خافت الرياض من كلمة رئاسية لبنانية محرجة تعيد وهج فلسطين فاستبقتها بالمذكرة الـ 4+1 قرار سعودي: الأربعة صاروا خمسة ببركة الحريري وتشجيعه لسلام
كتب المحرّر السياسي
القمة الروسية الإيرانية وضعت أسس العلاقة الاستراتيجية بين الحليفين اللذين خبرا الحلو والمر معاً خلال عشر سنوات في ظروف غاية في الصعوبة رافقت أكبر أزمتين عالميتين في القرن الحادي والعشرين، الملف النووي الإيراني والحرب على سورية، وقد وصفت مصادر إعلامية وإيرانية متابعة لمجريات القمة التفاهمات التي صاغتها القمة والمعاهدات التي تمّ توقيعها في مجالات التنمية والسلاح والإنتاج النووي والحرب على الإرهاب والتنسيق السياسي والدبلوماسي والتبادل العلمي والاقتصادي، بما يجعل من الدولة العالمية الأولى التي باتت تمثلها روسيا منذ تموضعها الحاسم في الحرب في سورية، والدولة الإقليمية الأولى التي تمثلها إيران منذ إنجاز التفاهم على ملفها النووي، شريكان قادران على معالجة مشاكل الأمن والسياسة في المنطقة الأهمّ في العالم التي يمثلها الشرق الأوسط، بعدما احتكرت أميركا و«إسرائيل» مركزي الدولة العالمية الأهمّ والدولة الإقليمية الأولى وصانعي الحرب والسلام في الشرق الأوسط .
وفقاً للمصادر المتابعة ذاتها سيكون هناك تنسيق في الملفين العراقي واليمني، وتمّ التفاهم على التعاون في إدارة العلاقة بتركيا وإقامة قنوات تشاور مفتوحة في الملفات الساخنة خصوصاً الحرب على الإرهاب، والتقدّم بمبادرات مشتركة للتحالفات الدولية والإقليمية وللحلول السياسية للأزمات في المنطقة.
لبنان منشغل بالمذكرة التي وجّهها الرؤساء السابقون أمين الجميّل وميشال سليمان ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام للقمة العربية، والتي وصفها الوزير نهاد المشنوق بالخطيئة الوطنية، وأثارت استياء الأوساط السياسية واستغراب المراجع الدستورية. فالواضح أن لا مبرّر لتخطي التمثيل الرسمي للبنان في مخاطبة القمة إلا لغرض لا يخفيه الاختباء وراء كلام منمّق يقرأ بين سطوره بلا عناء السعي لإضعاف موقع رئيس الجمهورية ميشال عون، استكمالاً لما بدأه سفراء الدول الغربية بعد مواقف الرئيس المدافعة عن سلاح المقاومة وعن فكرة الحرب الاستباقية ضدّ الإرهاب في سورية، لتشهر بوجهها استعادة إعلان بعبدا والنأي بالنفس، والغمز من سلاح غير شرعي يقصد به المقاومة بوضوح، ما يعني إعلاناً صريحاً بالخروج عن معايير السيادة والدستور في الممارسة السياسية، لرؤساء سابقين، ما فتح ردود الأفعال بعد نهاية القمة العربية على الاحتمالات كلها، خصوصا مع المعلومات التي تشير إلى انّ الطلب السعودي الذي سوّقه الرئيس فؤاد السنيورة ووصلت إشاراته للرؤساء سليمان وميقاتي والجميّل للتجاوب مع مسعى السنيورة، جعل التوقيع على المذكرة رباعياً، ما جعل الرئيس السنيورة يكشف للسعوديين خشيته من وجود رؤساء سابقين أربعة آخرين هم الرئيس إميل لحود والرئيس حسين الحسيني والرئيس سليم الحص والرئيس تمام سلام، بحيث يستدعي طلب توقيع الرئيس سلام حتى يكون التوقيع معبّراً بجمع أغلبية الرؤساء السابقين، والرئيس سلام الذي عرض عليه السنيورة المشروع اشترط للتوقيع أن يطلب إليه الرئيس سعد الحريري ذلك، فكان التحرك السعودي على الحريري ليطلب، فطلب من سلام التوقيع بقوله إنّ المذكرة لا تؤثر سلباً على العلاقة بينه وبين العهد ولا تتخطى ثوابت ومبادئ عامة، فصار الأربعة خمسة بعدما أضيف إليهم الرئيس سلام.
المشنوق: الرسالة خطيئة وطنية
في حين تنطلق أعمال مؤتمر القمة العربية الثامنة والعشرين اليوم على ضفاف البحر الميت في الأردن وعلى جدول أعمالها 17 بنداً رفعها وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماعهم التحضيري أمس الأول، استبق عدد من الرؤساء السابقين موقف لبنان الرسمي في القمة من خلال رسالة موجّهة الى رئيس القمة، ما يشكل تجاوزاً واضحاً لرئيسَي الجمهورية والحكومة في توقيت ومضمون مشبوهين.
وتتضمّن الرسالة التي وقعها الرؤساء السابقون أمين الجميل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، «دعوة الى التزام لبنان الكامل باتفاق الطائف والانتماء والإجماع العربي وبقرارات الجامعة العربية والشرعية الدولية سيما القرار 1701 وإعلان بعبدا وعدم التدخل في الأزمة السورية وإدانة التدخلات الخارجية بالشؤون اللبنانية والعربية».
وردّ وزير الداخلية نهاد المشنوق في تصريح على الرسالة، معتبراً أن «رسالة الرؤساء الخمسة الى الأمانة العامة للجامعة العربية خطيئة وطنية لتجاوزها حدود الوطن»، بينما أشارت مصادر نيابية في كتلة المستقبل لـ «البناء» إلى أن تيار وكتلة المستقبل لا يتبنيان الرسالة والرئيس فؤاد السنيورة وقعها بصفة شخصية وكرئيس حكومة سابق وليس كرئيس كتلة المستقبل»، مشددة على أن موقف السنيورة والرؤساء الآخرين في الرسالة لم ينسق مع الرئيس الحريري الذي يلتزم بموقف لبنان الرسمي».
وتحمل بصمات سعودية
وقالت مصادر مطلعة لـ«البناء» إن «الرسالة خطوة من خارج السياق الرسمي للوقائع وهرطقة على مؤسسة الدولة في أول قمة عربية يحضرها رئيس جمهورية لبناني بعد شغور دام عامين ونصف العام وتجاوز على موقف لبنان الرسمي وتأتي في توقيت سياسي مريب ولإثارة عناوين إشكالية في الداخل اللبناني».
وتشير المصادر الى أن الرسالة تحمل بصمات وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان خلال زيارته الأخيرة الى لبنان وبصمة القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري، خلال جولته الأخيرة على عدد من القيادات. والأخطر، بحسب المصادر أن «يكون هدف الرسالة ضرب الموقف اللبناني الموحّد الذي يعبّر عن تضامن وطني مع لبنان وإبقاء العناوين الخلافية جانباً»، وتلفت الى أنّ «لقاء الرؤساء السابقين مشبوه في التوقيت واستبعد الرئيسين إميل لحود وسليم الحص ورؤساء المجلس النيابي السابقين كالرئيس حسين الحسيني ما يعطيها البعد المذهبي وليس الوطني». وترى أنّ «الأخطر أن تكون الرسالة متفَقٌ عليها مع السعوديين للبناء عليها لاحقاً بحسب مجريات القمة العربية».
وتضيف المصادر بأن «مؤسسة القمة فارغة، كما قراراتها، إزاء الأزمات في المنطقة العربية لا سيما الأزمة السورية وإبقاء العراق والجزائر خارج التأثير المباشر واستمرار تحييد الدور المصري على الساحة العربية. وبالتالي يمكن وصفها بأنها قمة مضبوطة على الإيقاع السعودي».
وكان الوفد اللبناني الذي يترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد وصل الى مطار الملكة علياء الدولي في عمان يرافقه رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري والوفد المرافق. وعقد الرئيسان عون والحريري لقاءً مع الملك الأردني عبدالله الثاني.
وتتناول أعمال القمة قضايا عربية سياسية واقتصادية واجتماعية في مقدّمها القضية الفلسطينية والنزاع في سورية ومواجهة خطر الإرهاب والتصدي للتدخلات في الشؤون العربية وكيفية تفعيل مبدأ العمل العربي المشترك وتتخلل جلسة الافتتاح كلمات للأمين العام للأمم المتحدة والممثلة الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني.
مقاربة أزمة النازحين خاطئة
وفي غضون ذلك، يتوجه رئيس الحكومة ووفد وزاري الى بلجيكا الأسبوع المقبل للمشاركة في مؤتمر بروكسل لأزمة النازحين، وذلك لعرض خطة لبنان لمواجهة أعباء النزوح السوري، وطلب الدعم الدولي لها. وكان لافتاً ما قاله الحريري أمس الأول بأن لبنان سيطالب في بروكسل المجتمع الدولي بمساعدة لبنان لتنفيذ «خطة للنهوض بالبنى التحتية والخدمات العامة تفيد المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين على حدٍ سواء من شأنها أن تزيد النمو الاقتصادي وتوجد فرص العمل وبخاصة للشباب».
وعلّقت مصادر وزارية سابقة معنية بملف النازحين على الخطة التي يتحدّث عنها الحريري بأن رؤية ومقاربة خاطئة لأكثر الملفات حساسية ودقة في لبنان وهو ملف النازحين السوريين، وأوضحت المصادر لـ«البناء» أنه «لا يجوز أن يكون التوجّه الحكومي في هذا الملف هو تحسين البنى التحتية على حساب مأساة النازحين السوريين، فلسنا بحاجة الى كل أموال العالم ومساعداته لإعادة النازحين الى بلادهم، إنما بحاجة الى مشروع مناطق آمنة على الحدود اللبنانية السورية بالتفاهم مع المجتمع الدولي والدولة السورية، أما الطروحات الأخرى فستؤدي بشكل أو بآخر وعاجلاً أم آجلاً الى توطين جزء كبير من السوريين في لبنان وسيكون ذلك على حساب وحدة سورية وأمن واستقرار لبنان»، وتلفت الى أن «تدفق أعداد النازحين من سورية الى دول المنطقة، لم يعد حركة نزوح، بل تبادل سكاني في إطار اتفاق دولي لإعادة النظر بكيانات دول المشرق العربي». ودعت المصادر الحكومة الى «طرح ملف النازحين كأولوية قصوى في مؤتمر القمة العربية وطلب دعم وصمود لبنان ودعم اقتصاده المتدهور بسبب حروب العرب في المنطقة وليس حروبه».
واستبعدت المصادر أن يلاقي المجتمع العربي مطالب لبنان في الوقت الحاضر لأسباب عدة منها سياسية واقتصادية وأمنية، كما ودعت المصادر أن «يطالب لبنان العرب في القمة بإنشاء صندوق عربي لمساعدة النازحين في دول النزوح بالتنسيق مع حكومات هذه الدول»، وشددت على أنه «لا حل لأزمة النازحين إلا بالتنسيق مع الحكومة السورية بمعزل عن شكل التنسيق أكان أمنياً أم رسمياً سياسياً».
وأضافت المصادر الى أن «التعاطي الدولي مع الحكومة اللبنانية مع ملف النازحين، لم يكن جيداً ولا يصب في مصلحة لبنان وإعادة النازحين الى بلادهم بل لمصالح بعض الدول المؤثرة في الاقليم والعالم بهدف إبقاء النازحين ورقة ضغط سياسية وأمنية واجتماعية على لبنان والحكومة»، وحذرت من «مخاطر استمرار النازحين في لبنان لمدة طويلة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي مع تضاؤل فرص العمل للبنانيين».
الحكومة أقرّت خطة الكهرباء
وحضرت القمة العربية على طاولة مجلس الوزراء أمس، الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية في بعبدا، فأكد عون أن «كلمته ستكون رسالة سلام باسم لبنان واللبنانيين، وسيدعو الى إعادة تطبيق ميثاق الجامعة العربية، المرجعية الأفضل لتوحيد الرؤى العربية».
وأكد الرئيس الحريري من جهته في دردشة مع الإعلاميين قبل وصوله الى عمان أن «التفاهم الداخلي بين اللبنانيين سينعكس قريباً على قانون الانتخابات وقريباً جداً سننتهي من هذا الموضوع». وأشار الى أن «سلسلة الرتب والرواتب ستقرّ ولو بعد حين وأنه مقتنع بوجوب بقاء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في موقعه، لأنه يشكّل ضمانة لاستقرار الليرة».
وفي سياق ذلك، قالت أوساط مطلعة لـ«البناء» إن «صعوبة المرحلة التي يمر بها لبنان والعقوبات المالية الأميركية على لبنان والوضع الاقتصادي، قد تجعل التمديد لحاكم المصرف المركزي الحالي لولاية خامسة، أمراً منطقياً ومبرراً للخبرة التي راكمها على مدى سنوات طويلة جعلته في موقع يملك مفاتيح الحد من المخاطر المالية التي تواجه لبنان بما يضمن الاستقرار المالي والنقدي».
وأقرّ مجلس الوزراء وبالإجماع الخطة الإنقاذية للكهرباء التي أعدها وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل وكلّفه اتخاذ الإجراءات اللازمة وفقاً للقوانين والإنظمة واستدراج العروض وإجراء المناقصات اللازمة وعرض مراحلها كافة تباعاً على مجلس الوزراء وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء. وفي انتظار أن يشرح أبي خليل تفاصيل الخطة في مؤتمره الصحافي الأسبوع المقبل، يتولى وزير المال علي حسن خليل شرح تفاصيل الموازنة في مؤتمر يعقده بعد الخميس بحضور رئيس الحكومة.