نهاية الصراع… دولة غزة في سيناء!
رامز مصطفى
استخدام القوة والعدوان المتواصل على قطاع غزة لم يأت بالنتائج المرجوة «إسرائيلياً»، بل جاءت بهزائم عسكرية، وبمزيد من العزلة الدولية لها، بسبب هول مشاهد المجازر والدمار الواسع خلال الحروب الثلاثة التي شنّها الكيان على القطاع في أعوام 2008 2009 و 2012 و 2014، هذا ما أوضحه المحامي جلعاد شار من مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني أنه «بعد أن وضعت الحرب الثالثة على غزة أوزارها، بدأت المعركة على صورة «إسرائيل» في العالم، فحملة المقاطعة ضدّ «إسرائيل» قد توسّعت كثيراً في العالم، في المجال السياسي وفي مجال استمالة الرأي العام». فيما اعتبر الباحثان جلعاد شار وليران أوفك من مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني: «أنّ إعماراً مدروس وموزون لغزة من مصلحة إسرائيل حالياً، لأنّ ذلك سيقلل من رغبة حماس في فتح مواجهة جديدة، لأنها وضعت رفع الحصار وبناء الميناء خلال الفترة المقبلة كهدف أعلى ومستعدة في سبيل ذلك لهدنة طويلة الأمد».
وبدوره كان روبرت سيري مبعوث الأمم المتحدة إلى ما تسمّى عملية السلام في الشرق الأوسط، قد اقترح على ممثلين من حركة حماس «هدنة لمدة 5 سنوات»، بغرض إعادة إعمار قطاع غزة، تحت إشراف حكومة الوفاق الوطني. وفي إشارة بالغة الدلالة والوضوح، رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية السابق غيورا ايلاند قد صرّح أنّ «حماس ليست منظمة إرهابية مثل القاعدة، هي حركة سياسية انتخبت ديمقراطياً، وهي تمثل السكان الذين يدعمونها، ومصلحة حماس هي أولاً وقبل كلّ شيء حزبية، فهي تسعى إلى تحقيق شرعية دولية لحكمها في غزة». وأضاف ايلاند: «صحيح أننا وحماس أعداء، لكن هذا لا يعني أنّ تضارب المصالح بيننا سيبقى بالمطلق، ولما كان هكذا فإنّ إسرائيل يمكنها أن تسمح لحماس أن تحقق مطلبها مقابل هدوء طويل المدى، والذي سيستمرّ إذا كنا سنخلق لحماس، إلى جانب الردع، حافزاً إيجابياً للحفاظ عليه أيضاً، حافزاً لا يتناقض بالضرورة مع احتياجاتنا الأمنية».
اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات على الحرب الأخيرة، وسبع سنوات على ما شهدته ولا زالت العديد من دول المنطقة من حروب مزلزلة، ها هي الرؤى والتصوّرات بل والمخططات تتكشّف إلى ما يريدون أن تكون عليه المنطقة من مشاهد وخصوصاً القضية الفلسطينية التي مثلت إحدى الأهداف الإستراتيجية لتلك الحروب التي أشعلتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفاؤهم من دوليين وإقليميين بأموال ودماء أبناء المنطقة. هذه الرؤى التي كشف النقاب عنها مع ترؤس دونالد ترامب البيت الأبيض الأميركي وجوقة من سياسييه المتصهينين الذين يناصبون القضية الفلسطينية وقضايا أمتنا العداء والكراهية، تلك الرؤى هي اليوم خلاصة أو عصارة لتلك الأفكار والدراسات من الواضح أنّ واضعيها هم من «الإسرائيليين»، والتي جاءت تحت عنوان «اتفاق وصفقة القرن» والذي يهدف إلى إنهاء الصراع العربي الصهيوني أو ما يسمّونه بـ«النزاع الفلسطيني الإسرائيلي» على