أميركا وصلت متأخرة…
نور الدين الجمال
ما زال خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة موضع تحليلات وتعليقات، فمصادر دبلوماسية عربية وصفت الخطاب بأنه عملية استعراضية إلى درجة أن بعض حلفائه انتقدوا مضمون ذلك الخطاب، لأنه في الأساس يفتقر إلى استراتيجية واضحة، خصوصاً أن الإدارة الأميركية وصلت متأخرة إلى مشروع مكافحة الإرهاب والدليل الصارخ هو ما حصل في موضوع أربيل شمال العراق، فلولا التدخل الإيراني المباشر من خلال الدعم العسكري والاستخباراتي لكانت أربيل سقطت بيد تنظيم «داعش» الإرهابي وكذلك بغداد، ويكفي أن يقول الملك الأردني إن الولايات المتحدة الأميركية تأخرت في مكافحة الإرهاب وضربه في العراق على الأقل.
واعتبرت المصادر الدبلوماسية أن الخلاف الذي حصل حول كيفية توجيه ضربات إلى «داعش» من خلال الغارات الجوية فقط أم أن القضاء على هذا التنظيم يحتاج إلى ضربات جوية وقوات على الأرض، وأنه لا يكفي أن يتم ذلك في العراق فحسب بل أن ينسحب على سورية لأنه من دون اللجوء إلى هذه الخطوة فكل هذه العملية الاستعراضية لن تعطي النتائج المرجوة في مكافحة «داعش» وهزيمته مع باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى الموجودة على الأرض العراقية والسورية.
وكشفت المصادر الدبلوماسية عن وجود مجموعة من الصيغ لمواجهة الإرهاب والمجموعات المسلحة والإرهابية والتكفيرية على أنواعها، وقيام تحالف دولي بغطاء الأمم المتحدة وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لهذه الغاية، وهذه الصيغة طرحت من قبل الحكومة السورية وإيران وروسيا. لكن يبدو أن الإدارة الأميركية أصبحت محرجة في رفض مثل هذه الصيغة، ومن هنا نشأت فكرة قيام تحالف آخر غير الذي أعلن عنه الرئيس أوباما وبقيادة الولايات المتحدة، وهو يضم روسيا وإيران والصين وسورية ودول «البريكس» لأن الأميركي جوهر موقفه من محاربة الإرهاب هو أن يقتصر على العراق في حين أن الصيغة المطروحة تقضي بمحاربة الإرهاب و«داعش» وكل التنظيمات الإرهابية في العراق وسورية وحتى في بلدان أخرى تعاني من هذا الإرهاب.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن لدى تركيا مشروعاً واضحاً وهو ضرب الأكراد، ومن هنا حصلت صفقة الإفراج عن الدبلوماسيين الأتراك بين الحكومة التركية وتنظيم «داعش» على قاعدة المساعدة والإفساح في المجال أمام «داعش» للانقضاض على القرى الكردية في سورية المحاذية للحدود التركية وعلى وجه الخصوص مدينة «عين عرب» التي ما زالت صامدة في وجه آلاف المقاتلين الإرهابيين من «داعش». وإن بعض المعلومات المسربة بأن السيطرة على «عين عرب» ليست بالأمر السهل، خصوصاً مع الدعم الذي تقدمه الدولة الوطنية السورية للمقاتلين الأكراد الذين يواجهون ويتصدون للتنظيم الإرهابي «داعش».
وأوضحت المصادر الدبلوماسية، أن العراق يعلب دور الوسيط بين الإدارة الأميركية والحكومة السورية بخصوص الضربات الجوية للإرهابيين في بعض المحافظات السورية وذلك من خلال الرسائل التي نقلت إلى القيادة السورية عبر مستشار الأمن الوطني العراقي الذي التقى الرئيس بشار الأسد مرتين خلال أسبوع، إضافة إلى حصول أمر مهم على هذا الصعيد وهو قيام وفد أسترالي بزيارة دمشق في فترة ما قبل زيارة المسؤول العراقي ومثل هذه الزيارة للوفد الأسترالي لم تكن لتحصل لولا موافقة الإدارة الأميركية، خصوصاً أن استراليا حاولت منذ بضعة أشهر إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، لكنها تراجعت عن هذه الخطوة بعد الضغوط الأميركية عليها.
وتقول المصادر إن سورية تنسق بصورة شاملة ومستمرة مع كل من روسيا وإيران في كل الخطوات السياسية منها والعسكرية والاقتصادية. وسورية في نهاية الأمر ليست ضد ضرب «داعش» على أرضها ولكن ضمن مبادئ القانون الدولي، وأن يحصل مثل هذا الأمر بالشكل الذي يحفظ لها كرامتها وسيادتها، وأن تكون على اطلاع دائم على سير العمليات الجوية وبالتنسيق معها لكي لا تحصل خسائر في صفوف المدنيين السوريين. ومن هنا جاء الموقف الأميركي باطلاع الحكومة السورية على أنه سيضرب في بعض المناطق الحدودية مع العراق وتحديداً المنطقة الشرقية، وذلك من خلال مندوب سورية في الأمم المتحدة بشار الجعفري وعبر العراق، إضافة إلى التطمينات الأميركية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدم تعرض الغارات الجوية للجيش العربي السوري وقواعده كما أبلغت القيادة السورية عن الممرات الجوية للطائرات التي ستقصف مقرات ومواقع «داعش».