كيف تحرَّك «ليبرمان» بوجه «عون»؟

روزانا رمّال

لم يكن وارداً بالنسبة لـ«الإسرائيليين» أن يخرج بالقريب العاجل رئيس لبناني يشاطر أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله معادلته الذهبية «الجيش والشعب والمقاومة»، بوقت دقيق ركّزت «إسرائيل» فيه ولسنوات عشر ماضية على مسألة إنهاك حزب الله محلياً أو عبر حلفائه إقليمياً، الأمر الذي بدأت تنفيذه منذ ما بعد حرب 2006 بخيار حرب شوارع اقتيد إليها حزب الله في أيار عام 2008 جراء مطالب خيالية بتسليم «رأسه» بأطر وطرق محلية عبر تسليم الدولة اللبنانية داتا الاتصالات ومطالبات أخرى طالت رئيس جهاز أمن المطار المحسوب حينها على فريق 8 آذار.

استفادت «إسرائيل» من فرصة تحويل الشارع اللبناني الى ساحة إغراق للحزب عبر السجال الحاصل بين الحكومة وبين حلفائه، وإذ به لا يتوانى عن استخدام سلاحه في «الداخل» حينها، فحسم الأمر خلال أيام الأمر الذي لم تكن تتوقعه «إسرائيل».

أطلق السيد نصرالله على تلك المعركة أيّ 7 أيار وصف «اليوم المجيد»، سمعت «إسرائيل» هذا التعبير وأدركت تماماً أنّ السيد نصرالله فهم أنّ طلب «حكومة السنيورة» خدمة مجانية لـ«إسرائيل» بأيدٍ لبنانية قد لا تدرك أو تعرف أبعاد المسألة خصوصاً أنّ «إسرائيل» اعتادت على حسن استخدام السيد نصرالله لكلامه وانتقائه وتقصّده توجيه أصابع الاتهام.

الحرب على النظام السوري «خيار» آخر للقضاء على حزب الله على حزب الله، لكي تتعطّل رئة الحزب التي تشكلها المعابر البرية مع سورية لتمرير السلاح.

لم تكن مواقف الرئيس ميشال سليمان الذي قرّر النأي بالنفس مقلقة بالنسبة لـ«إسرائيل»، وبغضّ النظر عن أبعاد القرار الا انه لا يحرّك عملياً «ساكناً» في «إسرائيل» كي لا يُقال «مرحّب» به.

تتحرك «إسرائيل» اليوم بـ«حدّة» بوجه الرئيس ميشال عون الذي صدر عنه كلام حاسم باتجاه دعم المقاومة وسلاح حزب الله تحديداً، وكان لوزير الأمن «الإسرائيلي»، افيغدور ليبرمان موقف «هستيري» بشأنه خلال مثوله امام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست «الإسرائيلي» فقد عمد لمهاجمة الجيش اللبناني لأول مرة بعد محاولات الاستخفاف بقدراته وإبعاده عن الصراع مع «إسرائيل» لسنوات كقوة ضاربة وخلق بؤر اشتباكات موسمية بينه وبين قوى متطرفة أو المخيمات الفلسطينية وهي مخاطر لا تزال تحوم بالأفق عملاً بمشروع غربي قديم – جديد لتفكيك الجيوش العربية كما بات واقعاً، معتبراً «ان كلام عون هو بمثابة إعلان أن لبنان وجيشه وحزب الله منظومة واحدة موجّهة ضد «إسرائيل». ولتزخيم مطالعته امام المجتمعين اضاف ليبرمان «عون بات «ناشطاً» لجانب حزب الله».

كلام ليبرمان ليس عادياً من دولة معادية للبنان. فهو يفتح العيون العسكرية والأمنية نحو خيارات أقلها تؤسس لمستقبل حرب تدخل فيه الدولة اللبنانية برمّتها ضمن بنك أهداف «إسرائيلية» كنوع من «تدفيع» اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين المتحالفين مع حزب الله «الثمن»، نتيجة هذا التحالف بعد تحييدهم في حرب تموز.

كلام ليبرمان أمام لجنة «أمنية» ليس خطاباً للعلم والخبر، إنما هو خطاب من أجل التحرك ضده أمنياً وسياسياً.

مساحة التحرك «الإسرائيلية» المستحيلة حالياً عبر حرب شاملة على لبنان تعني اللجوء الى الاعتراضات المشابهة عربياً وإرسال رسائل تتكل عليها «إسرائيل» لأداء المهمة، خصوصاً بعد أن كان قد حظي ليبرمان بالاستماع الكامل لخطابه في مؤتمر ميونخ للأمن من قبل وزير خارجية السعودية عادل الجبير متفقاً معه على العدو المشترك «حزب الله»، وإذ بالمملكة العربية السعودية تؤدي المطلوب مرسلة أجواء امتعاض بين «أوساط» سياسية وصحافية فيها نبرة تهديد صريح بأن الملك السعودي عزف عن زيارته لبنان جراء مواقف عون من سلاح الحزب مع ما يعنيه من تعريض العلاقة اللبنانية السعودية للخطر.

الإمارات بدورها استدعت السفير اللبناني لسؤاله عن مواقف عون، وللاعتراض من دون أن تبدو أجواء قصر بعبدا مهتمّة بما يدور في كواليس الرسائل المنشورة، معتبرة أنها لم تسمع شيئاً من هذا القبيل.

السؤال عن موقف السعودية تجاه عون «قبل» انتخابه و«بعده» يكشف عن رهانات سعودية في أن يكون رفع الفيتو الرئاسي عن عون طريقاً أكيداً لتغيير مواقفه من حزب الله وجذبه إليها، عملاً بباقي الأفرقاء اللبنانيين او العرب الذين لا يفرطون في مسألة تعزيز العلاقة مع الرياض، نظراً لما يمكن ان تنتجه من تعويم اقتصادي وسياسي للبلدين.

اللافت أن عون وفريق عمله لم يتغيرا أو يصدرا ما لم يكن بالحسبان، فقد سبق وعبر وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل امام وزراء الخارجية العرب عن رفضه بيان الجامعة العربية والموقف من تصنيف حزب الله إرهابياً، معتبراً ان هذا وصف لا يتوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب مع حزب لديه تمثيل واسع من اللبنانيين ومكوّن أساسي لدينا ويحظى بكتلة نيابية ووزارية وازنة في مؤسسات لبنان الدستورية، وكان هذا الموقف قبل انتخاب عون وقد قبلت بعده المملكة بتسوية تأتي به رئيساً للجمهورية.

كشفت الرياض عن رهانها بشكل غير مباشر على تحوّل عوني تجاه حزب الله بعد الوصول لسدة الرئاسة، وكشفت أيضاً عن لعب على وتر فك الارتباط والتحالف بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وهو مطلب «إسرائيلي» أساسي منذ لحظة خروج تفاهم «مار مخايل» للعلن.

وبثبات موقفه حصل عون على شرف تصنيفه عدواً مقلقاً لـ«إسرائيل» ومستدرجاً عن غير قصد مواقف خليجية كشفت تحريك اعتراض «إسرائيل» غير المباشر بتوقيت موازٍ وعن رهانات على «بازار» مواقف عونية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى