الشاعر مجد إبراهيم: الشعر لديّ فكرة وشعور محلّقان على أجنحة شهيّة الرقص والطرب
كتبت غرام محمد من طرطوس ـ سانا : فتن الشاعر مجد إبراهيم في بداياته بنماذج الشعر العباسي، خاصة شعر المتنبي شكلاً ومضموناً، ثم تأثر بالشعر المهجري وبخاصة شعر إيليا أبو ماضي، إلى أن أصبح التأثر أمراً لا يفسره بل يعيشه كأنه نور القمر يشع من داخله ويمنح الآخرين الضيا.
يقول ابراهيم: «إن مجموعتي «ملهاة الظلام» هي استكمال لمجموعتي السابقة و«مضات سوداء» إذ صورت فيها ما أعيشه من صراع فكري أو اجتماعي بأسلوب ساخر أحياناً وجاد أحياناً أخرى ويميّزها المضمون الجريء، خاصة قصيدة «سراب الهواجس» التي أعدت من خلالها تشكيل بعض المفاهيم وإعادة العقل إلى حيرته الأزلية الأبدية من خلال تساؤلات لا يمكن وصفها بأنها بريئة».
حضور المرأة في المجموعتين المنشورتين هو حضور إنساني بسلبياته وإيجابياته، مثل حضور الرجل، ويخدم ما يصوّره من صراع. أما في مخطوط المجموعة الثالثة «دندنات عارية» فالمرأة هي كل شيء، الحبيبة الحاضرة الغائبة، والحب المتلألئ في جسد جميل، وهي انعكاس جمالي على مرآة النفس. هي المبتدأ والمنتهى، يسافر منها وإليها ويتحد بها ويحبها حتى التلاشي، موضحاً أنها الكائن الأجمل المكمل لنقصه، يذوّب في ماء أنوثتها طين رجولته، مؤكداً أن كل ما سبق من صفات للمرأة جدير بجعلها الملهمة الأولى والأخيرة والمحرّضة الدائمة على الإبداع.
والشاعر يولد ولادة ولا يصنع صناعة، فالشعر مثل الحب «أنا أحب لأنني أحب وأنا شاعر لأنني شاعر، فمثل هذه الأمور هي نفسها السبب والنتيجة، ولأننا منطقيون نسأل دوماً عن الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة أو تلك. هذا ما يخص الشعر كمفهوم كلي أما الأجزاء أو القصائد أو النصوص فهناك ما يوقظها من سباتها إذ تحتاج إلى صدمة قد تكون صدمة حزن أو فرح او ألم أو لذة».
يلفت ابراهيم إلى «أن السخرية هي روح الحياة وهي الآلية التي نستخدمها لتجميل الآلام ومنحها رعشة لذيذة»، قائلاً إنه يستخدم السخرية على شكل دعابة ثم يحول هذا الاستخدام إلى أداء شعري على شكل مقطعات قصيرة من شعر التفعيلة، كما في مجموعته الأولى «ومضات سوداء»، وفي قسم كبير من مجموعته الثانية «ملهاة الظلام»، لتجميل الآلام وتوسيع دائرة قبول الفكر الإشكالية وتفريغ شحنات الغضب والحزن لدى المتلقي بالابتسامة.
حول كيفية تأثر الشاعر بالأزمة التي تمر بها سورية يقول ابراهيم: «إن ما نعيشه الآن من حزن وألم ولد لديّ عدة قصائد من شعر التفعيلة، بينها قصيدة «تقرير حنظلة»، وهذه القصيدة عكست فيها ما في داخلي على الخارج الذي تدور فيه الحوادث، إضافة إلى قصيدة «تحليق اضطراري» وقصيدة «حفنة من رمال الصمت»، وهاتان القصيدتان هما انعكاس للخارج على داخلي».
عمّا يميز الشعر الذي يكتبه يوضح: «أن العلامة المميزة في شعري يراها الآخرون، أما أنا فأزعم أنني أشبه نفسي، وشعري هو أنا، يرفض الفوضى والخطأ والقبح وتجاهل الآخر له»، مشيراً إلى وجود العديد من الشعراء المتميّزين على الساحة الشعرية في سورية، بعضهم يكتب شعر التفعيلة وشعر الشطرين، وبعضهم يكتب قصيدة النثر، ويميّز تجربتهم أنهم استطاعوا رفع العادي اليومي إلى مستوى المدهش المختلف، خاصة شعراء طرطوس، إضافة إلى ميلهم إلى النزعة الصوفية نتيجة تأثرهم بالبيئة الطبيعية من جبل وبحر.
يرى الشاعر مجد إبراهيم أن لا تعريف للشعر مضموناً، فهو مزيج من الدهشة والغرابة والأمور المبهمة الغامضة غير المحددة، أما شكلاً فهو لا يتخلى عن الموسيقى المنظمة، أي البحور الشعرية، رغم استمتاعه بقراءة بعض نماذج قصيدة النثر، فالشعر لديه تحليق الفكرة والشعور على أجنحة شهية الرقص والطرب.
يميل الشاعر ابراهيم إلى كتابة الشعر الموزون أي شعر التفعيلة وشعر الشطرين ولا يتخلى عن الموسيقى، وربما يعود ذلك إلى تجربته في العزف والتلحين والغناء، لكن ذلك مشروط لديه بأن يكون الوزن وسيلة لا غاية، أي ألا يسيء إلى المضمون لإنجاح الشكل. إنها عملية إبداعية متكاملة لا يسبق جزء منها الآخر.
الشاعر مجد ابراهيم يحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق، كلية الآداب، يعمل في التدريس والتدقيق اللغوي، شارك في مهرجانات عديدة ونشر في الصحف الرسمية وأصدر مجموعتين شعريتين: «ومضات سوداء» 2009 و«ملهاة الظلام» 2010 ، ولديه مخطوط لمجموعة ثالثة عنوانها «دندنات عارية» تطبع قريباً، إلى مخطوط لمجموعة رابعة لم يضع لها عنواناً بعد.