سلمان زين الدين… العابر إلينا على متن القلب والشعر

سليمان بختي

عرفتُ الشاعر الصديق سلمان زين الدين قبل أن أعرفه. عرفته عن طريق الكلمة، كلمة الأدب والنقد. وتزاملنا ردحاً في صفحة «النهار» الثقافية الرائدة، وكانت في عهدة شاعر كبير هو شوقي أبي شقرا. ومنذ ذلك الوقت وهو يسوق لنا أدباً رفعت عنه الحجب والأقنعة والمرايا.

أصدر سلمان زين الدين عدداً من المؤلفات في الأدب والنقد، منها «القناديل والريح» 1997 و2009 ، «زاد الطريق» شعر 2002 ، ثمّ «أقواس قزح» 2012 ، و«ضمائر منفصلة» 2015 ـ جائزة سعيد عقل للشعر و«دروب» جائزة سعيد فياض للابداع الشعري وغيرها من الأعمال النقدية للرواية العربية. وأعماله تتنفّس كأنها كائنات من الحياة بما يجعلك ذاهلاً أمام هذا البناء المتين. استطاع سلمان زين الدين أن يشقّ الدورب في الوعر الذي يعصى ويزرع شجرته. وعبَر إلينا على متن القلب والشعر.

ماذا يريد ذلك القادم من راشيا من الشعر؟ يريد أن يعرف ماذا خلف الزمان العتيق؟ مصير الماء؟ ذاكرة الغيم؟ فراق الإنسان؟ سرّ الغياب والحضور؟ أسئلة الأين والآن والهناك والقدر؟ يريد أن يجعل من صوته دروباً للصدى الأخضر. يريد أن يكافح ضدّ الزمن بالحنين بالقصيدة ولا يحدّه انفعال بل تدفّق عارم في رفد نهر الشعر في جريانه الأبدي.

كتب غير مرّة «وآراني تقمّصت القصيدة/ ولم يعد يشغلني همّ الزمن».

ذات مرّة سأل الشاعر محمود درويش الشاعر سليم بركات: ما مصادر لغتك؟ ما مصادر خيالك؟ والسؤال موصول إلى سلمان زين الدين. في ظنّي أنه لملم الحكمة من تخوم التأمل، وقطف الكلمات من صور الطبيعة، وتأمّل طويلاً في آثار الأسلاف. يعرف كيف يطوف في الوجودية الغنائية ومطارح الوطن وتأملات الروح ثم يطيّبها من نداوة اللغة وسحر البيان، ويعطيها من نسيج نفسه من دون أن يأخذ من أحد.

أنا أحبّ شعر سلمان زين الدين وأحبّ لغته والينابيع التي استقى منها شعره لتصبح قصائده مضمّخة بكلّ هذا الشجن الغنائيّ الوجوديّ، وكل ذاك الأفق الصوفيّ. حتى يصحّ فيه ما قال أبو العتاهية: «قليل الحروف كثير القطوف بليغ الأثر».

وبعد، دقيق سلمان زين الدين عارف بنقاط القوة والضعف ويؤثر العمل تحقيقاً للكمال. ولا يترك القصيدة قبل أن يؤمن الخطوط ولوحة الغلاف ولونه ورسوم الداخل متعاوناً مع رسامين كبار مثل أمين الباشا وحسن جوني وجميل ملاعب.

دقيق سلمان زين الدين،

وإذا رقّ بات عليلاً من الرقة

وإذا رقّ فضحته ريشته،

وإذا قسا عاتبه الوجدان،

وإذا سما صاحبته الروح،

وإذا استنزفه غيث همى الصحو من كلّ وارف.

في مجموعات سلمان زين الدين الشعرية ماء كثير وصحو كثيف ولون شفّاف. وفيها ما نبحث عنه دائماً: الشعر الذي هو قنديل الأبد، مفتاح الزمن، ووعد الفنّ للروح.

من يكتب القصيدة ـ يقول الشاعر الفرنسي رينه شار ـ يسكن البرق ويغدو قلب الأبدية. لا أجنحة لنا كي نرتفع، إنّما لنا قصائد نسمو بها صوب القمم. لنا معك بعض البرق وأجنحة، فلا تتأخر أبداً.

كاتب وناشر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى