موسكو وطهران لحصر رعاية أستانة لفصل المعارضة عن النصرة هدوء نيابي وحكومي بعيداً عن الملفات الشائكة… وحلول وسط للتداول
كتب المحرّر السياسي
أعلنت موسكو عن تقديمها دعماً جوياً لمعارك الباب التي تعثّرت فيها القوات التركية للشهر الثالث على التوالي، رغم إعلانات متكرّرة عن قرب الحسم، وربطت موسكو إعلانها بالقول إنه تمّ بموافقة الدولة السورية، في إشارة لربط روسيا كلّ دورها العسكري في سورية بالتغطية الشرعية التي توفرها التفاهمات مع الدولة السورية وتأكيد ربطها لاعتبار الدور التركي غير شرعي، طالما أنه لا يحظى بمثل هذه التغطية، بينما أكدت مصادر متابعة في موسكو وطهران لـ «البناء» أنّ القيادتين الروسية والإيرانية تفاهمتا على حصر رعاية محادثات أستانة بالثلاثي الروسي الإيراني التركي، بهدف إنجاز الحلقة التي تعثّرت عندها كلّ المحاولات السابقة للحلّ السياسي، والمتمثلة بالفصل بين فصائل المعارضة عن جبهة النصرة، وتأكيدها أنّ تثبيت وقف النار يتوقف بدوره على تحقيق هذا الهدف الذي لا يزال ضبابياً بالنسبة لدرجة التجاوب التركي ومعه التزام الفصائل التي وقعت على الهدنة، ولا تزال تناور بعلاقتها بجبهة النصرة. وفسّرت المصادر مواقف أطراف قرّرت الغياب عن محادثات أستانة مثل أحرار الشام بهذا الأمر وليس بشيء آخر، فقد تبلغت تركيا وأبلغت الجميع أن لا هدنة تشمل أطرافاً لا تقطع صلاتها بالنصرة، وأنّ التباكي على خرق الهدنة لا قيمة له قبل حسم هذا الأمر سياسياً وعسكرياً وميدانياً.
لبنانياً، سجلت الجلسات النيابية والحكومية هدوءاً ملحوظاً ترافق مع ابتعاد عن الملفات الشائكة، خصوصاً قانون الانتخابات النيابية والعقدة الجنبلاطية، والموازنة العامة وارتباطها بملفي سلسلة الرتب والرواتب وقطع الحساب العالق لما يُعرف بثقب السنيورة المالي. وبين العقدتين الجنبلاطية والسنيورية، ملفات التعيينات والميكانيك والنفايات التي تسهل مقاربتها، إذا تحقق التوافق في ملفي الموازنة وقانون الانتخاب، وسلكت الأمور طريق الحلول الجذرية، أو التنازلات المتبادلة بحثاً عن صفقة سياسية في منتصف الطريق في الملفين تحفظ ماء الوجه للجميع.
مصادر مطلعة قالت لـ «البناء» إنّ ما تبقى من هذا الشهر يمثل الفرصة الأخيرة للتوافق الذي لا يبدو بعيد المنال، مع إدراك الجميع صعوبة السير بقانون الستين وصعوبة القبول بقانون إصلاحي جذري، كما صعوبة التغاضي عن الثقب المالي وسلسلة الرتب والرواتب، وصعوبة ربطهما بالموازنة أصولاً، فيشتغل الوسطاء على الحلول الوسط التي تؤجّل المشكلات ولا تحلّها، ويجري التداول بمخارج من نوع الفصل بين قانون انتخاب لمرة واحدة وربطه بنص قانوني يلزم المجلس النيابي الجديد بإقرار قانون يعتمد النسبية، ومثله إقرار الموازنة والنصّ على إلزام الحكومة والمجلس النيابي على إعداد قطع حساب شامل يقدّم مع الموازنة المقبلة للسنة المالية الجديدة، وربما ربط إقرار سلسلة الرتب والرواتب بها.
.. وعادت الحياة التشريعية
عادت الحياة التشريعية الى المجلس النيابي الذي فتح أبوابه الموصدة منذ عامين، إثر احتلال الفراغ سدة الرئاسة الأولى، ومع عودة نواب الأمة الى مقاعدهم التشريعية سالمين وممارسة وظيفتهم الأساس في سن القوانين، يكون المسار الدستوري للدولة قد انتظم، لكن هل يكفي تفعيل عمل المؤسسات الدستورية لضمان اندفاعة ناجحة وآمنة للعهد والانتقال الى دولة عصرية من دون إقرار قانون جديد للانتخابات؟ وهل يستخدم رئيس الجمهورية حضوره المعنوي والسياسي في مجلس الوزراء وقوة تمثيله الشعبي الواسع وحجم التوافق الوطني حول انتخابه، لفرض قانون انتخاب جديد على أساس النسبية ويدفن قانون الستين قبل أن يحوّله البعض طعنة قاتلة للعهد؟
وبعيداً عن إشكالية القوانين الانتخابية والخلاف السياسي المستمر حيالها، وفي ظل أجواء توافقية هادئة لم يعهدها البرلمان منذ وقتٍ طويل، خلت من السجالات والمداخلات النارية، انعقدت الجولة الصباحية من الجلسة التشريعية الأولى برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأقرّت 19 قانوناً، منها قانون ضربية الدخل والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة، وردّ المجلس الى الحكومة المرسوم المتعلق بالرسوم البلدية، وتركّزت المداخلات النيابية على موضوعَي النفايات وقانون الانتخاب ومطالب خدمية مناطقية. وفي الجلسة المسائية أقرّ المجلس 11 قانوناً أبرزها الاقتراح المتعلق بأصول التعيين في وظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، وتعيين جميع الناجحين في المباراة التي أجريت في العامين 2008 و2015 ومشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة النفساني بينما أحال 5 اقتراحات قوانين الى الحكومة، وطلب رئيس الحكومة سعد الحريري إعادة مرسوم فتح الاعتمادات الإضافية إلى الحكومة.
ورفع الرئيس بري الجلسة إلى صباح اليوم لاستكمال بحث وإقرار ما تبقى من بنود جدول الأعمال.
جولة اللقاء الديموقراطي
ومع ارتفاع حدّة مواقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وتحذيراته المستمرة للقوى السياسية من الجنوح نحو قانون يهدّد الزعامة السياسية التاريخية للمختارة، بدأ وفد «اللقاء الديموقراطي» أمس، جولته على المسؤولين والقادة السياسيين لعرض وجهة نظره إزاء قانون الانتخاب. وبدأ الوفد الجولة من قصر بعبدا، حيث ضم النواب غازي العريضي، وائل ابو فاعور، علاء الدين ترو أكرم شهيب وهنري حلو. ولفت العريضي بعد لقاء الرئيس ميشال عون إلى أننا «نريد مناقشة قانون الانتخاب على قاعدة المعايير الواحدة، وإذا كان المعيار وطنياً فنحن أهل المشروع ونريده».
ويستكمل الوفد جولته على عين التينة والسراي الحكومي في اليومين المقبلين للقاء الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.
وأكد الرئيس عون، خلال استقباله أعضاء السلك القنصلي في لبنان «أننا بحاجة اليوم الى ذهنية جديدة وتغيير عميق كي نعيد بناء الوطن، وأي وطن لا يستقيم من دون قيم، ومن دون الشعور مع الآخر والانتباه الى مختلف طبقات الشعب». ودعا كل فرد في المجتمع الى أن «يشعر مع الغير ويساهم في بناء الوطن»، معتبراً أن «لبنان جزء من منطقة، ولا يمكننا بعد اليوم الا نتطلع من حولنا، فنحن مشرقيون وحياتنا هنا، وهي لم تعُد غرباً ولم تعد شرقاً، لا جنوباً ولا شمالاً، إلا أن ذلك لا يعني القطيعة مع الآخر».
جلسة حكومية بعيدة عن الملفات الشائكة
وما بين صباح التشريع ومسائه، وفي نشاط وزاري لافت، خطفت السراي الحكومي الأضواء من ساحة النجمة لساعتين متتاليتين نأت خلالهما الحكومة بنفسها عن خوض غمار الملفات الشائكة التي أبعدتها عن جدول أعمالها، رغم وجود معظم الملفات في البيان الوزاري كقانون الانتخاب والموازنة وأزمة النزوح ومناقصة الميكانيك والتعيينات الأمنية، بينما أحالت بعضها الى لجان وزارية في الجلسات الماضية لإبقاء نار الخلافات السياسية حولها خارج حدود المربع الحكومي والتضامن الوزاري، وقد لا يرفع المواطنون سقف آمالهم بقدرة مجلس الوزراء على الإنجاز بقدر ما حملت الحكومة نفسها ما لا طاقة لها عليه في بيانها الوزاري الذي لا يتناسب مع عمرها القصير ولا مع وظيفتها الأساسية في إنجاز الاستحقاق النيابي، فهل ستقذف حكومة استعادة الثقة الملفات الساخنة الى حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة؟
وأقرّ مجلس الوزراء الذي انعقد أمس، برئاسة الحريري في السراي الحكومي وحضور جميع الوزراء، كامل بنود جدول أعماله باستثناء البند المالي المتعلق بهيئة إدارة قطاع النفط الذي تم إرجاؤه الى الجلسة المقبلة التي ستعقد برئاسة رئيس الجمهورية في بعبدا، بحسب ما قال وزير الإعلام ملحم رياشي الذي تلا مقرّرات الجلسة، وأشار الى أنّ «المجلس بحث موضوع خطر طيور النوارس على مدرج المطار، لكن في ما يتعلق بهبة الآلات، فهناك بحث معمّق أكثر في اللجنة البيئية المكلفة حلّ الأزمة من جذورها، لانه لا يجوز أن تتمدد هذه الازمة الى أيّ مكان آخر، ولكن ما تمّ تأكيده هو التضامن الوزاري وأهميته».
