«الميادين» تروي قصص نضال أسرى محرّرين
عبير حمدان
حين نؤمن بقضيتنا، مُحال أن ينال من عزيمتنا أيّ عدوان، مهما أمعن المحتلّ في غيّه. والانتماء يحثنا على الصمود والاستهزاء من قيود الأسر، وقد يصبح السجّان في موضع الضعيف أمام إصرارنا وثباتنا. هكذا هم الأقوياء يستذكرون سنوات النضال التي قادتهم إلى الأسر وما يتبعه من أساليب تعذيب تركت أثرها على أجسادهم، بيد أنها لم تنل من نفوسهم وقناعاتهم.
هُزم المحتلّ وجرّ أذيال خيبته وانكفأ ذليلاً عن جزء من الأرض. وبانتظار أن نستردّ الجزء الأكبر من الوطن الكبير بعيداً عن الحدود التي فرضها من انتدب نفسه وصيّاً على بلاد الشام، فكان السعي إلى إخراجه أيضاً بفعل المقاومة، يصبح التاريخ سلسلة مترابطة ولا يختلف اليوم عن الأمس لناحية اليقين بهوية العدو ومن دعمه وصنعه ولم يزل يعمل على تصديره بكافة الوجوه الممكنة، وهوية من قاوم ويقاوم لأنه يملك الحق كله في مقاومته.
كثيرة هي القصص التي يمكن أن يرويها المناضلون الذين تمسكوا بالسلاح وعاشوا تجربة الأسر لسنوات وعادوا يرفعون علامة النصر لأنهم استحقوها، ولأن الحياة تليق بهم.
من هنا، اختارت المخرجة يارا أبو حيدر الإضاءة على تجربة خمسة مقاومين من تنظيمات مختلفة، ليعودوا برواياتهم وتجاربهم ويقصّوا علينا ما عايشوه يوماً بيوم.
من مخيم شاتيلا في بيروت إلى جبل الشيخ وبحر اللاذقية، ومن بوابة فاطمة في جنوب لبنان، نشهد قصة خمسة أسرى سابقين ولكلّ منهم فكره السياسي والعقائدي إلا أنّ عدوهم واحد، حيث حملوا البندقية ضدّ الكيان الصهيوني عن سابق إيمان بالقضية وتصميم على النصر. إنهم أحمد الأبرص وكفاح عفيفي وأنور ياسين ومحمد رمضان ومصطفى حمود… وهم جزء من سيل فعل فعلهم، لكنهم اختصروا مسيرة الآلاف في حلقة تلفزيونية من إنتاج «الميادين»، وإعداد وإخراج يارا أبو حيدر.
سنسير مع ياسين صعوداً نحو قمة جبل الشيخ ليخبرنا عن تفاصيل عملية الشهيد جمال ساطي، وهناك سنكتشف أن الصهيوني يستمر في اختراق الحدود بهيئة تنظيمات تكفيرية لا تختلف عنه بشيء، إنما هي امتداد لفعل اغتصابه الأرض ووهمه بالاستيلاء على الجزء الذي دُحر منه. وستروي المناضلة كفاح عفيفي قصة من ذاكرة شعب، من دون أن تغيب ضحكتها ولو للحظة، ومع الأسير المحرّر عام 2004 مصطفى حمود سنستعيد تفاصيل عملية الحرّ العاملي عند بوابة كفركلا، ومن البلدة نفسها اجتاز المقاوم محمد رمضان مسافة طويلة ليهاجم عدوّه، حيث يخبرنا عن تجربة الأسر والصبر.
كلٌ منهم انتفض ذات زمن حيث أظلمت السماء وخنقها الاحتلال، رافضاً الظلم والظلام، ربما لم يخطر في بالهم كيفية التنسيق، لكنهم مضوا وقاوموا وعانوا وواجهوا سجّانهم وعادوا ليرووا الحكاية التي يجب أن تُعتمد كثقافة حياة.
تقول أبو حيدر: أردت أن أنقل القصة بتلقائية، لم أبحث عن صور محدّدة، فالأرض والطبيعة والصخور والقرى تكفي كخلفية ولم أطلب من أيّ منهم أن يتعامل مع الكاميرا كآلة وإطار، كانوا يتكلمون عن تجربتهم بفخر وفرح، والصدق هو المقياس لتصل الصورة بواقعيتها إلى من لا يعرف بالدرجة الأولى، ومن لا يريد الاعتراف بتضحيات حرّرت وطناً ولم يزل أصحابها ماضين في مقاومتهم بالدرجة الثانية، والأهم أن المسيرة لم ولن تتوقف.
«عدنا لنروي»، وثائقي مدّته ساعة تلفزيونية، تبثّه قناة «الميادين» مساء الأحد 20 آب الساعة التاسعة مساء بتوقيت القدس وبيروت.