موسكو ملجأ المأزومين
د.رائد المصري
بعيداً عن الكلام المكرَّر حول الأزمة السورية وسياق تطوّراتها العسكرية في مكافحة التنظيمات الراديكالية المتطرِّفة، والتي تتَّجه نحو حصد الربح الصافي بكلِّ المعايير والمقاييس، يُلفتنا هذا الكمُّ الكبير والوازن من حجيج القادة والرؤساء والزعماء من العرب ومن غير العرب، ومنهم قادة العدو الصهيوني الى روسيا، للوقوف على آخر المستجدات السياسية والعسكرية لدى الرئيس بوتين واستشراف ما يمكن او الأخذ بالتعهدات والتطمينات ولو الشفهية، درءاً لما ارتكبته أيادي هؤلاء من أفعال آثمة بحقِّ سورية وشعبها وتطوّر بناها، وبحقِّ أبناء المنطقة الآمنين في الشرق الأوسط.
زيارات الحجيج إلى موسكو تؤكِّد وبثبات سقوط المشروع الأميركي بمندرجاته وأدواته كلِّها، الى الدرجة التي بات يخاف منها رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ليقصد الرئيس بوتين طالباً الاستفسار والتطمين والضمانات التي لم تلقَ جواباً، فكانت رسالة الصواريخ التي أطلقتها نيران طائراته على مصياف السورية من سماء وأجواء لبنان، رداً على هذا التعنُّت والعناد لدى الروس.
هو تعنُّتٌ وعناد قابله ويقابله بالمثل الرئيس السوري بشار الأسد والذي لم يساوم الغرب ومشروعه الاستعماري أبداً، وبقي مصرّاً على تحرير كامل التراب السوري من التنظيمات الإرهابية، ونجح لحدِّ الآن في طردها والقضاء عليها، مثبِّتاً معادلة القرار السيادي الحر ومنع تقسيم الجغرافيا السورية بالتكافل والتضامن مع حلفائه الروس والإيرانيين والعراقيين ومقاومة حزب الله، حيث كانت لافتة إطلالة الضابط المقاوم الحاج أبو مصطفى من دير الزور وإعطاء تصريحات بكلام مدروس ومتوازن حول تكامل هذا الحلف المقاوم من الجغرافيا الممتدة من إيران الى العرق فسورية ولبنان وصولاً الى فلسطين المحتلة، وأعتقد أنها أبلغ رسالة ردٍّ على القصف الصهيوني لمواقع سورية قرب حماه في مصياف. وهو الردُّ الحقيقي في الوقائع الميدانية من ضمن عملية استكمال التحرير لكامل الأراضي السورية وفتح المطارات ووصل الحدود.
بعد الانتهاء السوري من وراثة وَبَاء تنظيم القاعدة وتثبيت الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني في مفاصل الدولة، بدأت حملات التضليل الإعلامي وتركيب الصور المفبركة عن نزاع شامل وتهجير عرقي بحق مسلمي الروهينغا في بورما، كي تتلقَّف هذه الدولة إرث ووباء تنظيم داعش المنهزم في سورية والعراق في عملية إيجاد أرض جهادية جديدة في منطقة مكتظَّة بالكثافة السكانية، ونعني بها محيط إقليم السند والدول المحاذية للصين، تحت عناوين الصراع الإسلامي البوذي، حيث باتت بكين تشكِّل حالة قلق دائمة كقوة اقتصادية عالمية وكوجه بديل للقوة الأميركية، وبدء التعامل المالي على أساس عملتها اليوان أو غيرها من العملات للاقتصادات الكبرى غير المنضوية في الفلك الغربي الاستعماري، وهو ما سيُفْقد الدولار الأميركي قيمته العالمية الفارغة التي اكتسبها بعد العام 1971، بنزع التغطية الذهبية عنه، حيث سيتم العمل على إعادة التغطية الذهبية للعملات الأخرى من أجل التداول، وهو ما يعطي الاقتصاد العالمي وزناً وإنتاجية وصدقية في التعامل، بحيث لن تعود بعدها الدول الكبرى بحاجة الى شنِّ عمليات عسكرية والقيام بالحروب وتهجير الشعوب وتدمير البنى والنسيج الاجتماعي للدول، من أجل التمويل الكاذب للاقتصاد الاستعماري الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الثانية والذي ضربته أميركا بسبب عجوزاتها المالية والاقتصادية الدائمة.
فتحُ الجرح الإثني والديني في بورما وتسليطُ الأضواء عليه حيث إن السلطات هناك ممثلة بقوى الأمن والجيش البورمي ضالعة بشكل رسمي وعلني في تلك الكارثة الإنسانية، بما لا يمكن السكوت عنه، فتتوجب على ذلك الإدانة الكاملة لكلِّ عمل غير إنساني يلحق الظلم والأذى بأيِّ شخص من دون وجه حق، وبدون محاكمات عادلة وأخلاقية، وهو أمر أتى بتوقيته بعد الانتهاء والقضاء على داعش في سورية والعراق لإعلانها أرض جهاد، ومعنى ذلك أنَّ دورات العنف في المنطقة هي إلى انحسار وإعادة ترتيب الإقليم، ومقتضيات ذلك صارت أكثر بيد الروسي ولذا باتت موسكة كمحجَّة لقاصديها من أجل الحفاظ على مواقعهم وحصصهم في إعادة التركيب الجديدة، وفي الوقت نفسه هي ملجأ للمأزومين الذين يهرولون وراء أحلامهم التي سرقها منهم الرئيس السوري وحلفاؤه في انتصارات استراتيجية ستغيِّر وجه العالم لمئة عام مقبلة.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية