روسيا وأميركا وانقلاب الصورة في سورية
ناصر قنديل
– منذ بداية الأزمة في سورية واستعصاء إسقاط الدولة ورئيسها على الطريقة التونسية أو المصرية، وروسيا شريك في القرار الدولي الصانع للسياسة والحرب في سورية، بداية بالفيتو المعطّل للغطاء الدولي الذي يحتاجه الأميركي لجعل الحرب مباشرة، ونهاية بالانتشار والتموضع العسكري الروسي في سورية والبحر المتوسط. ومنذ خمس سنوات عملياً تاريخ أول تصويت على المشروع العربي لإسقاط سورية بالفصل السابع وسقوطه بالفيتو الروسي الصيني، والبعد الدولي المتعاظم للحرب في سورية وعليها يكبر ويسبق ويطغى على البعد المحلي فيها، ومكانة روسيا وأميركا كشريكين قائمة، لحدّ أن تحرك الأساطيل الأميركية نحو توجيه ضربة لسورية لم يكمل طريقه بسبب الفيتو الميداني لصواريخ روسية قالت إن الاحتمالات كلها مفتوحة، فعادت الأساطيل لكن محملة بماء وجه مَن أرسلها بعدما حفظه له الروس بحلّ سياسي ينتهي بتخلي سورية عن سلاحها الكيميائي.
– في منتصف الطريق ونهاية الاستكشاف المتبادل لحدود الاستعداد المتبادل في الذهاب للحرب في سورية دفاعاً عن الرؤى والمصالح والحسابات، أي منذ عام ونيّف بعد تموضع الروس عسكرياً وبدء هجوم استرداد زمام المبادرة للجيش السوري وحلفائه، والأميركيون يتصرفون على قاعدة معادلة قوامها، الاختباء وراء الحرب على داعش لتكوين قواعد نفوذ في سورية أبرزها عبر البوابة الكردية، واستخدام بقاء داعش وإطالة أمد استنزاف التنظيم لسورية ومحور المقاومة، كما قال ذات مرة جيفري فيلتمان للنائب اللبناني وليد جنبلاط، وبالمقابل بعد التحكم بقواعد الحرب على داعش كاختصاص حصري أميركي، اللعب تحت الطاولة مع جبهة النصرة مباشرة وعبر الفصائل المسلحة التي تسميها واشنطن بـ«المعتدلة»، وهي ذاتها التي وصفها الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما بالفانتازيا التي لا وجود لها، حيث التطرف والقاعدة خلفية جامعة لهذه الفصائل كلها. وهذا الاحتواء المزدوج الذي مارسته واشنطن في الميدان هو ما فعلته ذاته في المفاوضات التي أنتجت تفاهماً لم يبصر نور التطبيق، لأنه يتوقف على قرار بالانتقال للمواجهة الأميركية مع جبهة النصرة والتشارك مع الروس في الحرب عليها، مقابل شراكة الروس معهم في الحرب على داعش، وهي شراكة في البعدين ستعني تسريع ساعة القضاء على التنظيمين بحشد حلفاء كل من واشنطن وموسكو في حرب على جبهتين مشتركتين تكفل نهاية سريعة للتنظيمين.
– خاضت موسكو خطة مقابلة خلال عام ونيف جمعت بين الحرب على النصرة والفصائل المتموضعة معها، وصولاً للضغط على الراعي الإقليمي للفصائل المسلحة الذي تمثله تركيا، ويشكل الحليف الأول في المعكسر الذي تقوده واشتطن لجهة القدرة على التأثير في الحرب على سورية، ووضع تركيا بالحصيلة بين خياري خسارة كل شيء بنهاية هذه الفصائل عسكرياً، أو القبول بمسار سياسي يحفظ دوراً لتركيا وللفصائل التي ترعاها تحت سقف الانفصال عن النصرة، ورغم تشكيك الكثيرين بجدوى هذه الخطة، التي توقفت مرة عند أبواب حلب قبل عام تقريباً، وعادت فأكملت طريقها لتحرير حلب، وصلت تركيا إلى الخيار الصعب ودخلت المسار المرسوم حتى استانة، ولم تكن موسكو بحاجة لقرار حرب تتخذه تركيا وفصائلها للحرب على النصرة، بل لبيان يبشر بهذه الحرب، حتى تتكفل النصرة بخوض الحرب استباقاً، وتستدعي تدخلاً تركياً وأميركياً لحماية ما تبقى من هذه الفصائل بعد قرار النصرة بتصفيتها.
– على ضفة مقابلة تتعثر تركيا وفصائلها في الحرب على داعش في مدينة الباب وتهاجم وحدات داعش الجيش السوري في دير الزور، بعدما صارت الرقة والموصل خطوطاً مهدّدة بالسقوط خلال هذا العام، وصار النزوح جنوباً من بوابة دير الزور خطة الانسحاب المتاحة لداعش، فصار المشهد الواقعي ترجمة حرفية لما أراده الروس منذ البداية، مشهد تغير فيه الطائرات الأميركية على مواقع جبهة النصرة وتستهدف قادتها فيما تغير القاذفات الاستراتيجية الروسية على مواقع داعش وتستهدف قياداتها. ويحدث هذا التبادل العسكري الميداني جنباً إلى جنب مع تبادل عسكري استراتيجي، حيث يتزامن رحيل الأساطيل الأميركية من المتوسط مع قدوم وتمركز الأساطيل الروسية فيه، ويتوّج المشهد تبادل في الموقع السياسي في الأزمة السورية فينتقل الثقل من رعاية أميركية تتقدم الصفوف وتليها موسكو شريكاً ثانياً، لتصير الرعاية روسية والشراكة أميركية بصفة مراقب أو أكثر قليلاً، وتصير إيران في الصفوف الأولى للرعاة، بينما كانت تقف على باب انتظار دعوة إلى جنيف، لتبادلها السعودية التي وضعت الفيتو على الحضور الإيراني الجلوس في قاعة الانتظار.
– لا يغيّر من هذا بشيء حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مناطق آمنة في سورية، ستنتهي بالحديث عن تفاهم مع الحكومة السورية على مناطق لإيواء النازحين العائدين.