عبد الملك الحوثي
ناصر قنديل
– ولد عبد الملك الحوثي عام 1982 في منطقة صعدة شمال اليمن، والده بدر الدين الحوثي أحد أبرز فقهاء المذهب الزيدي الذي تتبعه الغالبية الساحقة من اليمنيين، وتتلمذ على يد والده في العلوم الدينية، حتى أجاز له تسلّم منبره ورسائله ومراجعاته وهو في الثامنة عشرة من عمره.
– عُرف السيد بدر الدين الحوثي بمواقفه الدينية الرافضة للنزعات المذهبية، والداعية للعودة بالزيدية إلى جذورها الإمامية الاثني عشرية، وقد قام رجال الحكم أيام نظام علي عبد الله صالح بمناهضته ومحاصرته، وجنّدوا في وجهه أغلب طاقات الماكينة الدينية التابعة للنظام لمنع انتشار دعوته، التي حالت دون انتشار الوهابية التي يروّج لها أتباع السعودية، ما أغاظ المملكة التي راهنت على رواج الوهابية وتحوّل الزيديين إليها، فإذ بهم مع الحوثي يذهبون إلى الحديث عن أصولهم الشيعية.
– أنتجت حركة والد عبد الملك الحوثي شريحة من المريدين والمؤيدين، وتركز نفوذ دعوته في منطقته وعشيرته في صعدة، وبعض المناطق من اليمن، وخصوصاً شمال العاصمة في مدينة عمران وبعض أحياء العاصمة، وحمل السيد بدر الدين دعوة إصلاحية اجتماعية ووطنية لحكم اليمن، لكنها كانت أقرب إلى الصوفية الناصحة.
– أسّس السيد حسين الحوثي شقيق عبد الملك ونجل السيد بدر الدين عام 1992 حركة أنصار الله، لترجمة هذه التوجهات وتنظيم المريدين والمؤيدين، وعرفت بالتيار الحوثي أو الحوثيين، وشاركت في ثورة الشعب اليمني عام 2011 وتفاعلت مع المطالب الشعبية، لكنها بقيت خارج التسوية السعودية، وتعرّضت لمحاولات تهميش متكررة من جانب السلطة التي رعتها السعودية.
– قامت الحركة بتنظيم صفوفها عسكرياً لمواجهة ما تعرّضت له مراراً، من هجمات أيام حكم علي عبد الله صالح، وحرّرت صعدة وأحكمت قبضتها عليها، وربحت مواجهات عدة على قوات السلطة وعلى الجيش السعودي، وصارت الحركة خليطاً من حركة احتجاجية لجماعة دينية ريفية ضدّ التهميش والإقصاء، وحركة إصلاحية وطنية اجتماعية، وحركة مواجهة مع المشاريع الأميركية للهيمنة والمشاريع السعودية للاستتباع.
– تولى السيد عبد الملك بعد استشهاد شقيقه السيد حسين عام 2010 قيادة حركة أنصار الله التي أسّسها شقيقه السيد حسين الحوثي، ومنذ ذلك التاريخ سطع نجمه كقائد شعبي وسياسي وعسكري استثنائي.
– لا يخفي السيد عبد الملك الحوثي العمق الديني لفكره السياسي، لكنه لا يتردّد في القول إنه يقود حركة سياسية يمنية وطنية، هادفة إلى تغيير أحوال اليمنيين بلا استثناء، خصوصاً تغيير أحوال الفقراء والمهمّشين، وتغيير النظام السياسي من التبعية إلى الاستقلال، رافضاً أيّ اتهام بتبعية حركته لإيران، فسجل في زمن قيادته انفتاح الحركة على سائر المكونات للحركة الوطنية اليمنية، خصوصاً الحراك الجنوبي ذي الأصول القومية واليسارية، لتشكيل ثنائي لا تنفصم عراه، شكل تماسكه في المواجهة الأخيرة صمّام أمان النجاح.
– اليمن يجب أن يكون جزءاً من محور الدول المستقلة في المنطقة، وهذا شرطه التحرّر من ربق العبودية للسعودية، وشرطه القرار المستقل، لكن الحركة متمسكة بعروبة فلسطين وحق شعبها ومقاومتها، وهي الجهة التي قادت كلّ تحرك داعم للمقاومة خلال حرب غزة فخرج وراءها مئات آلاف اليمنيين، ولا ضير أن يضعها هذا الالتزام مع قوى المقاومة في المنطقة وأن تحترم الدول المساندة لها.
– اليمن يجب أن يكون دولة نمو توفر العلم والطبابة والسكن لمواطنيها، وتكون كلّ الخدمات المتاحة لكلّ مواطني الدول التي تحترم نفسها وتحترم شعبها متاحة لليمنيين، ولذلك يجب أن تقوم جبهة شعبية يمنية تقود اليمن نحو بناء مؤسسات حكم لا مكان للفساد والمحسوبية فيها.
– نجح السيد عبد الملك بجعل مريدي وناشطي حركته يشاركونه هذه الأفكار خارج كلّ عصبية، وأن يساعدوه في تقديم الحركة بصورة تتناسب مع هذه الأهداف، وأن ينشئوا أجيالاً شابة مضحية ومتمرّسة بالقتال والثبات لأجل بلوغ هذه الأهداف.
– جاءت تجربة الشهر الأخير لتكشف مواهب هذا القائد ذي الاثنتين والثلاثين عاماً، وتظهر نوعية حركته وبنيتها وأهليتها وصلابتها ومرونتها، وقابليتها لتحمّل المسؤوليات التاريخية الجسام.
– تجربتان متقابلتان في المنطقة، تجربة الإخوان المسلمين الذين جاءتهم السلطة في عدة بلدان محورية في المنطقة على طبق من ذهب، ووراءهم دول مثل تركيا وقطر، وقبول ورضا من دولة عظمى مثل أميركا، وبعد تاريخ عريق يكاد يكون قرناً من الزمان، وبالمقابل حركة فتية بقيادة شابة وفي بلد مهمش وبلا سند من أحد، حركة تنهزم وتخسر وتحاصر خلال عام، والثانية تتقدم وتتفوّق وتنتصر.
– إنها قيادة السيد عبد الملك الحوثي… تذكروا هذا الاسم جيداً.