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق عقب انتهاء الجلسة أنّ «الانتخابات ستحصل في موعدها إلا في حال الاتفاق على قانون جديد».
وإذ وصفت مصادر وزارية لـ«البناء» جلسة الأمس بالمنتجة، أشارت الى أنه «تمّ تأجيل البحث ببندٍ واحد فقط هو الشق المالي في ملف النفط لمزيدٍ من الدرس، لكنه سيُقرّ في الجلسة المقبلة، موضحة أنه لم يتمّ التطرق الى ملف النازحين لعدم إدراجه على جدول الأعمال ولا يحق للمجلس بحث أيّ ملف من خارج الجدول بغياب رئيس الجمهورية».
ولفتت المصادر الى أنّ «المجلس سيتوصل في وقتٍ قريب الى حلّ لطيور النوارس يوازن بين الحفاظ على الطيور وبين سلامة الركاب، لكن تبقى قيمة الإنسان في النهاية هي الأهمّ»، وأشارت الى أنّ «مجلس الوزراء في اتجاه قبول هبة الآلات المقدَّمة من إحدى الشركات».
ولم يتطرق المجلس الى ملف الميكانيك الذي سيبحث في اجتماع اللجنة المخصصة الجمعة المقبل، بحسب ما علمت «البناء».
كما لم يُطرح ملف التعيينات الذي يطبخ على نارٍ هادئة، بحسب ما علمت «البناء»، ضمن سلة كاملة تشمل قيادة الجيش ومديرية الأمن الداخلي وشرطة المجلس النيابي. وأكد وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف في تصريح، أنّ قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي باقٍ في منصبه حتى تعيين قائد جديد، وأوضح أنه «سيتمّ تعيين قائد الجيش من بين لائحة من 15 عميداً موارنة، بعد أن يتمّ استبعاد الإداريين منهم». وكشف أنّ «الهبة السعودية ستعود ولكن ممكن بمبلغ أقلّ».
أما على صعيد الموازنة فعلمت «البناء» أنّ مشروع الموازنة لن يُدرج على جدول الأعمال في الجلسة المقبلة، لأنه يحتاج الى نقاش طويل بعد 11 سنة من الإنفاق من خارج الموازنة، في حين أنّ مسودة الموازنة أنجزت وتحتاج الى وقتٍ أقله شهر للانتهاء من دراستها ثم عرضها على مجلس الوزراء وإقرارها قبل إحالتها الى المجلس النيابي».
وقالت مصادر وزارية معنية لـ«البناء» إنّ «هناك وجهات نظر مختلفة حول مشروع الموازنة وما يعرقل إقرارها أمران موضوع شمولها سلسلة الرتب والرواتب وعملية قطع الحساب منذ العام 2005 حتى الآن من ضمنها مبلغ الـ11 ملياراً»، موضحة أنه يجري العمل على صيغة قانونية تتيح إقرار الموازنة وفي الوقت عينه لا تتخلى الدولة عن حقها بالأموال التي أنفقت من دون إجازة قانونية».
ورأى وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري في حديث لـ«البناء» أنّ «آمال اللبنانيين بإيجاد الحكومة الحالية حلولاً للأزمات المزمنة ليس سراباً، لكن الملفات كلّها قيد الدرس والنقاش ولا يعني عدم إدراج أي بند على جدول الأعمال، أنه محل خلاف، بل يؤجل لمزيدٍ من النقاش العلمي والعملي، خصوصاً أن مجلس الوزراء لا يزال في جلسته الثالثة والملفات المطروحة على الطاولة كبيرة وتحتاج الى وقت».
ولفت خوري الى أنّ «قانون الانتخاب لم يدرج على جدول أعمال جلسات الحكومة، لأنه يحتاج الى بحث ونقاش خارج المجلس بين القوى السياسية، وإن طرح على الجدول فقد يحتاج أكثر من جلسة ولا ينتهي بجلسة واحدة، لكن الجلسات مستمرة لدرسه».
ونوّه الرئيس الحريري في مستهلّ الجلسة بكلمة رئيس الجمهورية أمام السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي وبالتوجّهات الوطنية التي تضمّنتها. وأكد أنّ «أولويات عملنا في الحكومة هي إجراء الانتخابات النيابية ولن يكون على جدول أعمالنا، لا تحت الطاولة ولا فوق الطاولة، أيّ نيات أو أيّ رغبة في التمديد للمجلس النيابي، فكلّ القوى السياسية المتمثلة في الحكومة معنية بترجمة هذا التوجه، بمثل ما هي معنية بالتوافق على إنتاج قانون جديد للانتخابات، يعتمد المعايير الموحّدة التي تضمن عدالة التمثيل».