أستانة… وعثرة منتصف الطريق!
فاديا مطر
منذ اعتماد منصّة أستانة كطريق لتذليل عقبات العمليّة السياسيّة في سورية، والمراوحة لم تتعدّى وثيقة أوليّة حملت تشكيل لجنة لمراقبة وقف النار، وهو ما أعطى بيان وزارة الخارجية الكازاخيّة في 17 شباط الحالي صيغة «اللاتقدّم» في مسار العملية السياسية للأطراف المتحاورة، وهو ذاته ما أوضحه رئيس الوفد السوري المفاوض د.بشار الجعفري، بتعبيره عدم صدور بيان ختامي للمباحثات في أستانة، فالمؤتمر الذي تحوّل إلى منصّة لتبادل المواقف السياسية الشبيهة بمؤشّرات اهتزاز العلاقات الإقليميّة والدولية، لم يكن خافياً فيه ارتباك ما يسمّى المعارضة وتضعضع صفوفها في محاولة لتعويم رؤيتها، وترتيبها لمراحل ربما تكون انقلابية، منها أهداف سياسيّة بعيدة بدأت منعكساتها مع تجاذبات تشكيل الوفد المعارض إلى «جنيف»، واعتلائها منصّات تصادميّة وخلافيّة واضحة أفضت مؤخّراً إلى اختيار «نصر الحريري» رئيساً للوفد و«محمد صبرا» كبيراً للمفاوضين، هو ما بدأ واضحاً برفض توقيع البيان الختامي لمحادثات أستانة -2، مع محاولاتها اصطناع زوايا حادّة مسبقة في القرارت الختامية، وهو ما يعكس ارتباك المشغّلين الذين ما زالوا يعانون كمّ الخسارات واعتماد حجّة الدور الإيراني في المباحثات كجزء معطّل لا بُدّ من التخلّص منه.
فالعناوين القادمة لمشغّلي ما يسمّى المعارضة السورية بدأت تثقل كاهل أهمّها، وهو تركيا التي تقع تحت فداحة بشرية وضعت حزب العدالة والتنمية في موقع التشكيك لتحالفاته ونتائجها السياسية والعسكرية. فشبح المتغيّرات الميدانيّة والخرائط التكتيكيّة للشمال السوري، وخصوصاً على جبهة مدينة «الباب»، أرخت دلائلاً حسّية على ضعف الموقف التركي عسكرياً ووضوح خدعة ما يسمّى «درع الفرات» بخلطة «نصرتها» التي تنام على فشل وتصبح على فشل أكبر، مع وصول طلائع الجيش العربي السوري وحلفائه على مشارف المدينة، والانهيارات المتواكبة في ريف حلب الشرقي لمدن كانت تشكّل بعداً استراتيجياً لهذه المجموعات الإرهابيّة، فالحديث السابق عقب تحرير مدينة حلب عن استدارة تركيّة هو بمضمونه لعبة تركية للحدّ من تداعيات هزيمة خلاياهم الإرهابيّة، ولما شكّلته من مفترق استراتيجي عسكري في الحرب على الإر هاب، لا يستطيع أحد إنكاره وخصوصاً حكومة أردوغان، وما تزامن معه من تغيير الإدارة الأميركيّة كان أشدّ وجعاً على العضد التركي سياسياً، والدعم الأميركي للقوات الكردية جعل من إدارة واشنطن لاعباً خفيّاً في حديقة تركيا الخلفيّة، وهو ذاته ما أوضحه الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع راديو «أوروبا 1» وقناة «تي في 1» الفرنسيّتين في 16 شباط الحالي، بأنّ «الغرب يدعم إرهابيّين في سورية تحت مسمّى معتدلين»، ولكنّه كان يدعم في الأساس ذاته القاعدة و«داعش». وهو بدأ بدفع الأثمان، فالعلاقة الأميركيّة مع روسيا حتى الآن لم تجد شكلاً مناسباً لتثبيت قواعد اللعبة بالنسبة لتركيا، وهي بدأت تأخذ طابعاً حادّاً عبر سياسة «الناتو الحالي»، فهو ما أوجد عقبات أكثر مع العقبات التركية أصلاً. فتركيا التي حاولت مسك طرفي الطريق الدولية بيدها، أصبحت عاجزة عن هذا التموضع، وهو ما جعلها ذات النفس القصير في هذا الموقع إن كان لجهة العلاقة مع موسكو أو مع واشنطن التي تعتبر تركيا أصلاً طريقاً للعبور، فهل رفع السقوف السياسيّة سيتبعه رفع أغطية عسكريّة يمتدّ من أنقرة ولا ينتهي في الرياض؟! أم أنّ مؤتمر جنيف المقبل سيكون ضوء آخر النفق؟