات السياسية، على اثر تحرير الأحياء الشرقية في حلب وتقدّم الجيش العراقي في الموصل وتنامي الدور الكردي في شمال سورية وتصاعد العمليات العسكرية بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، في جنوب شرق تركيا.
فحكومة حزب العدالة والتنمية اضطرت مكرهة، إلى الاتفاق مع روسيا وإيران لإخراج ما تبقى من مسلحين محاصرين في شرق حلب. ومن ثم الموافقة على اتفاق وقف الأعمال العسكرية، المستثنى منه «داعش» و«النصرة» ومن يرتبط بهما من الجماعات المسلحة الإرهابية. لأنه لم يعد لديها من خيار، بعد فشل رهانها في السيطرة على حلب ونشوء تحديات جديدة تفرض عليها إعادة النظر في سياساتها. ويبدو التوجه الجديد المعبّر عنه بالإتفاق مع روسيا وإيران، من جهة وبالإتفاق مع العراق، عبر التسليم بسحب القوات التركية من منطقة بعشيقة والتخلي عن التدخل بشؤون العراق الداخلية، ما أدّى إلى إثارة غضب تنظيم «داعش» الإرهابي وإنزعاج كلّ من إدارة الرئيس أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو، اللتين تريدان مواصلة تركيا سياسة تغذية ودعم وتمويل الجماعات الإرهابية في سورية والعراق والإبتعاد عن التنسيق مع روسيا وإيران، باعتبار أنّ ذلك يَصُبّ في مصلحة الدولة السورية والحكومة العراقية، في تسريع عملية القضاء على الإرهابيين وخروج الدولتين من الأزمة التي يعيشانها.
في هذا السياق، يمكن إدراج الهجمات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها تركيا والتي سبقها إقدام تنظيم «داعش» على حرق جنديين تركيين أسيرين لديه، في منطقة الباب شمال سورية والتهديد الذي أطلقه متحدث باسم «داعش» بضرب الأمن والاستقرار في تركيا. ولهذا، فإنّ حكومة حزب العدالة والتنمية باتت تعيش مأزقاً حقيقياً نتيجة فشل سياساتها، من ناحية وتزايد التحديات والأزمات الناتجة عن هذا الفشل، من ناحية أخرى. فهي باضطرارها إلى التنسيق مع روسيا وإيران والتسليم للعراق بسحب القوات التركية من أراضيه، للحصول على مكاسب اقتصادية تخفف من أزمة الاقتصاد التركي وتراجع عملتها وفي الوقت نفسه، تواجه ضغوطاً أميركية وصهيونية و«داعشية» لثنيها عن اتباع هذه السياسة. لذلك، فإنّ تركيا اليوم تعيش مأزقاً حقيقياً وهي معرّضة لمزيد من الهجمات الإرهابية، لا سيما أنّ تنظيم «داعش» تمكن خلال السنوات الماضية من بناء العديد من الخلايا النائمة داخل تركياً وحتى داخل مؤسساتها الأمنية والعسكرية مستفيداً من التسهيلات ومن الدعم والتأييد الذي حصل عليه، سياسياً وعسكرياً وأمنياً من قبل الحكم التركي. من هنا، فإنّ تركيا تدفع ثمن دعمها لقوى الإرهاب في كلّ من سورية والعراق. وهذا يجعلها اليوم تبحث عن حلّ لأزماتها، في الوقت الذي تتعرّض فيه للعديد من الضغوط الخارجية والداخلية. فكيف ستواجه حكومة أردوغان هذه التحديات؟
الواضح حتى الآن، أنها بحاجة إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع أن تتخلى، بسهولة، عن علاقاتها الإستراتيجية والوطيدة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية. وهذا ما يجعل تركيا تدخل مرحلة اللا إستقرار، بانتظار تبدل السياسات الأميركية والغربية، مع تسلّم الإدارات الجديدة في أميركا وفرنسا وغيرها من الدول، التي تتجه إلى تغيير سياساتها من دعم الإرهاب في سورية والعراق، مما يسرع التسوية السياسية للأزمة ويوفر غطاءً سياسياً لحكم أردوغان، للسير في سياسته الجديدة لإحتواء الأزمات التي تعاني منها تركيا على الصعد الأمنية والإقتصادية والسياسية كافة.