رياض سلامة استثنائي يجمع النقيضين واشنطن وحزب الله؟
روزانا رمّال
يكشف مصدر متابع لملف إعادة تعيين حاكم مصرف لبنان د. رياض سلامة ومسألة العقوبات المالية الأميركية على حزب الله لـ«البناء» أنه كان يجري التداول بأسماء أخرى غير سلامة، لكنّها ترافقت مع توقيت سياسي دقيق على صلة بملف العقوبات وعلى علاقة لبنان بالمؤسسات المالية الدولية وأخذ الملف ستة أشهر من النقاش، التمسك بسلامة لم يكن عند أي من الأطراف نابعاً من التمسك بطرف محسوب عليها أي أن أحداً لم يعتبر سلامة «حصته»، حتى الرئيس سعد الحريري كان على استعداد للموافقة او النزول عند طلب الرئيس ميشال عون، إذا أصر الأخير على «التغيير» في المناصب المارونية الاولى، كما كان مطروحا بعد تسلمه، وبينها أنه آن الأوان بعد انتهاء ولاية حاكم المصرف انتخاب كفاءة جديدة. وهو الأمر الذي ربما يتحدث عنه المعترضون على التمديد اليوم.
طرح تغيير الحاكم كان جدياً، وضمن هذا كان مطروحاً ايضاً ملف العقوبات بعد دراسة متأنية من حركة امل وحزب الله اللذين سجلا مسبقاً أشد الاعتراضات على سلامة وما سُمّي بـ «الهندسة المالية» التي ربحت فيها المصارف خمسة مليارات دولار، كما بات معروفاً. والمعترض الأبرز كان وزير المالية علي حسن خليل وإذا بهما بعد درس ملف العقوبات وحسن إدارة الحاكم سلامة له وكيفية التعامل معه أن توصلوا لنتيجة مفادها أن «إعادة التجديد لسلامة هي إحدى ضمانات حسن ادارة هذا الملف»، وأن هناك «مهم»، لكن هناك «الأهم». وأن الأهم اليوم هو الاستقرار الأهلي والنقدي في لبنان وآلية «سلسة» لتنفيذ العقوبات تجنب لبنان مزيداً من المخاطر التي يُراد فيها إصابة البيئة الحاضنة للمقاومة والطائفة الشيعية عبر مصارفها ورجال أعمالها وشركاتها، وإن أكثر الملمين بالملف والمتابعين بإيجابية تحسن إدارته من تخفيف الاذى، أي أذى القرار، من دون أن تسيء لعلاقة لبنان بالمجتمع الدولي هو د.رياض سلامة.
بالمقابل جاءت مصارف لبنانية كبرى مقربة من الرئيس عون ونقلت له رسائل من مؤسسات مالية دولية غير مباشرة، لكنها تعكس «مناخاً» بأن تغيير حاكم البنك المركزي في أي بلد بحساسية وضع لبنان سيرتب إعادة تقييم «التصنيف الائتماني» الممنوح للبلد، أي تصنيف لبنان كدولة لأن جزءاً من التصنيف لا يتمّ فقط على المخاطر الأمنية من دون أن يعني هذا أنه إذا تمّ تغيير سلامة فسيتغير التصنيف فوراً، فالتغيير متعلق بشخصية الحاكم الجديد و«السيرة الذاتية والإنجازات التي بحوزته». والمرشح لمركز حاكم مصرف لبنان عليه أن يتمتع بما كان يتمتع به على الأقل سلامة أو أكثر.
خبير مصرفي يحدد لـ«البناء» تلك المواصفات المفترض توفرها بأي مرشح ويملكها سلامة عنوة ويقول «أولاً: أتى سلامة لإدارة المصرف المركزي من خلفية إدارة «مَحَافِظ» بمئات ملايين الدولارات في مؤسسة ماريلانش الدولية. ثانياً: إدارته بالملف المصرفي اللبناني لمجموعة من العلاقات مع أسهم وشركات المصارف التي يملكها أصحاب المصارف الكبرى. ثالثاً: ثقة المؤسسات المالية الدولية. رابعاً: نقطة أساسية جداً تتمحور حول ضرورة تدريب أي مرشح جديد عبر تأهيله أولاً مثلاً بتعيينه عضو مجلس مصرف المركزي ليتسلّم ملفات ويتهيأ ككفاءة عالية «تترقى»، فمن الخطر تسمية أي شخص لم يمارس المهمة داخل المصرف ولم يخضع للتأهيل وغير مطلع على دقة الوضع المالي اللبناني ووضع البلد المرتبط بتنوّعاته بكل ما يجري من حوله لمجرد أن هناك من يريد التغيير.
رياض سلامة الحائز على جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم. وهي جائزة رفعت الكفاءة اللبنانية الى كل العالم، متّهم بالتقصير من قبل فئات لبنانية شعبية تتساءل بشكل عفوي عن أسباب الدين العام ولماذا التمسك بسلامة بعدما زاد الدين عن 100 مليار دولار في عهده؟ يجيب الخبير المصرفي بالتالي «حاكم المصرف المركزي ليس مسؤولاً عن أي عجز بل مسؤول ومن ضمن متابعته للوضع أن يرسل تقارير للمعنيين في الدولة، بأن الدين العام قد بلغ حداً خطيراً تجب معالجته، أي أنه يدق ناقوس الخطر ويرفع المسألة للسلطات المسؤولة عن إنفاقها وأعمالها وبالتحديد الحكومة هي المسؤولة عن هذا الخلل التي من المفترض أن تعالجه عبر الموازنة والتنظيم وابتكار حلول ومصادر مالية. حاكم المصرف المركزي ليس مسؤولاً عن هذا العجز بل مسؤول أمام الدولة بحال أرادت الاستدانة مثلاً أن يؤمن لها ديناً بأقل فوائد وتمويل عائدات للموازنة.
تبين بالمحصلة أنه لا يتوفر اسم يعادل رياض سلامة بالثقة التي يشكلها عند المؤسسات العالمية. وهو نجح بشكل ذكي في مسألة إدارة ملف العقوبات على حزب الله بطريقة حازت ثقة النقيضين «الأميركي» و«حزب الله»!
الثقة المبنية بين سلامة وبين الاطراف تجعل من وجوده صمام أمان المرحلة المقبلة «المرتبكة». وهذه الثقة تجعل منه اكثر قدرة على ادارة الملف في ما لو اقرت واشنطن المزيد من العقوبات على مؤسسات حزب الله او أفراد وعناصر مقربة منه او حليفة له حتى والتي تستهدف بنهاية المطاف الطائفة الشيعية بشكل أكبر أن يدير الملف بقدرة عالية وتلقفه تبعاته بـ»أقل» أذى ممكن.
اختيار الحاكم هو مسألة تقنية تراكمية وثقة تتعلق بالزمن ومكانة معنوية تحجز بالإنجازات، ولبنان العاقل لا يمكن أن يفرط بشخصية كسلامة.