«كيف نرسم كتاباً للأطفال»… معرضاً يحاكي عقل الطفل ويرفع ذائقته الفنية
لورا محمود
في ظلّ تقدّم تكنولوجيا المعلومات، ما زال الكتاب الأداة التي يحصل منها الطفل على المعرفة، سواء من خلال القصة أو الكتاب المدرسيّ. لذا، كان لا بدّ من إعطائه حيزاً أوسع، في حين أنه الأداة التي تحتوي على المعلومة والصورة أو اللوحة التي لم يعد دورها يقتصر على توضيح الفكرة كما كان سابقاً، بل أصبحت مهمتها نقل الطفل إلى عوالم أخرى تُحرّض مخيّلته وتدعم ثقته بنفسه.
وقد أصبح فنّ الرسم للطفل اختصاصاً بحدّ ذاته، لدرجة أنه حمل معه هوية الرسام إضافة إلى أسلوب الكاتب فإبداع الفنان يجب أن يوازي براعة الراوي لإنتاج كتاب يحاكي عقل الطفل بطريقة أكثر إبداعاً وعمقاً.
في هذا السياق، أقامت وزارة الثقافة السورية ورشة عمل تخصّصية في رسوم كتب الأطفال لمجموعة من الفنانين الشباب، بإشراف الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل، وكان نتاج ورشة العمل معرض بعنوان «كيف نرسم كتاباً للأطفال» في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة.
الإمام
خلال افتتاح المعرض، أشار معاون وزير الثقافة توفيق الإمام إلى أهمية مشاركة الفنانين الشباب في هذه الورش، للتعرّف إلى ما يناسب الطفل وتنمية إدراكه لتبادل الخبرات. مضيفاً أن هذه اللوحات سيتم اقتناؤها من قبل عدد من مؤسسات الدولة، لا سيما وزارة التربية للاستفادة منها في المناهج المدرسية لمراحل عمرية مختلفة.
وأكد الإمام أن وزارة الثقافة تقدّم كل الدعم لكلّ الفنانين لا سيما الشباب، من خلال عرض لوحاتهم في صالاتها التشكيلية ومراكزها الثقافية لكونهم رديفاً حقيقياً للحركة الفنية التشكيلية في سورية.
الأصيل
خلال المعرض، كان لـ«البناء» لقاء مع المشرفة على ورشة العمل الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل التي تحدثت عن أهمية أن يكون الكاتب والفنان اللذان يقدّمان القصة المصوّرة للطفل من بيئة الطفل نفسه. ورأت أن هذا الأمر مهمّ جداً لجهة إعطاء الطفل ثقة بنفسه أكثر كي لا يرى في كتابه بيئة غريبة عنه. فالفنان يجب أن يكون قادراً على احترام عقل الطفل. واللوحة في كتاب الطفل مهمة جداً وقادرة على رفع الذائقة الفنية لدى الطفل.
وأضافت الأصيل: نحن اليوم نحاول بناء فنّان قادر على تقديم عمل فنّي يساعد الطفل في تطوير مخيلته، ليكون مواطناً مبدعاً قادراً على رؤية وطنه بطريقة بعيدة عن كلّ ما يجري، فهذه الفترة لن تدوم والقادم أهمّ وأجمل.
ونوهت الأصيل بأن أكثر الأمور التي كانت تركز عليها في ورشة العمل هي تحريض الإبداع والمخيلة، وأن تنظف مخيلة هذا الفنان من كل الرواسب السابقة ليبدع رسومات أكثر جمالاً وتطوراً. بالإضافة إلى أن ثمة ورش عمل أخرى مقبلة، لم يتم تحديد موعدها حتى الآن.
ياسين
بدورها، تحدّثت مديرة ثقافة الطفل في وزارة الثقافة ملك ياسين إلى «البناء» قائلة: إنّ هذا المعرض نتاج عمل الورشة التي أقمناها في نهاية السنة الماضية لمجموعة من الفنانين الشباب المهتمين برسومات الأطفال بإشراف الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل التي أعطت الفنانين المشاركين من خبرتها الكبيرة في المجال، وساعدتهم كثيراً ليكون المعرض بهذا الشكل. فقد أطلعتهم على مدارس فنية مختلفة، وكان برنامج الورشة مكثّفاً وبشكل يومي.
وأشارت أنه جرى اختيار لكلّ فنان مشارك في الورشة لوحتين عرضتا في المعرض.
