داعش «كرت» محروق
حميدي العبدالله
بعد الانتصار الذي حققه الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في الموصل، حفلت وسائل الإعلام الغربية بتحذيرات من أنّ الخطر الذي انحسر وجوده، كما قالت إحدى الصحف البريطانية إلى أقلّ من 10 من المناطق التي كان يسيطر عليها عام 2015، ما زال قائماً. يوجد في هذه التحذيرات بعض الصدق لأنّ داعش فعلاً بعد تشظيه سيكون أكثر خطراً، لا سيما في الدول الغربية وفي بعض دول المنطقة التي قدّمت له الدعم، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، كما يوجد في هذه التحذيرات الرغبة في النيل من قيمة الانتصارات التي تحققت على أيدي الجيش العراقي والجيش السوري وحلفائهما، لأنّ دور التحالف الأميركي في إلحاق الهزيمة بداعش، سواء في العراق أو في سورية، لا يرقى إلى المستوى الذي يؤهّله لنسب الانتصارات لنفسه، والزعم بأنه لعب الدور الرئيسي في المعركة.
لكن هل فعلاً أنّ أخطار داعش لا تزال كما هي على الرغم من كلّ الضربات التي وجهت لهذا التنظيم الإرهابي والمواقع التي خسرها؟
واضح أنّ مبالغات الإعلام الغربي في الحديث عن أخطار داعش المتبقية تخفي أجندة سياسية، فضلاً عن إخفائها لارتدادات هذا الإرهاب على داعميه والمستثمرين فيه.
لكن بالنسبة لسورية والعراق، وحتى مناطق أخرى في العالم فإنّ هزائم داعش قلّصت أخطاره من تهديد كبير قائم على السيطرة على مناطق واسعة والتسبّب بتدمير هذه المناطق، إلى هجمات إرهابية منفردة بين فترة وأخرى يسهل احتواؤها.
والدليل تراجع الهجمات الانتحارية في بغداد بعد تحرير الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل.
هناك أسباب كثيرة تشير إلى تراجع خطر داعش:
أولاً، لن يكون هناك في المدى القريب والمتوسط وضع شبيه بالوضع الذي ساد عام 2011، والذي تسبّب بما حدث من اضطرابات تحت عنوان «الربيع العربي»، مثل هذا الظرف يتكرّر مرة واحدة في غضون خمسين إلى مئة عام.
ثانياً، فكر داعش، بل الفكر المتطرف كله، لم يعد يحوز على البريق الذي حاز عليه قبل تجربة «الربيع العربي»، فما ارتكبه داعش والجماعات المتطرفة الأخرى من جرائم في حق شعوب البلدان التي نشط فيها الفكر المتطرف، كرّس في ذهن غالبية الشعب العربي والشعوب الإسلامية أنّ الأفكار المتطرفة وصفة للخراب والانحطاط وبحور الدماء، وبالتالي لم تعد تنخدع من جديد بأفكار الجماعات المتطرفة، حول التحرّر والخلاص والعودة إلى الأصول والحياة اللائقة.
ثالثاً، انكشف في «الربيع العربي» زيف الشعارات التي اختبأت خلفها الجماعات المتطرفة، سواء اللعبة المذهبية، عبر الاقتتال بين أبناء المذهب الواحد، ولا سيما الصراع بين داعش والقاعدة، أو حول الزعم بأنّ الجماعات المتطرفة تقاتل أنظمة ديكتاتورية، فهي أثبتت أنها أكثر وحشية من أبشع الديكتاتوريات.
رابعاً، بات اللجوء إلى استخدام وتوظيف المتطرفين من قبل الحكومات الغربية، أو بعض حكومات المنطقة، لعبة مفضوحة في ضوء تبادل الاتهامات بين الزعماء الغربيين حول دعمهم للإرهاب، مثل ما حدث أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية بين ترامب وكلينتون، وما يحدث الآن بعد انفجار الأزمة بين قطر والمملكة السعودية.
خامساً، لم يعد لدى داعش، قاعدة ارتكاز تساعد على تمويله المكلف، كما كان الحال في سورية والعراق، وتساعده على جذب المزيد من المقاتلين من كلّ أنحاء العالم وتحمّل العقبات المالية، لتمويل هذا الجهد الكبير.
نعم في ضوء كلّ هذه الأسباب، إذا كان ثمة خطر لداعش والتنظيمات المتطرفة، فإنّ هذا الخطر قد تراجع وفي سبيله للاضمحلال تحت تأثير ضربات قوى التحالف المناهض جدياً للإرهاب.