فلسطين.. خطوط الروح
نظام مارديني
ونحن نواكب اليوم الرابع لـ «إضراب الكرامة» الذي يقوم به أسرانا في سجون الاحتلال الصهيوني، باعتباره نموذجاً لأول وأهم سلاح استخدم على أرض فلسطين، لا تغيب متابعتنا الإجراءات العقابية التي يمارسها هذا الاحتلال بحقهم، وها هو وزير دفاع الكيان الصهيوني أفيغدور ليبرمان يتماهى مع رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي وصف الأسرى بـ «القتلة والإرهابيين»، حيث دعا ليبرمان إلى استحضار وصفة مارغريت تاتشر بتعاملها مع الإيرلنديين حين قررت رئيسة الحكومة البريطانية السابقة، انتهاج معاملة قاسية إزاء إضرابهم في بداية الثمانينيات، فماتوا جوعاً نتيجة ذلك.
لا شك في أن «الحركة الأسيرة» خاضت إضرابات عدة، حتى قبل تكوين جسمها الاعتقالي وقبل بروز ظاهرة التنظيمات والأطر النضالية داخل السجون أيضاً، ولعلّنا نذكر إضراب سجن الرملة في شباط 1969، وإضراب معتقل كفار يونا أيضاً، في شباط من العام نفسه، وإضراب الأسيرات الفلسطينيات في سجن نفي ترتسا في نيسان 1970، وأيضًا إضراب سجن عسقلان في تموز 1970، ارتقى فيه المعتقل «عبد القادر أبو الفحم» شهيدًا، وإضراب المعتقلين في سجن عسقلان عام 1971.
الآن، ماذا يفعل أسيرُكِ يا فلسطين في عصر الحرية المؤمنة بصحة القضية؟ هل يقف أمام مرآته مستسلماً، يعرف، أنه لن يبقى من وجهه سوى خطوط الروح أمام عالمه المليء بصوتِ الرصاص؟
ثمة أسير ما زلنا ننتظره، نتذكّره حينما يقبل على مرآته مبتسماً، حينها تطل شارة نصر من وجهه في ذرى عمره، أتراه مثلنا يا تُرى يضحك، يفرح، يغنّي ويرقص ويرفع الكأس عالياً لعزكِ يا فلسطين؟
أشجار البرتقال موغلة في الذاكرة.. ها هو الأسير يتفيـّأ ظلّها ويشمّ رائحة ورقها وهي تصطفّ على جانبي طريق يافا، ويرنّم للأخوين رحباني:
«عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
وتمسح الحزن عن المساجد
يعرف أن الكثير من الوجوه قد تكون اندثرت وحلّ محلها جيل جديد حامل حجراً أو سكيناً ويترقّب، وأشياء أخرى تشبه طفولته وأولّ حب وآخره.. ووجوه أخرى لم تعُد تشبه نفسها إلا بالاسم وقد اضمحلّ فيها الفعل المضارع وبقي الماضي على حاله برغم شوائب الذكرى.
يتلمّس الأسير ظلم اليوم باحثاً عن حماسة الأمس فلا يجد أمامه إلا عالماً إنسانياً خالياً من القوانين الإنسانية.. عالماً لا يشبه تربة أرضه التي يحاولون تغييبها، لكي لا تعود حتى في أقصى أقاصي الحلم فلسطينه..
يجرّ نسخة الاحتلال ويضعها تحت قدميه وهو يحاول النوم ليتشبّث بحلم من عَبَق البرتقال.. يحاول أن يتوازن بخطواته وهو يسير على درب الدقائق.. فيقطع الساعات مترقّباً أو حاضراً أو منفعلاً أو صارخاً بأنه العين التي تقاوم المخرز.
يقف الأسير وحيداً ولسان حاله يقول: شكراً لفلسطين التي جعلتني أفهم قيمة إيماني بقضيتي وهويتي.. شكراً لبرتقالها الذي منحني السكينة بعض الوقت وشكراً لغدر بعض الأعراب الذين جعلني أعرف قيمة قضيتي أكثر.
شكراً، لكل نضالي وأسري فقد صرتُ بهما علماً.. بل بيرقاً لكل مناضل حرّ في العالم.
نقول مع محمود درويش: «ما أكبر الأرض !
ما أصغر الجرح..» يا فلسطين!