حساب الحقوق والعناوين الوطنية الفلسطينية. ولعلّ الدراسة التي تقدّم بها الرئيس الأسبق للجامعة العبرية البروفسور الصهيوني يهوشع بن آريه، في أيلول من العام 2013 تحت عنوان إقامة دولة فلسطينية سمّيت «دولة غزة في سيناء»، مثلت إحدى الركائز الأساسية في ما سمّي بـ«اتفاق صفقة القرن». وهذه الدراسة الخطة ترتكز على مسار من التنازلات تقوم بها كلّ من مصر والأردن في ما بينهما من دون المساس بالكيان «الإسرائيلي»، والذي من الواضح وحسب الخطة أنه يدفع من حساب جيرانه. وتقوم الخطة على مرحلتين:
ـ المرحلة الأولى تبدأ بتبادل الأراضي بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وقد قال يهوشع إنه بناء على مبادرة القمة العربية في بيروت عام 2002 وكذلك المبادرات «الإسرائيلية» والفلسطينية يمكن أن تكون غالبية الأراضي من الضفة الغربية تابعة لفلسطين. كما يحصل الفلسطينيون على مساحة تقدّر بنحو 100 كيلومتر جنوب غربي صحراء النقب مع ممرّ يربط بين مصر والأردن وفى المقابل تحصل «إسرائيل» على منطقة مماثلة من الأراضي في الضفة الغربية. أما المرحلة الثانية فهي تبادل الأراضي بين مصر وفلسطين و«إسرائيل»، ويضيف البروفيسور يهوشع إنه يمكن التوصل إلى اتفاق لضمّ بعض مئات الكيلومترات من شمال سيناء إلى فلسطين من حدود غزة مع مصر إلى مدينة العريش وفى المقابل تحصل مصر من «إسرائيل» على بعض مئات الكيلومترات في جنوب غربي صحراء النقب، وممرّ بري يربط مصر مع الأردن. وبموجبها أيضاً تحصل «إسرائيل» على مساحات تصل من 40 إلى 60 من أراضى الضفة الغربية مع منح الفلسطينيين قطعاً بديلة في صحراء النقب بحيث تحافظ على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وتمنحها الشرعية الدولية والقبول العالمي. ووضعت الخطة ست خطوات من أجل تنفيذها وهي:
1 ـ يتنازل الكيان «الإسرائيلي» عن مساحة 200 – 500 كيلومتر مربع لمصر في جنوب صحراء النقب.
2 ـ تتنازل «إسرائيل» لمصر عن ممرّ يتمّ إقامة طريق سريع فيه من أقصى المنطقة التي سيتمّ ضمّها إلى سيناء من جهة حدود الأردن ما يسمح ببناء طريق متعدّد للسيارات والسكك الحديدية ومنطقة كافية لبناء خطوط أنابيب بترول ومياه.
3 ـ توافق مصر على التنازل عن مساحة للفلسطينيين تعادل على الأقلّ ضعف المساحة التي تنازلت عنها «إسرائيل» من 500 إلى 1000 كم2، وستكون تلك المنطقة جنوب مدينة رفح في قطاع غزة على طول الحدود بحوالي 20 – 30 كم.
4 ـ في مقابل المنطقة التي سيحصل عليها الفلسطينيون من مصر يتمّ التنازل عن مساحة مماثلة لـ«إسرائيل» وراء الخط الذي تحدّده اتفاقية الهدنة التي وُقعت بين «إسرائيل» والأردن في عام 1949 والذي هو في الواقع حدود 4 حزيران من عام 1967.
5 ـ جزء من الوثائق التي تشكل هذا الاتفاق الذي يتمّ التوقيع عليه هو عبارة عن خرائط تفصيلية توضيحية.
6 ـ يتمّ ترسيم دقيق لأراضي المنطقة المُراد ضمها للكيان «الإسرائيلي» في ما وراء خطوط 4 حزيران 1967 وكنتيجة طبيعية يتمّ ترسيم الحدود الدائمة بين دولة «إسرائيل» والفلسطينيين وكذلك ما يتمّ إقراره بشأن مدينة القدس وضواحيها.
