لبنان يتنعّم بإنجازات محور المقاومة أما وقد ولد القانون… فإلى الانتخابات سرّ
ناصر قنديل
–
– قبل أن تلتقط السعودية أنفاسها وتتعاظم حملتها لإحكام الطوق على عنق قطر تمهيداً للقطاف انقلاباً أو احتلالاً تغيّرت المعادلات الدولية والإقليمية. فالتفاهم الروسي الأوروبي على أنّ إسقاط قطر في حضن السعودية إخلال بالتوازنات الخليجية، وبالتالي الإقليمية، بما يحمله ذلك من مخاطر تصعيد التوتر الإيراني الخليجي والتركي الخليجي، على حساب وحدة الموقف من الإرهاب، ومن ضمنها معالجة تورّط الدول الخليجية كلّها بعلاقات متعدّدة الأبعاد بالتشكيلات الإرهابية، فتبدّل الاندفاع الأميركي وتعطّلت محركات الاندفاعة السعودية. وقد حملت مواقف طهران وأنقرة للدوحة ما يطمئنها لعدم الاستفراد، ويعزّز قدرتها على التصرّف من موقع عدم الاستسلام، لينجو لبنان من محنة وامتحان الزجّ به كقيمة مضافة في حرب سعودية لا يملك حلفاء السعودية اللبنانيون ردّ طلبها فيها إذا طلبت.
– قبل أن تتنعّم «إسرائيل» ومعها «داعش» بنعمة الموقف الأميركي الذي أعلن رسم خطوط حمراء في البادية السورية بوجه الجيش السوري وحلفائه، وبجعل الحدود السورية العراقية جزءاً من الأمن القومي الأميركي، كما قالت المواقف المعلنة وعزّزتها الغارات الجوية الأميركية، نجح الجيش السوري والحشد الشعبي بحسم الوضع على الحدود بين العراق وسورية، وصارت المساعي الروسية الحميدة موضع ترحيب أميركي لمنع التصعيد وتهدئة الموقف، وصارت معركة دير الزور في عهدة الجيش السوري بصفتها آخر حروب تصفية «داعش»، حيث النزوح من الموصل والرقة يجعل الحرب هناك حرب كسر العظم، وليس غير الجيش السوري والحلفاء أهلاً لها فنجا لبنان من التعرّض لضغوط كانت حتمية على حلفاء واشنطن للتورّط بالتصعيد ضدّ حزب الله بصفته الجهة الأولى المستهدفة مما سمّي بالعمليات الجنوبية للمحور الذي تقوده واشنطن لتوفير القدر الممكن من الأمان والمكاسب لأمن «إسرائيل»، بجعل شعار سحب حزب الله من سورية شرطاً للبحث بكلّ تسوية ممكنة في سورية، ولولا الحسم السريع المتدحرج من قبل الجيش السوري والحلفاء من جهة والحشد الشعبي من جهة مقابلة، لما كان بالإمكان أن يتفادى هذه الكأس المرّة.
– تعطيل ألغام وأفخاخ ما كان ينتظر لبنان لو تصاعد الزخم السعودي بوجه قطر، ولو تصاعد الزخم الأميركي حول الحدود السورية العراقية وجنوب سورية ضدّ حزب الله، تمّ بفضل الحركة السرية سياسياً وعسكرياً لمحور موسكو طهران، وفي الميدان بفضل تضحيات وإنجازات الجيش السوري وحزب الله والحشد الشعبي. ولو لم يحدث هذا لكان لبنان مهما خلصت النيات، وهي لم تكن مخلصة، ومهما كان العزم فنجاح الوفاق فوق الرهانات الصغيرة، وهو لم يكن، لكان لبنان اليوم ذاهباً إلى الفراغ بأعين مفتوحة وأقدام ثابتة.
– أخيراً ولد القانون العتيد، والحكم عليه لا يتمّ بقياس المقارنة بالأحلام الفئوية، والحسابات الشخصية والطائفية، ولا بقياس النموذج الأمثل الذي يعلم دعاته أنه لم يكن ممكناً. فالتغيير الديمقراطي الكامل لا تنتجه قوى النظام الطائفي، وسقف ما يُنتظر منها تسوية تتيح فتح الباب لتسويات تليها بتراكم يأخذنا إلى الأفضل فالأفضل.
– بقياس المقارنة مع ما كان من قوانين، ومع ما كان من بدائل افتراضية لو لم يولد القانون، من فراغ أو تمديد أو عودة لقانون الستين، حقق اللبنانيون إنجازاً وطنياً كبيراً، تعبّر تفاصيله عن هوية صنّاعه وحساباتهم الصغيرة وتحمل مبادئه إشارات واعدة بالسير نحو النسبية وصيغة المادة 22 من الدستور لمجلس نيابي خارج القيد الطائفي بجوار مجلس للشيوخ.
– أما وقد ولد القانون وفقاً للنظام النسبي للمرة الأولى في تاريخ لبنان، رغم كلّ ما فيه من شوائب وما يعتريه من نواقص، لا مكان الآن لتسجيل الملاحظات التي لا تنتج إلا إحباطاً للناس ودعوة للاصطفاف، بينما المطلوب أن يشرح الحريصون على التغيير ودعاته للبنانيين أنّ أهمّ إنجازات القانون الجديد أن لا صوت لمقترع يضيع فيه بلا جدوى، فلكلّ صوت تأثير في الحاصل الانتخابي، ليكون الفارق في المشاركة الشعبية مصدر الفارق في تكوين المجلس النيابي.
– قوى التغيير مدعوّة للتلاقي وتوحيد صفوفها بين الأحزاب المدنية والشخصيات الوطنية لتشكيل لوائح موحّدة في الدوائر الانتخابية كلّها، والمعادلة الجديدة اليوم هي أنّ الحلفاء من القوى الكبرى يعلمون أنّ ثمة مساحة سيخسرونها مهما كان حجم تمثيلهم كبيراً، وهذه نتيجة حتمية في تطبيق النسبية. والتعبير عن مفهوم التحالف هو بأن تذهب المساحات التي يخسرها الحلفاء لحلفائهم لا لخصومهم، فيصير التنافس هو التعبير الإيجابي عن التحالف، وليكن تمريناً وطنياً شاملاً على خوض غمار عمل سياسي جدي ومباشر بين صفوف الناس يتسع لكلّ صوت طامح بتغيير جدي في البلد ثابتاه اللذان لا حياد عنهما، إلغاء الطائفية وحماية المقاومة.