دبّوس دبّوس لـ «البناء»: الكوميديا الحقيقية تنتج رسالة هادفة ضمن معايير مجتمعية تخدم الأجيال ولا تدمّرها
حاورته: رنا صادق
صنع من موهبته اسماً، وصدىً تذكره الأجيال، قصة تاريخ من الكوميديا اللبنانية الخفيفة أحياناً، والعميقة أحياناً أخرى. حضوره ثابتٌ وعزيزُ الأداء، واثق الخطى، ويحمل في طيّات فنّه مكنونات الرسالة الهادفة، في بيئة المجتمع ضمن معايير التمثيل الناجحة.
بُعثرت موهبته ولم تُمحَ، تشعّبت الشخصيات الكوميدية التي قدّمها على المسرح والتلفزيون، وعمل جاهداً في رسم البسمة على وجوه اللبنانيين. مرونة أدائه لفتت الجميع. إنّه الممثل الكوميديّ دبّوس دبّوس، وهو أشهر من أن يعرّف ببضعة أسطرٍ، وأنجح من يُختزَل تاريخه بحفنة كلمات. أنتج حالة كوميدية فريدة متعدّدة الهوايات، فقد اعتاد منذ الصغر، أن يؤدّي أدواراً كوميدية في مناسبات مدرسية واحتفالات اجتماعية، ضمن «اسكتشات». ومنذ ذلك الحين، اتجه نحو التمثيل الكوميديّ بنصيحة كلّ مَن كان حوله حينذاك.
إضافةً إلى ذلك، كان دبّوس دبّوس يعلّق على المبارايات الرياضية التي كان يخوضها النادي الرياضي في بلدته العين في البقاع الشمالي، واكتسب من ذلك موهبة التعليق.
عام 1992، كان نقطة التحوّل في حياة دبّوس دبّوس، إذ سرعان ما انتشرت شهرته في أنحاء المعمورة، وأصبح اسمه بصمةً مطبوعةً في تاريخ الكوميديا اللبنانية، إذ حاز في تلك السنة، على الميدالية الذهبية والجائزة التقديرية في مسابقة «استديو الفنّ» عن فئة التقليد والمنولوج. وذلك بعدما سحر جمهور ذلك البرنامج الذي كان يُعدّ من أكثر برامج الهواة نجاحاً في العالم العربي.
إلّا أنّ الرياح لم تجر حسبما تشتهي سفن دبّوس، علماً أنّه وقّع عقداً مع محطة «LBC»، عن فرقة «الدبابير» التي عرضت أكثر من مسرحية هزلية ناجحة، وجالت في مختلف المناطق اللبنانية وفي بلاد الاغتراب. ولكن!
ما لم يكن في الحسبان، ولأسباب تتعلّق بالعقد المذكور وبحقّ الفرقة بالظهور على قناة أخرى، وضعت «LBC» فيتو على دبّوس دبّوس، وذلك من دون مبرّرات كما أفاد في حديثه إلى «البناء».
الفيتو شمل ظهور دبّوس على شاشة أيّ محطة، أو المشاركة في أيّ إعلان دعائيّ، لكن دبّوس حتى اليوم لا يعلم خفايا الأسباب لهذه الحرب عليه، أو من قبل من تعرّض لهذا الهجوم.
منذ سنوات قليلة، عاد دبّوس ليظهر أمام المشاهدين ضيفاً في برنامج «لول» الساخر على قناة «OTV»، الذي قدّمه إلى فئة جماهيرية جديدة، عبر منبر جديد، وقد زاده توسّعاً في شهرته داخل لبنان وخارجه.
ورغم ما أُثير حول البرنامج من تساؤلات في تلك الفترة، ومن جدل لناحية مستوى التهكّم والسخرية بأسلوب لم يعتد اللبنانيون عليه، لا يمكن إنكار أنّ البرنامج نفسه صُنّف ضمن فئة البرامج الأكثر مشاهدة، ما حدا بمحطّات كثيرة أن تقلّده وتقتبس فكرته أمام ما لاقاه من إقبال، إلا أنّها لم تحقّق النجاح الذي حقّقه «لول» بحسب قول دبّوس دبّوس.
وأخيراً… مسرحية!
الحظّ لم يحالف دبّوس مرّة أخرى في تحقيق مبتغاه، ألا وهو برنامج كوميدي خاص به، في حين أنه قادر على ذلك، لكن الفرص لم تسنح له حتى اليوم. بيد أنّه في هذه الأيام، يطلّ على جمهوره ومحبّيه بمسرحية… نعم، مسرحية.
«Like هالحكي»، مسرحية تُعدّ تجربة ناجحة. وما ينقصها، هو الدعم الإعلامي، رغم أن دبّوس دائم الاستعداد من أجل تلبية أيّ مساعدة في الكتابة المسرحية لكثيرين من الأصدقاء في الوسط الفنّي الكوميدي. قدرته على تأليف أيّ عمل مسرحيّ كوميديّ وحبكه وتجهيزه عالية، وخبرته في هذا المجال لا مثيل لها. لكن رغم قدراته على تشكيل فريق عمل ناجح، إلا أن هذه الأعمال لا تتلقّى الاهتمام الكامل من المحطّات والقنوات الإعلامية والميديا. إذ إنّ دعمها يكون خجولاً جدّاً، وهي تحبّذ الابتذال والتكرار.
«Like هالحكي» هي من بنات أفكار دبّوس، ومن إعداده وتقديمه، وهي خير دليل على قدرته في معرفة ما يطلبه الجمهور.
يمثّل إلى جانب دبّوس في البطولة كل من جويس ملحم، ومحمود شميس، وهي مسرحية هزلية ضاحكة، تتناول في فصول كثيرة منها، المرأة والرجل، وحقوق كلّ منهما.
الدراما؟
يسعى صاحب شخصية «أم عطا» الهزلية، إلى خوض غمار التمثيل الدرامي، وفي هذا المجال يرى أنّه سيثبّت بكلّ تأكيد موهبته، ونقاط قوة شخصيته في تأدية الأدوار على اختلاف أوجهها.
وفي هذا المجال، لا يتوانى دبّوس من استذكار الفنّانين الكوميديين الكبار، من أبي سليم وفرقته، إلى دريد لحّام، وعادل الإمام، هم الذين بصموا في ذهنه معنى لعب هذه الأدوار المضحكة وهيكليتها لإنتاج الأجمل وحمايتها من الابتذال. خصوصاً الكوميديا العربية التي تعتبر هادفة أكثر من تلك في اللبنانية بحسب حديثه إلى «البناء».
وإذ يعتبر أن هذا الزمن أضحت فيه الكوميديا تصويرية لا إنتاجية، وهدفها الربح أكثر من الرسالة، والتفخيخ والتفخيم. فبرأيه أنّ زياد الرحباني ألّف مدرسة خاصة عريقة في مجال الكوميديا، وتبقى كوميديا اليوم ناقصة أمامها.
وعن سؤاله من الأفضل في مجال «البرامج الكوميدية»، عادل كرم أم هشام حداد، أجاب: كممثّل، عادل كرم عريق، لكن كـ«حرتقجي» ناجح في مجال البرامج الكوميدية الحالية، أعتقد أن هشام أثبت خلال فترة زمنية قصيرة قدرته على النجاح والنجومية، مع العلم أنهما أنتجا بيئة جديدة حاضنة للكوميديا ونجحا في ذلك.
وإذ يعمل على مسلسل كوميديّ بعيد عن الدراما، مع الإشارة إلى أنّ سوق الطلب يركّز على التهكّم والإضحاك. يرى من جانب آخر أنّ الدراما اللبنانية تبرز نجاحها من مكانٍ ما، وتتدهور في أفقٍ آخر، وذلك بسبب أفكار الأعمال التي تبتعد كلّ البعد عن الواقع، وتُصاغ من نسج الخيال في تركيبة النهايات، إضافة إلى مظاهر غربية خاطئة، والفعل ليس لهذه المظاهر، بل لإعادة صوغ القصة في بؤرة خاطئة تفتقد احترام عقول المشاهدين. كما أنّها تذهب بالمُشاهد نحو آفات اجتماعية خطيرة من دون الالتفات إلى نتائجها وعواقبها، وإلى غرس معتقدات خاطئة في ذهن الجيل الجديد. لكن، ومقارنةً مع الدراما السورية، فإنّ الأخيرة تلجأ إلى قضايا الشرف والعرض وحفظ الأرض والكرامة أكثر، ما يساعد السوريين في التسويق أكثر.
وأشار دبّوس إلى القائمين على المسلسلات وإنتاجها، عليهم أن يتداركوا هذه المخاطر، وأن يعلموا من أين تؤكل الكتف، ربما نلحق ما تبقى منها.
من حيث الأبعاد، فإن أبعاد الكوميديا وصفات الممثل البارع نسبية بحسب دبّوس، فهناك جزء جسماني شكلي، إذ يمكن أن يلعب الشكل والجسم دوراً معيّناً، خصوصاً إذا كان فيه تشويه يثير الضحك «غروتسك». وهناك جزء اجتماعيّ إذا كان الممثل ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة. في حين أنّ الممثل الكوميدي على المسرح أو على شاشة التلفزيون، لا يختلف عن الممثل الدرامي. فأبرز ما تحتاج إليه الكوميديا، تغيّر شكليّ وصوتيّ وأداء عالٍ. أما المبالغة والتشهويهات فضرورية أحياناً لما تنتجه من جوّ مضحكٍ.
لدبّوس مع كلّ بيتٍ ذكرى، وفي كل سهرةٍ ضحكة، فمن ذكر اسمه ابتسم وقال: «أمّ عطا»، ويكفيه هذا الكمّ من المحبة والشعبية. وهو الذي يعتبر أن جمهوره رصيده الحبيب، وعلاقته وإياه وطيدة.