أولى نتائج زيارة ترامب: خلاف تميم بن حمد ومحمد بن سلمان
روزانا رمّال
بالنظر للزيارات الخارجية الرسمية التي غالباً ما يتطلع اليها كل رؤساء الدول حديثي العهد أو «الولاية»، فإن التعاطي مع أهدافها يبقى مغايراً عما هو عليه بحالة رؤساء مضى على تجربتهم وقت يسير في السلطة تكفل بصقل مراحل قيادة الدولة، حيث تبدو الزيارات هذه على شكل تبادل للعلاقات المشتركة مع مساعٍ لتعزيزها وتعميقها بقواعد متينة، فكيف بالحال مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحديث العهد، القادم من خلفية عملاقة من المال والأعمال وعالم الشهرة الأقرب للاستعراض والإبهار منه الى حياة الاتزان والعمق، من دون ان يحظى بما يؤهله إثبات قدرته على إدارة الولايات المتحدة سياسياً بالنسبة للخصوم؟
وعلى أن هدف كل رئيس دولة حصد «الإنجاز» من زياراته الخارجية لتجييرها محلياً، فإن أحوج ما يكون اليها في هذه الأثناء هو الرئيس ترامب بالذات الذي يواجه مخاطر العزل في البيت الابيض على ما اعلنت شبكة «سي أن أن» الأميركية، ولا يزال يقع تحت رحمة التهديدات والملفات التي فتحت نيرانها على تاريخ علاقته بروسيا في مرحلة الانتخابات ودعمه كمرشح كما بات معروفاً، وجرت سلسلة الإقالات من إداراته على هذا الأساس.
نظر العرب لمسألة زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية واختياره إياها على أنه تكريم واعتراف بدورها الكبير في المنطقة. وهي بدورها تعاطت معه على هذا الأساس بين ترحيب وحشد رئاسي كبير لاستقباله، لكن الأهم كان ما تم تسريبه عبر صحف أميركية كـ»الواشنطن بوست» قبل الزيارة وتناول شروع واشنطن بالتنسيق مع السعودية لتشكيل حلف عربي عسكري على غرار حلف «الناتو»، ضمن جدول اعمال زيارة ترامب والذي عزز من هذه الفرضية الحشود المجتمعة على الحدود السورية الأردنية «بريطانية وأردنية وسعودية» تراوح حراكها بين التدريب والمناورات وبين حديث عن انتظار ساعة صفر للانطلاق أميركياً.
عملياً، لم يتمّ الإعلان عن أي حلف عسكري في بيان قمة الرياض كبند رسمي، كما كان مفترضاً ولم يتغير شيء من المواقف الأميركية باتجاه تزخيم او تبريد العلاقة بين كل من السعودية وإيران. فبقي النموذج الأميركي المعهود من المواجهة مع إيران سيد الموقف مع فارق تصنيفها داعمة للإرهاب وتبرئة السعودية منه .
كإنجاز محلي أميركياً يسعى اليه ترامب لتحقيق صفقة تاريخية بين الرياض وواشنطن. وهو لم يعد فارغ اليدين بل عاد وجيبه مليئة بما يمكنه ان يقدمه لشعبه كرئيس «ثقة» ومؤتمن على مصير الأميركيين قادر على رسم مخططات اقتصادية وفتح أسواق وفرص عمل كبرى بين البلدين. لكن الإنجاز الأبرز له كما بدت الصورة خلاف خليجي خليجي واضح المعالم وقع بين السعودية وقطر.
الحديث عن خلاف مردّه خرق لموقع رسمي قطري لا يمكن اعتباره ذا قيمة سياسية في أوقات دقيقة من عمر المنطقة. واذا كان هذا الخرق وارداً، فإن مسألة تداركه او لملمته أفيد لصورة مجلس التعاون الخليجي وأوفى للحرص على هذه الصورة ما يستدعي استفساراً سعودياً مباشراً حول ما جرى مع امير قطر الذي نفى مراراً ما قيل حول نقضه ما صدر عن القمة ولا يستدعي فتح حرب إعلامية مباشرة ضمن البيت الواحد.
فتحت قناتا الجزيرة – المملوكة من الأمير تميم – والعربية – المملوكة من الأمير محمد بن سلمان – منابرهما للتصويب على قيادتي الدولتين مع حرب صحف سعودية مؤازرة بهجوم غير مسبوق على أمير قطر واعتبارها مصدر زعزعة أمن الخليج.
القرار السعودي الواضح المعالم يقع ضمن دائرة القلق من الدور القطري. فالدوحة تشكل للرياض مساحة غير آمنة ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. فهي في وقت تحتضن حركة حماس الفلسطينية، تفتح قنوات اتصال مع حزب الله في ما يخصّ تبادل الأسرى لدى مجموعات مسلّحة تدعمها من جهة، ولدى الجهة اللبنانية من جهة أخرى ومع النظام السوري ايضاً، حيث أسست لسلسلة صفقات تبادل ومصالحات ناجحة تُضاف اليها العلاقة الجيدة والمنتجة بإيران.
الدور المقلق لقطر استدعى موقفاً سعودياً واضحاً بإعلان الخلاف وحرب المواقف على الإمارة التي يرأسها الامير الشاب تميم بن حمد آل خليفة، وعلى ما يبدو فإن الامير السعودي الشاب أيضاً محمد بن سلمان على خلاف واضح مع أمير قطر، وعلى استعداد كامل لقيادة الخلاف مع قطر بكل أشكاله والرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي حصد الجوائز المالية من السعوديين أعطاهم الضوء الأخضر لقيادة مخطط محمد بن سلمان المباشر ضد قطر، ومن خلفه تركيا التي تشتبك مع واشنطن في مسألة الأكراد وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام القطري في سورية. قطر وتركيا تعتبران الأكثر قرباً لقبول مشروع مفاوضات سياسية ناجحة بقيادة روسيا، كان آخرها مؤتمر استانة الذي يحظى بموافقة ودعم تركيين.
الخلاف السعودي – القطري الحالي ليس سوى ترجمة للنزاعات نفسها على الأرض، ضمن جبهات قتال المجموعات المسلحة «داعش والنصرة والكتائب المختلفة» وتمظهر خلاف الدول الداعمة مع فارق ظهورها للمرة الأولى بشكل علني ومريب على مستوى قيادتي الدولتين رسمياً.
ترامب يشعل الجبهة السعودية – القطرية كأولى نتائج زيارته المنطقة ويغادرها مزهواً بالمغانم بدلاً من توحيد الصف واستكمال حروبه بزخم بوجه روسيا «الخصم التاريخي» وحلفها كما كان مفترضاً.