الديمقراطية جزء من المشكلة وليست الحل
د. لور أبي خليل
يعتقد معظم المدارس الفكرية أن الديمقراطية هي الحل الأسلم والطريقة المثلى لممارسة السلطة، لأن كل مواطن له الحق في مراقبة عمل السلطة. إذاً فالديمقراطية لا تقتصر على شكل نظام الحكم، إنما تتعدّى نطاق المؤسسات الدستورية وتدخل مباشرة في صلب العلاقات بين الأفراد والجماعات. فهي شكل لنظام الحكم ويرتبط تعريفها بمعرفة باسم مَن، وبمَن، ومن أجل مَن تمارس السلطة.
فتطرح عندئذ الإشكالية التالية ما الذي يحصل في النظام الديمقراطي في لبنان؟
لم يكن الالتباس في لبنان بين القانونية والشرعية، لأن القانونية تنطلق من القانون أما الشرعية فتنطلق من الناس، وتعني قبول المواطنين بسلطة الحاكم وحكمه. فمبدأ الديمقراطية هو أن الشعب مصدر السلطات. فمن الناحية القانونية، جاءت في مقدمة الدستور اللبناني عبارة «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه». وهذا ما يؤكد إرساء مبدأ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في دستوره. أما من الناحية الشرعية، فالديمقراطية على علاقة أيضاً في الحقل الاقتصادي والسياسي، إذ يفترض بنا في لبنان أن ننطلق من نظام ديمقراطي متعدد الاحزاب مبني على مبدأ التنافس ضمن معايير وبرامج خاصة بمبادئ الحزب وأهدافه، لأن البرامج تحدد موقف الحزب ومعظم القضايا المجتمعية والخطط التي سوف يقوم الحزب بتنفيذها في حال وصوله الى السلطة، فيحاول الحزب أن يسوّق لنفسه من خلال برنامجه الحزبي الذي يفترض من خلاله ان يجتذب أكبر عدد من أصوات الناخبين. وهنا يصبح الحزب الذي يفوز في الانتخابات النيابية هو الحزب الحاكم لأنه يكون مفوضاً من الشعب بتنفيذ برنامجه، وبذلك يتحوّل البرنامج من مجرد مشروع إلى سياسة عامة.
اعتبر الباحث إيليا حريق أن الديمقراطية جزء من المشكلة وليست الحل. فالديمقراطية في لبنان غالباً ما تدعم أصحاب الثروات أو العائلات السياسية في معاركهم الانتخابية المكلفة جداً فلا يستطيع العامل أو المثقف أن يقوم بحملة انتخابية. فيصل دائماً الى السلطة أشخاص لا يملكون أي برنامج إنمائي وليس لديهم أي فكرة عن رسم السياسات العامة والتنمية المستدامة. فهم أشخاص يملكون التوريث السياسي والمالي يسعون للمحافظة على مكتسباتهم وعلى ثرواتهم. إذاً، فالديمقراطية تعمل على إيصال من يملك المال والنفوذ، وليس بالضرورة مَن يعمل على التغيير. أما الفريضة القائلة في الأنظمة الديمقراطية أن الفائز في الانتخابات يمثل الأمة لا ناخبيه هو تعويض عن تعذّر العمل بمبدأ الإرادة العامة أو الأكثرية المطلقة، فنظرية الإرادة العامة تقتضي ممن يتسلّم السلطة التشريعية أن يمثل جميع المواطنين موجّهاً نظره الى القضايا القومية لا المحلية. وهذه خرافة في لبنان تساعد على إسباغ الشرعية المنقوصة على اهل الحكم. وكما قال إيليا حريق إن في لبنان يعيش المواطنون الحضارة والديمقراطية مع أن الأدبيات الديمقراطية في اللغة العربية قليلة جداً. فلبنان يعتمد الديموقراطية التوافقية التي تقوم على مبدأ تشاطر السلطة بين المجموعات الطائفية على اختلافها، بحسب اتفاق الطائف واتفاق الدوحة. إذ أفرز النظام اللبناني، مفهوماً جديداً هو الديمقراطية التوافقية التي تقودنا إليها طبيعة الدستور اللبناني الذي صنّف بعد الطائف بالنظام البرلماني في الفقرة ج من مقدمة الدستور «لبنان جمهورية ديمقراطية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز او تفضيل»، إذ إن الحكومة هي المسؤولة أمام البرلمان مادة 66 و37 .
فالديمقراطية التوافقية تعني التوافق بين أقطاب الطوائف. فأتت النتيجة دائماً على الشكل التالي تقوم هذه الفكرة في الممارسة على اقتراح نظام ينتج حكومات ائتلافية تتمتع فيها الأقلية الحكومية بحق النقض، ويتمّ توزيع المواقع الإدارية فيه وفقاً للانتماء الاثني او الطائفي او المذهبي. وتمارس مكوناته هذه حرية نسبية في إدارة شؤون تصنف أنها تخصها حصراً. تبرر التوافقية في الممارسة نشوء كارتل نُخب يكون مستقلاً عن الجمهور ويحلّ محله في صوغ توافقات فوقية، يفترض أنها تحقق الاستقرار أما في الواقع فأنتجت بؤراً طائفية جاهزة في اية اشارة خارجية الى البدء في حرب أهلية لا نعرف عقباها. إذاً، غن جوهر الفكرة التوافقية تقوم على الفرز العمودي داخل كل مجتمع على قاعدة الانتماء الطائفي او المذهبي، بحيث يكون التمثيل السياسي فيه حصراً على هذه القاعدة. لذا صنّف نظام لبنان في خانة الأنظمة التوافقية، وأن المشكلة ليست في النظام، وإنما في التدخلات الخارجية التي عرفها لبنان. ثبت اتفاق الطائف التوزيع السابق للتمثيل السياسي على أساس طائفي واعتمد القاعدة نفسها لتنسيب العاملين في الإدارة العامة. بتعبير آخر استعاد قاعدة التمثيل التي جاء بها الدستور العام 1926، لكنها معدلة، فأتاح للايديولوجية التوافقية إعادة إنتاج نظام سياسي شبيه لما قبل الحرب وأعطى شرعية رسمية دستورية للنخب التي جاءت بعد الحرب. لذا فمفهوم الحرية والمساوة والعدالة الاجتماعية التي هي اعمدة الديمقراطية لا يتم تطبيقهم في لبنان، بالرغم من ان نظامه ديمقراطي الا انه في الواقع يشبه الانظمة التسلطية التي كانت سيئة في التنمية الاقتصادية، وفي الدفاع عن الوطن، وفي السير نحو تحقيق المساواة بين المواطنين، والتي عُرفت بأنظمة لا تعمل من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وهنا أطرح سؤالاً لصناع القرار في لبنان:
هل ستأتي حكومة تبدأ بإرساء ركائز المجتمع المدني حقاً؟
دكتورة في العلوم السياسية والإدارية
باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد