صحافة عبريّة
كتب تسفي مجين في صحيفة «نظرة عليا» العبريّة:
مع دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تكثر الرسائل حول التغييرات المرتقبة في سياسة الولايات المتحدة بالنسبة إلى روسيا. فانتصار ترامب يُستقبَل في روسيا برضى وتفاؤل عظيمين، لا سيما عقب تصريحاته في حملة الانتخابات للرئاسة حول استعداده للتعاون مع روسيا. وبالإجمال، فإنّ روسيا تعيش تحت ضغط غربيّ كان التقدير هو أنّ إدارة أميركية ديمقراطية ستشدّده. ولكن يتبيّن أن ترامب نفسه معنيّ بتخفيض مستوى المواجهة مع روسيا ويحتمل أن يكون مستعدّاً لأن يعمل على تسويات ـ وإن لم تكن تنازلات كبيرة. أما روسيا من جهتها فتعيش حالة انتظار متحفّزة استعداداً لتسلّم الرئيس الجديد مهام منصبه، بينما تتعاظم في الخلفية الأصوات التي تدّعي تدخّل روسيا في عملية الانتخابات في الولايات المتحدة.
في الولايات المتحدة، مثلما في الساحة الدولية بشكل عام أيضاً، يبدو حرج وانعدام يقين من نوايا ترامب في مسألة السياسة الدولية للولايات المتحدة، بما في ذلك بالنسبة إلى السياسة التي تُحدّد تجاه روسيا. واضح أن هذا الموضوع سيكون من المواضيع المركزية على جدول أعمال الإدارة الجديدة. وبالتوازي، يتعاظم القلق في أوساط المؤيّدين لمواصلة التصدّي للتحدّي الروسي ويفضّلون مواصلة ممارسة الضغط على روسيا، بينهم ـ إدارة أوباما المنصرفة ومؤيّدوها، أعضاء كونغرس كثيرون، بينهم جمهوريون، وبالطبع الدول الأوروبية. يبدو أن جزءاً من نشاط الإدارة المنصرفة كان يستهدف تثبيت حقائق على الأرض تجعل من الصعب على ترامب تغيير السياسة الحالية تجاه روسيا.
إنّ سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في موضوع روسيا ستكون بلا شك ذات آثار على الشرق الأوسط، وعلى عموم السياقات الذي يشهدها، وعلى رأس ذلك التدخل الروسي في الحرب في سورية. فضعف مراكز الحكم للدول كنتيجة لـ«الثورات» التي ألمّت بالمنطقة في السنوات الأخيرة، تسعى القوى الإسلامية المتطلعة إلى تعظيم قوّتها إلى استغلالها. وقد شجعت «الثورات» في المنطقة بالتوازي سواء التدخل المتعاظم للقوى العظمى الإقليمية أم للقوى العظمى العالمية في ما يجري في المنطقة، بهدف التأثير على الميول وموازين القوى فيها ـ كلّها تتطلع إلى إملاء النظام الإقليمي المستقبلي وقوّتها النسبية في هذا الاطار. وبين القوى التي تؤدّي دوراً مركزياً في صراع القوى هذا توجد روسيا أيضاً، التي تستهدف تعزيز مكانتها في الشرق الأوسط.
يشكّل التدخّل الروسي في الشرق الأوسط، ضمن أمور أخرى، ردّاً على التحدّيات التي تواجهها حيال الغرب. فالدول الغربية التي تعتبر السلوك الروسي في مجال الاتحاد السوفياتي السابق، لا سيما في أوكرانيا كعدوان غايته تثبيت نفوذ موسكو في هذا المجال، ردّت على خطواتها بالضغط السياسي عليها، وبفرض عقوبات اقتصادية تهدّد استقرارها. وبالتالي فإنّ التدخل الروسي في الشرق الأوسط، اضافة إلى غايته كسبيل لتثبيت مكانة روسيا كلاعب مؤثر في الساحة الدولية، موجّه أيضاً لمساعدتها على تحطيم دائرة الضغوط المغلقة عليها وخلق روافع وأوراق مساومة حيال الغرب.
وكنتيجة للتدخل الروسي في الشرق الأوسط، اشتدّ التوتر الروسي ـ الأميركي. فالولايات المتحدة وشركاؤها يشخّصون تطلّعات روسيا كموجهة ضدّ المصالح الغربية وحتى الآن تحفظوا من خطواتها في المنطقة وامتنعوا عن التعاون معها في ظلّ تشديد الضغط عليها من خلال استمرار العقوبات الاقتصادية. ورغم ذلك، فإن التدخل الروسي في الشرق الأوسط، والذي يتضمّن رفع مستوى العلاقات بين موسكو ودول في المنطقة، خلق فيها واقعاً استراتيجياً جديداً، في إطاره تعاظم النفوذ الروسي.
بالنسبة إلى العلاقات الأميركية ـ الروسية، قبيل قيام إدارة جديدة في الولايات المتحدة، يمكننا أن نرسم ثلاثة سيناريوات محتملة:
ـ استمرار سياسة إدارة أوباما، والذي يعني استمرار، لا بل تشديد التوتر بين موسكو وواشنطن بالنسبة إلى الشرق الأوسط.
ـ تعديلات معينة في سياسة الإدارة الجديدة تجاه روسيا، في ظل العمل على تنازلات متبادلة مضبوطة. يمكن التقدير بأنّ تخف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، لا بل ينشأ تعاون بين القوتين العظميين في الشرق الأوسط أيضاً.
ـ تعاون أميركي ـ روسي كامل في الساحة الدولية، تكون له آثار بعيدة المدى على تصميم النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
من هذه الإمكانيات، يبدو السيناريو الأكثر واقعية هو الثاني ـ تفاهمات وحلول وسط معيّنة. ويستند هذا التقدير إلى توافق هذا السيناريو مع نوايا ترامب المعلنة. وإضافة إلى ذلك، يمكن التقدير أنّ روسيا، التي تعيش ضغوطاً في الساحة الدولية، ستفضّل الوصول إلى حلّ وسط مع الغرب ـ وإن كان في ظلّ الحرص للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. وعليه، فيمكن التوقّع أن حتى في بداية ولاية الإدارة الأميركية الجديدة ستتّخذ خطوات، سواء من روسيا أم من الولايات المتحدة بهدف تخفيض حدّة التوتر بينهما، في ظلّ تنازلات متبادلة. وإذا كان هذا ما سيحصل، فإن هذا الميل سيعطي مؤشراته في الشرق الأوسط أيضاً.
في هذا السياق يُطرَح ضمن أمور أخرى، سؤال حول علاقات روسيا مع «إسرائيل». اليوم، على المستوى الثنائي، تسود بين الدولتين علاقات إيجابية. فروسيا ترى في «إسرائيل» شريكاً إيجابياً وواعية قدراتها الردعية. ويشار إلى أنه في أثناء السنة الأخيرة جرت في روسيا أربع زيارات «إسرائيلية» رفيعة المستوى، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وللرئيس رؤوبين ريفلين. وزار رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيدف «إسرائيل». يحتمل أن تكون للتدخّل الروسي في المنطقة فرصة معيّنة أيضاً، وإن كانت متدنية للغاية، في أن تدفع روسيا إلى الأمام بتفاهمات مستقبلية بين الجهات الإقليمية المقرّبة لها وبين «إسرائيل».
ومع ذلك، فإن العلاقات بين الدولتين تتأثر سواء بالمجريات الإقليمية أو بالتوتر بين القوتين العظميين العالميتين. فالتواجد الروسي في سورية في إطار التحالف مع خصوم «إسرائيل» الأساسيين ـ إيران، نظام الاسد، حزب الله ومؤيّديهم، طرح اضطرارات جديدة أمام «إسرائيل». صحيح أن روسيا معنيّة بالامتناع عن المسّ بعلاقاتها مع «إسرائيل» في هذا الواقع الباعث على التحدّي، وبالتأكيد تخفيض مستوى احتمال الصدام العسكري معها. أما «إسرائيل» من جهتها، فتسعى إلى الحفاظ على حرّية العمل في مجال سورية، في ضوء التهديدات الناشئة على أمنها فيها. ولهذا السبب، فإن على روسيا و«إسرائيل» على حدّ سواء أن تبلورا ردّاً مناسباً على هذا الاحتمال. وتثبت آلية التنسيق الأمني التي تبلورت بين موسكو والقدس لمنع الاحتكاك حتى الآن مصداقيتها وفاعليتها.
إضافة إلى ذلك، ينبغي الأخذ في الحسبان بأنه لن تضمن لـ«إسرائيل» دوماً مراعاة روسية لمصالحها، إذا ما تضاربت هذه مع مصالح روسيا. وتقف «إسرائيل» أمام تحدّي التحالف الروسي العامل في سورية. ترى «إسرائيل» في تثبيت وضع إيران في الأراضي السورية وفي التعزيز العسكري لحزب الله عناصر تهديد مركزية. أما روسيا من جهتها فتتعامل باستخفاف مع إمكانية التهديد الإيراني تجاه «إسرائيل». ولاحقاً يكمن في دعمها إيران وحزب الله احتمال لصدام مستقبلي بينها وبين «إسرائيل». في الظروف الحالية، يبدو أنه ستتواصل المراعاة للمصالح المتبادلة بين «إسرائيل» وروسيا بالنسبة إلى الساحة السورية، كما من المتوقع أن تحرص روسيا على تنسيق عملياتي مع «إسرائيل» في هذه الساحة وربما أيضاً تصل معها إلى تفاهمات حول استقرارها. ولكن تواجد روسيا في المنطقة يستدعي من «إسرائيل» متابعة دائمة لخطواتها وللتطورات المتعلقة بمنظومة العلاقات الروسية مع العناصر الإقليمية واللاعبين الدوليين.
البناء في القدس أهمّ من نقل السفارة الأميركية
كتب نداف شرغاي في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبريّة:
يا محبّو القدس، تنفّسوا عميقاً وقولوا لجميع أصدقائنا في الولايات المتحدة ولأنفسكم أيضاً إنّ أموراً هامة وملحّة لـ«إسرائيل» أكثر من نقل السفارة الأميركية إلى القدس. صحيح أن هذا سيبدو انتصاراً كبيراً وهامّاً لـ«إسرائيل» على طريق اعتراف العالم بالقدس كـ«عاصمة لإسرائيل»، لكنه سيبقى انتصاراً رمزياً فقط. أي رفع علم لا أكثر من ذلك.
الامتحان الحقيقي لإدارة ترامب حول القدس ومناطق القدس الموسّعة هو امتحان العمل، لا امتحان العلم أو الرمز. بعض أصدقاء «إسرائيل» في الولايات المتحدة لمّحوا إلى أنه قد يُكتشَف بسرعة أن لا هدايا من دون مقابل. ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، بهذه الصيغة أو تلك، سيحوّلنا إلى مدينين لإدارة ترامب. ترامب والبعض من أتباعه سيطلبون المقابل. والمقابل من وجهة نظر الفلسطينيين وروسيا والدول العربية سيكون استمرار التجميد أو وقف البناء في القدس الموجودة وراء الخطّ الأخضر ومناطق القدس الموسّعة.
إن هذا السيناريو ليس خيالياً، ويجب علينا رفضه. فبعد سنوات من تجميد البناء في مناطق واسعة في القدس بسبب ضغط أوباما، وإنكار الإدارة المعادية «حقَّ إسرائيل الطبيعي في القدس، عاصمتنا التاريخية والدينية»، حان الوقت للقيام بشيء ما ونشر المناقصات والعودة إلى البناء، وعدم طلب الإذن من الولايات المتحدة وعدم النظر إلى «الأخ الاكبر»، والعودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل أوباما، حيث كان الرؤساء أقل عداءً وأقل صداقة أيضاً من ترامب. أو بكلمات أخرى، أقل صداقة مما يبدو ترامب الآن.
في الاختيار غير الخيالي بين نقل السفارة أو استئناف البناء في القدس، لا شكّ في أن البناء أهمّ. العمل والحقائق على الأرض يتغلّبان على الرمزية. ومن الملحّ أكثر البناء في المنطقة الموجودة بين «معاليه إدوميم» والقدس من أجل ربط المدينتين قبل قيام الفلسطينيين بملء هذا الفراغ بالبناء الخاص بهم. عندئذٍ سيكون قد فات الأوان. ومن الملحّ أكثر البناء بسرعة في عطروت قبل أن تُسحب من يدنا الإصبع الشمالية للقدس. ومن الملحّ تعزيز التواجد اليهودي في منطقة «شمعون الصديق» لتعميق الربط بين غرب القدس وجبل المشارف. ومن المهمّ أيضاً البناء في «جفعات همتوس» و«هار حوماه».
يجب علينا ألا نخاف من التهديدات الفلسطينية. فقد هدّدوا بالتظاهرات وسفك الدماء قبل أن نبدأ ببناء «هار حوماه» أيضا وقبل عودتنا إلى «مدينة داود»، وقبل بناء «معاليه هزيتيم». وقد تم بناء هذه الأماكن على رغم ذلك، ولم تسقط السماء.
العلم الحقيقي الذي يجب على «إسرائيل» أن ترفعه الآن هو علم استئناف البناء في القدس وفي القدس الموسّعة. القدس الموسّعة هي جزء من «الكتل الاستيطانية»، وهي الكتل التي وعد جورج بوش الابن شارون بأن يسمح بالبناء فيها، وهو الوعد المكتوب الذي أنكرته هيلاري كلينتون ورئيسها أوباما بكلّ وقاحة. لقد حان وقت الأفعال لا الأقوال. لا للتصريحات. أيضاً في شرق المدينة العمل كثير. الفوارق بين الأحياء اليهودية والعربية لا يمكن تحمّلها، وهناك حاجة إلى الاستثمار فيها. أيضاً لأنه من «السليم ومن العدل والأخلاق» فعل ذلك. لا قدسان هناك، بل قدس واحدة.