وأضافت ياسين أنّ أي كتاب يصدر عن وزارة الثقافة يجب أن يهتم بالناحية الفنية ويجب أن تكون الرسومات قيّمة تحاكي عقل الطفل وخياله. ووزارة الثقافة ومديرية ثقافة الطفل تعملان منذ عام 2012 على مهارات الحياة والدعم النفسي للطفل واليافعين في 11 محافظة سورية تقريباً، وتحديداً في دمشق وريفها، اللاذقية، السويداء، حلب، دير الزور والحسكة. فالعمل على دعم الطفل أصبح أكثر ضرورة، بسبب تأثر الأطفال بظروف الحرب التي مرّت على سورية. لذا من المهم أن العمل على تطوير مهاراتهم ودعمهم نفسياً بالفنّ الذي يعتبر أكثر الأساليب التي تؤثر ايجابياً على الأطفال. فالطفل تشدّه الصورة والألوان. وأضافت: نحن أيضاً نقدّم للطفل نشاطات أخرى كالمسرح التفاعلي ومسرح عرائس وأعمال يدوية، ولدينا أنشطة رياضية للأطفال نقوم بها بشكل دائم.
طلاع
وقالت زبيدة طلاع خريجة فنون جميلة ـ قسم حفر وطباعة، وهي مشاركة في المعرض، إنها تحب الطفل وتعمل له وتعيش في عالمه الصغير، لذا أحبّت المشاركة بورشة العمل التي استفادت منها كثيراً سواء من الفنانين المشاركين أو من خلال توجيهات الفنانة لجينة الأصيل صاحبة التجربة الكبيرة بهذا المجال.
ورأت طلاع أن العمل للطفل يعتبر سهلاً وصعباً في آن، فالطفل تسعده أشياء بسيطة ولكن يجب أن نقدّمها له بطريقة تحترم ذكاءه وعقله.
كما أنّ لطلاع مشاركات سابقة في مهرجانات وورش عمل للأطفال خلال فترة الأزمة، وكان هناك أطفال مشاركون في هذه الورش والمهرجانات. وأضافت أنه من الملاحظ أن الطفل يحبّ الرسم والألوان كما يحبّ أن تقدّم له رسومات تعبّر عنه وتشدّ انتباهه.
الكوسا
ومن المشاركات أيضاً بورشة العمل، الفنانة ريما الكوسا خرّيجة فنون جميلة ـ قسم اتصالات بصرية، وتحدّثت إلى «البناء» عن تجربتها وصعوبة الرسم للطفل وقالت: أعمل منذ عشر سنوات في هذا المجال، وأنا مختصة برسومات كتب الأطفال، وفي هذه الورشة تعرّفت إلى فنانين جدد وإلى تجارب فنانين يعملون في مجال الرسم للأطفال، الأمر الذي يسمح للفنان أن يطوّر أدواته وتقنياته، ليتمكن من إيصال فكرة اللوحة إلى الطفل.
وأضافت: الفنانة لجينة قدّمت لنا كل الدعم واستفدنا من خبرتها من خلال المحاضرات والمعلومات التي قدّمتها لفنانين عالميين لهم تجربة بهذا المجال.
ولفتت الكوسا إلى أنّه من المهم أن يرسم الفنان من قلبه وبإحساسه وعفويته ليصل إلى الجميع وخاصة إلى الطفل، وهو أساس عملنا. فالطفل يحبّ الرسوم العفوية التي تشبهه لدرجة كبيرة، لذا حاولنا أن نطلق العنان لخيالنا ونرسم بلا قيود أو خوف، وجرّبنا أيّ تقنية قد تخدم الفكرة وتقدّمها بشكل أجمل، وهذا يجعل الرسومات أقرب إلى الطفل.
لا بدّ أن نذكر أنّ المعرض يتضمّن خمسين لوحة ركّزت على مواضيع تتعلّق بالآثار السلبية للحرب على سورية، خصوصاً على الأطفال. إضافة إلى الأمل القادم بعودة الحياة المستقرة والآمنة إلى سورية، وذلك بمشاركة 24 فناناً. واختُتم المعرض في 17 آب الحالي.
ويذكر أن الفنانة التشكيلية الرائدة في مجال رسوم الأطفال لجينة الأصيل من مواليد دمشق عام 1946، حازت على بكالوريوس في الاتصالات البصرية والعمارة الداخلية ـ كلّية الفنون الجميلة، جامعة دمشق عام 1969. شغلت منصب رئيس قسم التصميم الفني في «المؤسسة العربية للإعلان». تشغل منذ عام 1998 وحتى اليوم منصب المشرفة الفنية لمجلتَي الأطفال «أحمد» و«توتة توتة» في لبنان. كما أشرفت على عدد من ورش العمل في مجال رسوم كتب الأطفال في كل من إيطاليا، الكويت، الشارقة، تونس، لبنان وسورية. أقامت مجموعة من المعارض الفردية والجماعية في كل من سورية وفرنسا وإيطاليا.
حصلت على مجموعة من الجوائز الدولية أبرزها: الجائزة الأولى لتصميم ملصق جداري لـ«مهرجان السينما العربية» في فرنسا في عام 1995. كما حازت على ميدالية «المجلس العربي للطفولة والتنمية» ـ القاهرة لتصميم شخصية كرتونية للطفل عام 1996، وميدالية المسابقة الدولية لرسوم كتب الأطفال «نوما» في اليابان عام 2006. وأخيراً حازت عام 2008 على الجائزة الأولى عن أفضل كتاب للأطفال في «معرض بيروت الدولي للكتاب».