استفتاء 16 نيسان يحدّد مصير تركيا
د. هدى رزق
فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاستفتاء بنسبة 51 في المئة في التعديلات الدستورية التي ستقود الى اعتماد النظام الرئاسي عوضاً عن البرلماني الذي تعيش تركيا في ظله اليوم، مع العلم أن أردوغان ومنذ 2014 أي منذ اصبح رئيس الجمهورية لم يلتزم بالدستور التركي بل مارس النظام الرئاسي قبل إقراره. بعض مراكز الاستطلاعات كانت قد توصلت لنتائج تفيد بأنّ الموافقة ستحوز على 52 في المئة من أصوات المؤيدين أما معارضة الدستور فستكون 48 في المئة.
بالرغم من كلّ الجهود والإمكانات التي استنفدها الرئيس التركي حيث سخر كلّ الوسائل الإعلامية التي يملكها وتلك التي تقع تحت سلطة الدولة وجميعها تقدر بـ90 في المئة من مجمل الإعلام في تركيا لم تكن النتيجة مرضية بالنسبة الى حزب العدالة والتنمية ولا طبعاً بالنسبة الى الرئيس التركي مع العلم انه في ظلّ قانون الطوارئ تمّ إغلاق جميع وسائل الإعلام التابعة لمعارضيه من اليساريين والقنوات التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي، كذلك تلك المملوكة من جماعة الخدمة ايّ جماعة محمد فتح الله غولن. فهو بعد الانقلاب العسكري في 15 تموز 2016، في ظل قانون الطوارئ تخلص من أكثر من 100 الف موظف حكومي من اساتذة جامعيين وآخرين من المدارس والكليات ومن عسكر وشرطة وقضاة بحجة أنهم من جماعة غولن الذي يتهمه بالتخطيط لهذا الانقلاب، كذلك سجن زعيم حزب الشعوب الديمقراطي مع اكثر من 10 نواب بعد رفع الحصانة عنهم واتهمهم بالعمل لصالح حزب العمال الكردستاني. كذلك سجن عدداً كبيراً من اليسار المتطرّف تحت شعارات مختلفة منها الارهاب والفوضى. كما أنّ سجن الصحافيين بحجة الترويج للإرهاب او التجسّس أو الانتماء الى جماعة غولن أصبح خبزاً يومياً للكتاب والصحافيين الأتراك. أما القضاء فهو بمعظمه تحت سلطة الحكومة وسيصبح مع تغيير الدستور كلياً تحت سلطة الرئيس الذي استقطب الى جانبه رئيس حزب الحركة القومية باهشتلي مع أنّ هذا الحزب شهد معارضة من داخله وعمل رئيسه على طرد القائمين به. لم يتبقّ في المعارضة العلنية سوى صوت حزب الشعب الجمهوري الذي لم يعط حقوقاً إعلامية في حدودها الدنيا يمكنها منافسة إعلام السلطة كذلك جرى الاعتداء أكثر من مرة وفي مناطق عدة على مراكز حملته. كما أنه تمّ تسخير جميع المساجد التي تخضع في معظمها لسلطة الهيئة الدينية الرسمية في تركيا التي تقوم بتدريب ودفع رواتب الأئمة، وتغطي نفقات المساجد. إذ يتعيّن في المقابل، على الأئمة الذين هم موظفون حكوميون، ويعملون حالياً تحت إمرة مكتب رئيس الوزراء داخل تركيا وخارجها اتباع إرشادات حكومية صارمة في خطبهم. فحثّ الأئمة المؤمنين على التصويت «بنعم»، للتعديلات الدستورية وكانوا يخشون من المختارين الذين ينتمون الى العدالة والتنمية إن لم يقوموا بذلك، لأنه كان يمكن وصف أولئك الذين لا يؤيدون جهود الاستفتاء بأنهم من حركة موالية لغولن ومعاقبتهم. كما أنّ الحكومة قدّمت المكافآت لبعض الأئمة الذين يقدمون الخدمات اللازمة ومع ظهور المساجد البديلة التي سمحت الحكومة بفتحها والمعروفة باسم المساجد في الشوارع أصبحت هذه المساجد أكثر نشاطاً وشعبية من المساجد التقليدية ويشعر الأئمة المحليون بالقلق من فقدان التجمّعات في المساجد التقليدية.
توفّر المساجد المرتبطة بالحكومة في كلّ بلدة صغيرة قوة لا مثيل لها للحكومة. لكن في المدن الكبرى تفقد بعض الأرض لمنافسيها. يدرك أردوغان ذلك، لذلك تم توزيع صورة أردوغان وهو يدرّس القرآن لحفيده، وقيل إنها أخذت في ليلة محاولة الانقلاب 15 تموز، حيث عُرضت على جميع وسائل الإعلام.
شدّد حزب العدالة والتنمية قبضته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وشهدت تركيا في الآونة الأخيرة نمو المنظمات غير الحكومية التي تقودها عائلة أردوغان، كما أغلقت المئات من المنظمات غير الحكومية، بموجب قانون الطوارئ منذ آب 2016، جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام العلوية والشيعية، في حين أنّ المنظمات التي وافق عليها الرئيس تعمل وتزدهر.
احتلّ أردوغان الشاشات لساعات طويلة بعد أن قاد حملة تعديل الدستور بنفسه، كذلك فعل رئيس الحكومة ووزراؤه، حيث حجبت معظم الأقنية التلفزيونية الخاصة برامجها من أجل نقل وقائع المهرجانات التي أقامتها الحكومة. كيلت التّهم لزعيم حزب الشعب الجمهوري بالتواصل مع الانقلابيين وهو أسلوب حاول من خلاله أردوغان اتهام المعارضة بالمشاركة بالانقلاب من أجل تخويف الذين سيصوتون بـ«لا» على التعديلات، لكن الأمر لم يردعهم.
كان أردوغان يخشى من مفاجأة داخل حزبه لا سيما أنّ الرئيس عبدالله غول رفض المشاركة بالترويج للاستفتاء في منطقة نفوذه في قيصري الى جانب أردوغان، كذلك كان يخشى من بعض مَن هم من داخل الحزب موالين لفتح الله غولن من دون الإعلان عن هوياتهم السياسية الحقيقية، ويبدو أنه أدرك مع هذه النتيجة انّ الخلل الرئيسي هو من داخل حزبه مع أنه تحالف مع الحركة القومية فلم يحصل على أصواتهم كلها، لأنّ الانقسام حول الدستور كان سائداً داخل هذا الحزب ايضاً. لم تصوّت له المدن الكبرى حتى اسطنبول معقل حزب العدالة والتنمية لم تعط أردوغان أكثر من 51 بالمئة ازمير، انقرة ودياربكر صوّتت ضدّ تعديل الدستور.
حصل ما توقعته مراكز الأبحاث. تمخّضت النتيجة عن فرق ضئيل في الأصوات فنالت «نعم» هامشاً صغيراً، سيمضي أردوغان وحزب العدالة والتنمية، كما هو مخطط لتغيير النظام الإداري التركي إلى نظام رئاسي مع أنّ تغيير الدستور، يتطلّب تأييد أغلبية كبيرة من المجتمع، لذلك لن يتمكن الرئيس ومساعدوه مواصلة حكم البلاد بثقة كاملة. وهذا النقص في الثقة قد يُجبر أردوغان على الحكم بقبضة حديدية، الأمر الذي يمكن أن يُحرم المجتمع من جوّ هادئ ومستقرّ وحرّ.
وقد يختار الديمقراطيون في تركيا، الذين عانوا من انتكاسات على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية، أن يُظهروا معارضة أكثر حزماً. وهذا بدوره يمكن أن يلقى مقاومة من الحكومة، مما يحافظ على التوتر في المجتمع. ستدخل التجربة الديمقراطية في تركيا، مرحلة جديدة من التحديات. والعمل من أجل الإصلاحات الديمقراطية ستصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى.