ما خلفية جنون العدوان الإرهابيّ ضدّ دمشق وأهدافه؟
العميد أمين محمد حطيط
كان واضحاً مع انعقاد «أستانة 3» وتخلّف المسلحين عن الحضور ثم العرقلة التركية للاجتماعات ومحاولة منع الوفود المشاركة من تحقيق شيء من جدول أعمالها، أنّ هناك إرباكاً وخوفاً من المستقبل يعيشه معسكر العدوان على سورية قيادة ووسائط ومرتزقة منفذين. ارتباك مردّه الى الواقع الميداني الذي ترسمه بنادق الجيش السوري معطوفاً على بدء تحوّل في النظرة والفهم العالمي عامة، والأوروبي خاصة لما يجري في سورية تجلى في مواقف نيابية شاركت وفود من مجالسها في زيارة سورية أخيراً وسمعت ورأت حقائق تعاكس الباطل الذي عملت وروّجت له حكوماتها خلال السنوات الست الماضية.
وفاقم ارتباك معسكر العدوان ما وضع من جدول أعمال لأستانة 3 ركز على بنود ثلاثة تشمل وضع الخرائط التفصيلية للمسلحين في سورية، وتؤكد على الفصل التامّ بين الإرهابيين والمسلحين الذي وقعوا على قرار وقف العمليات القتالية وأوفدوا مَن يمثلهم الى أستانة 1، كما وتأكيد دور دول الجوار، خاصة تركيا والأردن، لإغلاق حدودها في وجه الإرهاب والتعاون الصادق لتجفيف مصادره المتدفقة إلى سورية. وقد رأى معسكر العدوان أنّ الالتزام بجدول الأعمال هذا يعني نصراً مؤزراً لسورية ودفعاً لقواتها المسلحة مع الحلفاء للسير قدماً وبسرعة في اجتثاث الإرهاب وتطهير أرضها منه للتفرّغ للعملية السياسية من دون ضغط إرهابي ومن دون ابتزاز عدواني.
لكلّ هذا كان معسكر العدوان يرى أنّ وقف الانهيار الذي يطيح أحلامه وخططه وأهدافه يتطلب أمرين أساسيين: الأول تعطيل أستانة 3 لمنع إقرار جدول اعماله، والثاني الضغط على الدولة السورية من أجل إعادة النظر في جدول أولوياتها الميدانية، والانسحاب من تفاهم أو قرار وقف العمليات القتالية لتحميلها لاحقاً المسؤولية عن هذا التعطيل.
أما في التنفيذ فقد وضع الفكر الشيطاني خطة مركبة لتحقيق أغراضه المتقدّم ذكرها. خطة تشمل امتناع المسلحين عن الذهاب الى أستانة ومماطلة تركيا ومراوغتها في الاجتماعات لمنع الوصول إلى اتفاق ما، كما والحؤول دون التزامها بفصل المسلحين المتراجعين عن الإرهاب والإرهابيين المصريين عليه، فضلاً عن قطع الطريق على أيّ ضغط عليها يؤدّي الى احترامها للسيادة السورية وإغلاق حدودها بوجه الإرهاب، والأخطر في هذه الخطة هو الجنون الإرهابي الذي اشتملت عليه، إرهاب إجرامي وحشي استهدف دمشق بشكل واسع النطاق.
فقد لاحظ الجميع أنه ومع اليوم الأول لانطلاق أعمال أستانة حدث التفجير الإرهابي المزدوج في دمشق الذي استهدف مجموعة مدنية عراقية من السياح الدينيين الذين يأتون عادة لزيارة الأماكن المقدسة في دمشق ومحيطها. وقد حاول الإرهابيون وقيادتهم تبرير الجريمة بأنها رسالة لمن قال بأنّ قوات عراقية تتحضّر للتوجه الى دمشق لمحاربة الإرهاب، وحاولوا إخفاء الرابط بين الجريمة الإرهابية والسلوك التركي فضلاً عن تخلّف المسلحين في الذهاب الى أستانة.
أما حقيقة أهدافهم من العملية فقد كانت مزدوجة أيضاً وتشمل الضغط على الوفد السوري للانسحاب من أستانة والضغط على الجيش العربي السوري لإسقاط وقف الأعمال القتالية، لكن سورية التي تتصرّف بعقل وروية وتعمل وفقاً لخطط واستراتيجية مؤكدة لم تعمل بهذا او ذاك من أهداف الإرهابيين، ومضت قدماً في أستانة بالتعاون مع الوفود المشاركة خاصة الروسي والإيراني ومن غير أن تكون بعيدة أيضاً عن الوفد الأردني تتلمّس الوصول الى نتيجة تناسبها في الاجتماعات.
ويبدو أنّ ردّة الفعل السورية العاقلة أغاظت الإرهابيين ومشغليهم ما دفعهم الى الانفجار الهستيري الإرهابي ضدّ دمشق بشكل أدّى وعبر عمليات إرهابية متعاقبة الى سقوط عشرات الشهداء والجرحى في أمكنة اختارها الإرهابيون لرمزيتها المعنوية بدءاً بقصر العدل، حيث المحاكم الوطنية التي تحكم إنصافاً للمواطنين في حقوقهم وتلاحق المجرمين في جرائمهم.
إنّ الهستيريا الإرهابية ضدّ دمشق في الأيام الثلاثة الأخيرة والتي تزامنت مع انعقاد اجتماعات أستانة، مرتبطة بالخيبة الميدانية لمعسكر العدوان وخشية مكوناته من إرساء اتفاقات تطيح بكلّ ما حلمت به، ولذلك نرى أنّ أميركا حتى اللحظة تتعامل بتجاهل واستخفاف مع الاجتماعات التي تعقد سواء في أستانة أو جنيف، وتركّز على الميدان وتتجه للتحضير لمعركة الرقة وهي ترى أنّ في العمليات الإرهابية الوحشية التي ترتكب ضدّ دمشق كابحاً قد يبطئ التحرك السوري الواثق الخطى ومنع سورية من السير قدماً الى الرقة التي تريدها أميركا جائزة بديلة لما فاتها تحقيقه في سورية حتى الآن، لتجعلها ورقة تفاوضية تلعبها على طاولة التفاوض.
ولذلك نرى أنّ الهستيريا الإرهابية التي تفجّرت في الداخل الدمشقي ترمي إلى:
1 ـ نسف او تعطيل قرار وقف العمليات القتالية لتتملّص تركيا ومن معها من معسكر العدوان من أيّ التزام فرضه عليهم، هذا القرار المعتمد من قبل مجلس الأمن الدولي أيضاً.
2 ـ نشر الرعب والخوف في دمشق وإظهار السلطة عاجزة أمام الإرهاب وغير ممسكة بالأمن فيها ما يجعل العصابات الإرهابية في موقع الضغط على الحكومة من هذا الباب، مع الدفع لإبطال مقولة الأمن الدمشقي المحصّن.
3 ـ الضغط على الحكومة السورية لتخصيص مزيد من القوى للمحافظة على أمن دمشق، الأمر الذي يؤدّي الى إفراغ أمكنة أخرى من القوى المحافظة على أمنها ويؤدّي الى تعطيل الخطط العملانية الموضوعة والمعمول بها بنجاح كلي منذ 5 أشهر من دون توقف لتطهير الأرض السورية من الإرهاب.
وبالنتيجة نرى أنّ العمليات الإرهابية التي ضربت دمشق هذا الأسبوع ليست عملاً عارضاً، بل إنها خطة إجرامية خبيثة ترمي الى تحقيق أهداف لا يمكن إخفاؤها، وبالتالي يكون الردّ على هذه العمليات بعدم تحقيق أهدافها أولاً، ثم تطوير أساليب حفظ الأمن وملاحقة الإرهابيين ثانياً، وأنّ سورية بما تملك من قدرات وما باتت عليه من مناعة قادرة على المواجهة، وبكلّ ثقة مؤكدة.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية