الحريري و«نأي» لبنان بالنفس عن الأزمة الخليجية
روزانا رمّال
تتوجّه الأنظار نحو رئيس الحكومة اللبنانية الشيخ سعد الحريري في هذه الأوقات محلياً، لا من أجل ملف قانون الانتخاب وغيره من المواد العالقة، بل من أجل اكثر القضايا حساسية من تلك التي يعيشها العالم العربي اليوم وتتجسد بالأزمة السعودية القطرية «المستجدة».
كل شيء كان على ما يرام حتى لحظة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية، الأزمة كبيرة، لدرجة البدء بتنفيذ اجراءات عقابية سعودية ليست عادية تصل لحال محاصرة شعب بأكمله مع دول خليجية اخرى معها مصر، الأمر الذي يؤكد ان الازمة اليوم لا تشبه تلك عام 2014 التي اقتصرت على سحب السفراء الخليجيين «السعودية والإمارات والبحرين» من قطر، بل هي أشبه بحال «عداوة» لبلد بأكمله مرفقة برسائل عدائية تجاه الشعب القطري بأكمله، مما يجعل المأزق أكبر من ملف «دبلوماسي» بل ملف أخذ طابعاً وطنياً و«شعبياً» لكلتا الدولتين ما يعني إمكانية تصعيد الأمور أكثر وخروجها عن السيطرة وسط توقعات جدية بأن تكون الحركة التركية عسكرياً نحو قطر «لحمايتها» إحدى أبرز الخطوات الناتجة عن الحذر من تدخل سعودي عسكري جدّي في قطر إذا تطورت الأمور.
وزير الخارجية القطري جال أمس، على أبرز الدول الاوروبية الفاعلة كبريطانيا وفرنسا مطالباً، إياهم بالتدخل لوقف التصعيد السعودي من دون أن يعطي إشارات «تنازل» قطري من أي موقع أو مكان. فالوزير القطري يعتبر أن مسألة العلاقة بحركة حماس هي مسألة طبيعية، مؤكداً ان بلاده تدعم الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة اما بالنسبة لدعم حركة الاخوان المسلمين، فهو يضعها فقط ضمن التعاون بين بلاده واي دولة وصل فيها التنظيم للحكم أي على مستويات رسمية فقط. فقطر لا تدعم الاخوان المسلمين كمنظمة. وهنا يتضح الهامش الذي يرغب القطريون رسمه بمفارقة التعاطي مع حماس كمقاومة وقضية العرب الأساسية «فلسطين» والاخوان من منظار مفهوم «الدولة»، حسب التوضيح القطري.
الرئيس الحريري الواقع بين نارين لن يكون في الأيام المقبلة على افضل حال. هذا ما تشير إليه مصادر متابعة للأزمة القطرية السعودية لـ»البناء». فالحريري الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمملكة العربية السعودية كظهور في الحياة السياسية اللبنانية وركن أساسي في تركيز النفوذ السعودي في البلاد لا يمكن أن يبقى على الحياد. وهو رئيس الحكومة اللبنانية بالمفهوم او المنطق السعودي الذي سيرى أن من واجب لبنان الرسمي ان يطلق موقفاً واضحاً من الأزمة الخليجية تماماً، كما أطلقت مصر وغيرها من الدول مواقف واضحة باتجاه مقاطعة قطر. ويضيف المصدر «تبرز هنا أهمية حراك الحريري نحو السعودية لاطلاعهم على مدى الحساسية في البلاد ومن الأفضل حجز مقعد «الحياد» في لبنان، كما كان في الأزمة السورية. وهنا يطلب جهداً جباراً من الحريري من اجل حماية لبنان من مفاعيل هذه الازمة. فهل سينجح في ذلك او بالأحرى هل سيتقبل السعوديون لبنان «محايداً» في أزمة من هذا النوع مع علم الرياض باهمية مواقف بيروت في أزمات تعنيها اعلاميا وسياسيا بالمنطقة؟».
الحريري الذي لا يحسد على الموقف الذي سيؤخذ اليه بحال تطور الأزمة اكثر ليس محايداً، بكل ما يعني السعودية. هذا ما تؤكده مواقفه باتجاه اليمن واشادته بعملية «الحزم» منذ بداية الحرب السعودية على اليمن. واذا كان هذا الموقف هو اضعف الايمان من الحريري الذي يدين للسعوديين بمكانته وبمكانة عائلته السياسية محلياً، فان هذا قد ينعكس على جوانب عدة، فمن المعروف ان العلاقة بين الرئيس الحريري والرئيس التركي رجب طيب اردوغان جيدة جداً وعائلية متينة. فالاخير كان قد دعا الحريري ليكون أحد الشهود على زواج ابنته. وكان شريك الحريري الوالد قبل اغتياله في شركة اتصالات «تورك سيل». وهي الشركة التي من المفترض أن يتم تعزيز التعاون من جديد معها، فكيف سيقاطع الحريري تركيا وضمن أي مفهوم؟
مخاطر «الحياد» بحالة عدم تفهم السعودية لحساسية الوضع اللبناني وعدم رغبتها في تحييده سيؤثر سلباً على الاستقرار في البلاد، بل سيؤثر على العملية الانتخابية المقبلة وعلى نتائج شكل السلطة بعد الانتخابات النيابية ككل. فهذه الأزمة قد تكون احد مداخل دعم سعودي – إماراتي جديد لقوى منافسة للحريري شمالياً، والمعروف أن الوزير السابق اشرف ريفي مدعوم من دولة الامارات العربية المتحدة. وهو الأمر الذي أعلنه امين عام تيار المستقبل احمد الحريري في احد تصريحاته.
مستقبل الرئيس الحريري وعودته لرئاسة الحكومة في حال عدم التزامه بمواقف السعودية يصبح «مطروحاً» للبحث من جديد. فرئاسة حكومة على رأسها الحريري فكرة «محرجة» للسعودية، وبهذا الحال اسماء مثل الرئيس تمام سلام مناسبة أكثر لفكرة «الحيادية» الخارجة عن الاصطفاف. كل هذا يفرض على اللبنانيين النجاح في إبعاد بلدهم عن المأزق الخليجي الذي في ما لو تطور قادر على ادخال لبنان في دوامة لا نهاية منها. وهنا يحضر السؤال حول رغبة القوى الدولية – الغربية كالولايات المتحدة الأميركية في أن تفتح لبنان امام هذه الازمات التي لا تفيده في شيء وتعيد ساحة النزال اليه. وهي الساحة نفسها التي كان يراد له الخروج منها إبان الازمة السورية «عكسيا» ليأتي اليوم مَن يطالب بمواقف من الفريق الآخر الحليف للسعودية في لبنان، بهذا الاصطفاف.
لبنان أمام اختبار كبير!