وبموجب ما تقدّم فإنّ الأطراف مصر والأردن وفلسطين و«إسرائيل» والتي تشملها الخطة قد حدّد الملخص التنفيذي الشكل النهائي لخريطة المنطقة من حيث المنافع والمكاسب لهذه الأطراف فهي:
أولاً: الجانب المصري ومقابل تنازله عن أراضٍ غير مأهولة وليست ذات قيمة استراتيجية سيحصل على أراض لها أهمية استراتيجية وعلى ممرّ برّي إلى الأردن وطريق أسهل للحجيج للوصول إلى مكة، علاوة على فوائد تجارية مثل مدّ خط أنابيب نفط وتنشيط التجارة وتوفير التمويل الدولي للاقتصاد المصري بما يتراوح بين 100 و 150 مليار دولار بجانب محطة تحلية مياه ضخمة مموّلة من البنك الدولي تغطي العجز الكبير في المياه الذي سيتسبّب به سدّ النهضة الأثيوبي، وكذلك تسريع وتيرة مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية والحفاظ على المساعدات العسكرية الأميركية.
ثانياً: الجانب الأردني سيجني مكاسب ديمغرافية لأنّ استقرار غزة يقلل الضغط على الضفة الغربية كما يحدّ من تدفق السكان إلى الأردن، كما سيحقق عدداً من المكاسب الاقتصادية مثل حصول الأردن على مخرج إلى البحر الأبيض المتوسط، كما سيستفيد من زيادة حركة التجارة والدخول والخروج عبر حدوده.
ثالثاً: الجانب فلسطيني فما سمّي بمكاسبه، فهي تتلخص في ضمّ أراض ذات أهمية استراتيجية ومنطقة ساحلية مقابل التنازل عن المطالبات بالأحقية في أراضٍ ذات كثافة سكانية «إسرائيلية» عالية وأيضاً تخفيف الضغط السكاني عن غزة إضافة إلى عدد من الفوائد الاقتصادية مثل بناء ميناء في عمق البحر وتنشيط الصادرات والواردات وإقامة خط أنابيب النفط وكذلك إقامة محطات كهرباء ومنشآت تحلية المياه ومطار دولي وعدد من المدن الجديدة وتنشيط السياحة وصيد الأسماك علاوة على الحصول على أراض تعادل 100 من مساحة الضفة وغزة قبل عام 1967.
رابعاً: الجانب «الإسرائيلي» وهو المستفيد الأول والأخير من كلّ ذلك، فسوف يستفيد من ضمّ أراض في الضفة الغربية يقطنها 196 ألف مستوطن «إسرائيلي»، مع الحصول على الشرعية الدولية بذلك، ويلفت البروفيسور بن آريه إلى «أنّ 86 بالمائة من السكان «الإسرائيليين» سيعيشون في الضفة الغربية وذلك في مقابل التنازل عن منطقة غير مأهولة بالسكان وإيجاد حلّ طويل الأمد للحفاظ على مصالحها التاريخية والسياسية والدينية والأمنية وأيضاً تحقيق انفتاح على العالم العربي والإسلامي للتعاون في المستقبل ثقافياً واقتصادياً وسياسياً».
الكثير من المشاريع الموجودة لدى العديد من المراجع الدولية والإقليمية، جميعها تتقاطع عند ثابت واحد هو كيفية التخلص من عبء القضية الفلسطينية وعناوينها. والإدارة الأميركية الحالية كما سابقاتها، ترى في استمرار هذه القضية دونما حلّ وفرض تسوية نهائية لما يسمّى «النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي» ستبقى أمراً ضاغطاً ومؤثراً على المنطقة وتمثل تهديداً مباشراً لمصالحها التي وعلى وقع التطورات التي تعيشها المنطقة بدأت ملامح لسقوط استحواذها على القطب الأوحد التي تتمتع بها أميركا بالظهور عبر الأزمة السورية ودخول روسيا الاتحادية كلاعب دولي لا يُستهان به أثبت قدرة فائقة على إعادة التوازن في التعاطي الدولي مع قضايا ذات حساسية عالية حيث مثلت سورية بصمودها وحلفائها مدخلاً هاماً لهذا التوازن. وعليه فإنّ الإدارة الأميركية ومن خلفية تأمين مصالحها ومن ثم أمن كيانها «الإسرائيلي» المصطنع تسارع الخطى باتجاه فرض تسوية مذلة على الفلسطينيين وفق مفاوضات لا شروط لاستئنافها، وعبر مؤتمر إقليمي يجري تحضير مسرحه من دون ضجيج.