المضار والمنافع في سلة واحدة
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
مَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ. الإمام علي ع
في العادة المشاكل اللبنانية لا تَنتهي إلى مستقر واضح. تبقى تتناسل بشكل متعب، في وقتٍ نعلم جميعاً أنّ المواطن يصرف العمر كله إزاء قضية لا يجد لها حلاً.
وكلما طُرق بابٌ علمي للحل، وعُرفت أوجه الحكمة، ظهر عِرق الطائفية أو المحسوبية أو ما يتفرع عن المصالح الخاصة وهو كثير كثير.
إزاء ذلك يشعر المواطن اللبناني أنّه يعود القهقرى وسط هذا الفضاء من تضارب المصالح والالتباسات والتوازنات الشديدة الحساسية، ولكن يبقى سر الحل مجهولاً لا أمل في الكشف عنه.
سلسلة الرتب والرواتب على أهمية إقرارها تبدو من هذه المشاكل التي تختلط فيها المصالح إلى أبعد الحدود. ثم يُستغلق علينا كمواطنين أن نفهم لماذا السلسلة إذا كانت مشفوعة بالضرائب الثقيلة؟ ما الحكمة من إعطاء حق لفئة وهضم حق لفئات، أو إنصاف قطاعات وضرب البنية الاجتماعية العامة للمواطنين. غريب هذا الذي يحصل على مستوى المعايير والأساليب والأهداف! أما إجابات المسؤولين فتحمل لنا الحيرة والإرباك أكثر من التبريرات البرغماتية حتى! فإذا كان قد وَجب علينا أن نبدأ عهداً جديداً بإصلاحات حقيقية، فلماذا لم نبدأ بسياسة تنموية وأخرى ضريبية تُحقق التوازن والاستقرار والأمن الاجتماعي؟
لماذا خلط الإيجابيات مع السلبيات؟ المضار والمنافع في سلة واحدة وتقديمها للمواطنين. ألم يكن الأولى التوجّه إلى وقف الهدر عبر إجراءات عملية صارمة؟ ألم يكن الأجدى استرداد أملاك الدولة ووقف تمويل الجمعيات والمدارس والمهرجانات الوهمية، أو تلك التي تعمل لمنفعة أشخاص لأغراض سياسية وحزبية وذاتية!
لماذا تعمل الحكومات المتعاقبة دائماً على مبدأ أنّ ما للمواطن هو مشاعٌ للدولة، وما للدولة مشاعٌ للنافذين. فلا ينتفع المواطنون ولا الدولة بل تبقى كل العوائد في جيوب النافذين.
قد يُقال: ما عاد للكلام أثر وقوة. والناس في حالة ضجر شديد وإحباط أكبر نتيجة السياسات الرعناء والأزمات التي عُمرها من عمر الكيان اللبناني.
لكن واجبنا يظلّ أن ننادي بالحق والإصلاح وأن لا نتعب ونيأس من التنبيه إلى الأخطاء وترشيد الناس وتوجيه المسؤولين نحو الحكمة والهداية. وإذا كنا نحن نموت فإن الحق لا يموت أبداً.