توسّع تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» في جزيرة العرب

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

1 ـ الفوضى العارمة

تجلّى أحد العوامل المهمة المساعِدة في تحقيق مكاسب «القاعدة في جزيرة العرب»، في قدرتها على الاستفادة من ضعف مؤسسات الدولة وانهيارها، وخصوصاً الأمنية منها. وكانت الدولة اليمنية قد قدّمت في الماضي الدعم الأمنيّ للجماعات الجهادية المتطرّفة بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو مالية. ومع ذلك، وقبل حلول عام 2011، وُضع عدد من القيود حول أنشطة «القاعدة في جزيرة العرب». ولم ينجح هذا التنظيم في حكم أيّ منطقة. غير أن الحال ذلك خضع لتغييرات جمّة عام 2011 عندما انقسمت أجهزة القوات الأمنية، ليبقى منها قسم واحد موالٍ لصالح، فيما انضمّ الآخرون بقيادة علي محسن إلى الحركة الاحتجاجية ضدّه. وما لبث هذا الانقسام أن ترسّخ أكثر وأكثر خلال حرب 2015. اما أفراد الأجهزة الأمنية، فهم يقاتلون الآن إما مع جبهة الحوثي/صالح أو مع قوات التحالف بقيادة السعودية، أو أنهم قابعون في منازلهم. وفي ظلّ هذه الأجواء، لا تطالعنا أيّ جهود موحّدة لوضع «القاعدة في جزيرة العرب» في مركز قياديّ، إنما يمكن لهذه المجموعة أن تخطو خطوات حثيثة وسريعة ناحية الفراغ الأمني والسياسيّ.

وفي كلّ مرة كانت جماعة «أنصار الشريعة» تستولي على مقاطعة ما، لم تكن تلقى أيّ مقاومة من الأجهزة الأمنية، وذلك بغضّ النظر عن التحالفات السياسية الأخيرة. وهذا ما كان الحال عليه في 29 أيار 2011 على سبيل المثال، عندما سيطرت الميليشيات على زنجبار، أبين، ولاحقاً على خمس مدن أخرى في مقاطعتَي أبين والشبوة. وكان بعض المراقبين قد اقترحوا أنّ حلفاء صالح انشغلوا بمعركة صنعاء بعد فضيحة انقسام الجيش. وقال الرؤساء المحليون في أبين، الذين كانوا شهوداً على المكاسب الإقليمية لـ«القاعدة في جزيرة العرب»، ان اجهزة الأمن تخلّت عن مواقعها وسلّمتها للمراكز البلدية التي بالكاد احتوت على حفنة من العسكريين. ويرى معارضو صالح محادثات أبين، بوصفها حيلة من قبل الرئيس المحاصر لإقناع حلفائه الدوليين بإيجابية دعمه ولفت الانتباه إلى الأحداث في تعز، حيث، وفي اليوم عينه، دمّرت قواته معسكراً احتجاجياً مناهضاً للحكومة، ما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 270 محتجاً. ومهما كانت الأسباب الداعية إلى الاستيلاء السريع على المدن الجنوبية، فقد فشلت أجهزة الأمن في عملها، لتصبح «القاعدة في جزيرة العرب» المستفيد الأول في كلّ ما يجري.

وفي المكلا أيضاً، كانت قوات الأمن، إما غير راغبة أو غير قادرة على معارضة استيلاء «القاعدة» على بعض المناطق هناك. وذلك في نيسان عام 2015. وذكر بعض السكان المحليين مدى الفشل الذي عانوا منه في هذه المعركة عندما دخلت المجموعة إلى البلدة، وتمكنت حتى من منع مقاتلي القبائل من إيقافهم.

وبالقدر نفسه من الأهمية، وعندما تمكنت «القاعدة في جزيرة العرب» من السيطرة على المدن في المنطقة، كرّست نفسها كبديل عمليّ أفضل للدولة من خلال تأمين خدمات تنطوي على المزيد من الموثوقية والبتّ في النزاعات. كذلك، قدّمت جماعة «أنصار الشريعة» في أبين بين عامي 2011 و2012، مجموعة من الخدمات للسكان كالكهرباء والمياه، فضلاً عن التعليم ونظام عادل فعّال، مرتكز على تعاليم الشريعة القانون الإسلامي ، وذهبت إلى أبعد من تعويضٍ للأسر التي فقدت منازلها بسبب الضربات الجويّة الأميركية. تجلّت شعبية جماعة «أنصار الشريعة» بوضوح تام من خلال الإدراة الكفوءة نسبياً أكثر من تطبيقاتها الإيديولوجية.

وبعد طردهم من أبين، طُبّقت مجموعة من الدروس هناك مستفيدةً من تجربة المكلّا. وساهمت في تخفيف النهج المتشدّد من خلال التنشئة الاجتماعية مع السكان والامتناع عن اتباع القواعد الصارمة. وكجزءٍ من هذا الجهد، وُضعت مكان المجلس المحلي الحاكم ـ أي المجلس الوطني في حضرموت، بدلاً من تنفيذ شروط الحكم المباشر. وكانت «القاعدة في جزيرة العرب» قد عيّنت بعض الأعضاء المحليين كعناصر في الشرطة الدينية. كما أطلقت مشاريع البنية التحتية، وتوفير الخدمات الاجتماعية، مثل توزيع المواد الغذائية للأسر المحتاجة واللوازم والمعدّات الطبّية للمستشفيات، وتنظيم الفعاليات المجتمعية والمهرجانات في الشوارع. أما «الرايات السوداء»، وهي النسخة السوداء من «القاعدة»، فقد كان من الصعب بمكان، العثور على أفراد مماثلة في المدينة، ثمّ ـ وبأمر من زعيم «القاعدة في جزيرة العرب» الوحيشي، فلم توجد لافتات لأصحاب الرايات السوداء. أما أولئك المقيمين في المناطق التي تسيطر عليها «القاعدة في جزيرة العرب»، والذين لا يدعمون إيديولوجية هذه الجماعة، فهم يشيدون بانتظام بتحديد الأولويات الأمنية والخدمات الأساسية وآلية تسوية المظالم، كمثل النزاعات على الأراضي التي طال أمدها.

ووفقاً لأحد سكان المكلّا عام 2015: «نحن نرى بإيجابية إلى مجلس حضرموت الوطني، لأنه نجح في الاستمرار بدفع معاشات الحكومة… كما أبقى على الخدمات العامة في مستوى أفضل بكثير مما هو متوفر في باقي المحافظات… إن نظام القاعدة في جزيرة العرب هو نظام عادل وسلس، وبالتالي يُفضّل قياساً على نظام الحكومة الفاسد. كما وُجدت الحلول السريعة لعدد من القضايا البارزة التي بقيت عالقة لسنوات».

كذلك، تجنّبت «القاعدة في جزيرة العرب» الصراع الدموي للسيطرة على المناطق الأخرى، كما أصبح واضحاً أن القوات التي يقودها التحالف السعودي، خصوصاً في الإمارات العربية المتحدة، كان يُفترض أن يحدث في أيار 2016 لإخراج هذه الجماعة من هناك كما انّ الخبرة التي اكتسبتها في أبين بين 2011 و2012 قد تعلّمت الدفاع عن الأراضي في الصراع التقليدي ضدّ القوات المدعومة من الخارج، ولم تخاطر بتنفير السكان المحليين الذين أمضت شهوراً طويلة في محاولة كسب ودّهم. ويُقال إنّ «القاعدة في جزيرة العرب» قد رتّبت خروجها من المكلّا بالتعاون والتنسيق مع القوات المتحالفة مع الائتلاف، وذلك قبل تعرّض الحكومة اليمنية/الإماراتية للهجوم.

المصدر: «Ciris Group»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى