الراعي… بين تهديد وحدة الكنيسة وزجّ «الرهبان السود» ضدّ الرئيس!
هتاف دهام
يؤكد قطب سياسي بارز لـ«البناء» أنّ العلاقة بين بكركي وبعبدا ليست في أحسن أيامها. في القصر الجمهوري رئيس يُدعى العماد ميشال عون، لا يشبه من حيث تمثيله الشعبي والوطني الرئيس السابق ميشال سليمان المقرّب من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. طلب الصرح البطريركي من بعبدا خلال الأشهر الثلاثة خدمات ومواقف لها علاقة بمصالحها. لم يكن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون متجاوباً معها، لأنه يرفض أن يحمّل «ضميره».
أعلن الراعي في مقابلة تلفزيونية على شاشة «سكاي نيوز عربية» أنّ «حزب الله دخل الحرب السورية من دون أيّ اعتبارٍ لقرار الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس»، معتبراً أنّ ذلك «أحرج اللبنانيين وقسّمهم بين مَن يدعمه، ويقول إنه لو لم يتدخّل لكان داعش وصل إلى جونية، وبين مَن يعتبر أنّ تدخله هو الذي استجلب داعش». وأضاف: «الحزب الآن هو جزء من الحياة اللبنانية، هو حزب سياسي مع أسلحة، موجود في البرلمان والحكومة والإدارة. لكن الدولة اللبنانية لم تحسم أمرها في هذا الموضوع. ولو كان حزب الله «ميليشيا» خارج البرلمان، لكان الأمر شيئاً آخر، لكنه في الحكم».
التوقيت السياسي في كلام الراعي أكثر ما يثير الريبة. توقيت يأتي في السياق الزمني بعد المواقف الأخيرة لرئيس الجمهورية عبر قناة CBC المصرية( سلاح حزب الله لا يتناقض ومشروع الدولة وهو جزء أساسي من الدفاع عن لبنان طالما هناك أراض محتلة) . يريد البطريرك أن ينسف البعد المسيحي لكلام فخامته ببعد مسيحي مضادّ ومناقض بالإضافة إلى محاولة نسف بعده الوطني أيضاً، علماً أنّ سيّد الصرح لا يستطيع أن يكون مؤثراً إلا ربطاً بما هو مقبل من تطورات متناغمة مع «سياسته الجديدة».
من المفترض أنّ كلام سيّد الصرح ممنتج ومقرّر سلفاً في مقابلة لا يمكن أن يستدرج فيها إلى زلة لسان. فما الذي فرض عليه أن يتخذ الآن موقفاً له علاقة بقتال حزب الله في سورية، والأهمّ في موضوع السلاح ضدّ «إسرائيل» ليقول «أنا مواطن، وشريكي مواطن، وأنا أعزل وهو مسلّح، وهذا شيء غير طبيعي»؟
تعقد اللجنة المشتركة بين الحزب وبكركي اجتماعاتها شهرياً. ومنذ نحو شهرين ونصف الشهر، أكد رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم أمين السيد عقب زيارة تهنئة إلى بكركي، بمناسبة عيد الميلاد في كانون الأول الماضي، أنّ البحث تناول المشروع الإرهابي الذي يوجد في المنطقة وينطلق من سورية. وشدّد على أنّ «الحزب سيبقى في سورية من أجل هزيمة المشروع الإرهابي بالكامل، وعندما نرى أنّ المصلحة تقتضي خروجنا فسنخرج بقرار ذاتي».
أكثر من ذلك، جدّد البطريرك الراعي في لقاء مع مسيحيّي 14 آذار في العام 2012 تأكيده أنّ «سلاح المقاومة مبرّر وجوده لأنّ «إسرائيل» ما زالت تحتلّ أراضي لبنانية وعدوانها مستمر». ولفت إلى أنّ «سلاحها هو سلاح ردع حتى يتمكن الجيش من التسلح بما يجب من أسلحة تجعله قادراً على منع الجيش الإسرائيلي من العدوان على لبنان واحتلال أراضيه ساعة يشاء، وبما يمنع الطائرات الإسرائيلية من استباحة السيادة اللبنانية يومياً».
إزاء هذين المعطيين تجاه بعبدا وحارة حريك، يأتي كلام البطريرك، وفق القطب البارز، تحضيراً لمناخات جديدة، ما يعني أنه يمثل جزءاً من أجندة مرتبطة بالخارج تسعى لفتح معركة كبرى مع حزب الله على أرض لبنان عبر وسائل متنوّعة من عناصر الضغط.
وبحسب القطب نفسه، يشكل الخطاب البطريركي جزءاً من منظومة الضغط السياسية وبيئة حاضنة للمؤامرة في ظلّ الحديث عن تحضير لمنظومة أمنية، عبر استخدام المخيمات لتوتير الأوضاع والعودة إلى الضرب تحت الزنار بالأمن في بيئات معينة قد تكون البيئة «المسيحية» أحد أهدافها.
تتناغم الحملة على سلاح المقاومة، كما يقول القطب السياسي نفسه، مع اهتزاز العلاقة بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. ثلاثة مواقف «معرابية» المكان والهوى للدكتور سمير جعجع كانت صادمة، وهي: إعلان ترشيح إبن الجرد فادي سعد للانتخابات النيابية في البترون، مؤتمر إنماء كسروان، وخصخصة الكهرباء، فضلاً عن دخول الحكيم ورئيس تيار المستقبل يداً بيد في البيال في ذكرى 14 شباط.
يُراد من هذا التجانس، وفق القطب نفسه، خلخلة الموقف الوطني للرئيس عون الذي يجسّد اللحمة وراء المقاومة، ويوفر لها الدعم في وجه المؤامرات التي تستهدفها وتستهدف لبنان والمسيحيين.
ربما يحاول البطريرك التمهيد لوضع «الرهبان السود» في الانتخابات النيابية المقبلة في وجه الرئاسة، فموقع هؤلاء الرهبان في القرى حيويّ بالتأثير على الرأي العام وإن كان البطريرك أعجز من أن يضع الكنيسة بالذات، انتخابياً في وجه الرئيس عون، وإلا يعرّضها لخطر الانقسام، لأنّ فخامته وتياره البرتقالي في ذروة حضورهم المسيحي كنسياً وشعبياً ووطنياً.