سيناريوات قد تتكرّر في قضية المخطوفين
حسين حمّود
ما يزال النزيف السياسي الداخلي مستمراً في ظل السجال الذي افتعلته «قوى 14 آذار» على خلفية خوض الجيش اللبناني معركة تحرير الجرود وما رافقها من اتفاق على وقف النار، بعدما كشف تنظيم «داعش» عن مصير العسكريين الذين كانوا مختطفين لديه، وتبيّن أنهم قتلوا على يد العصابة الإرهابية وارتقوا شهداء في سبيل المعركة التي خاضوها في عرسال لتطهيرها من الإرهابيين.
كما تضمّن الاتفاق انسحاب ما تبقى من مسلحي «داعش» في الجرود اللبنانية والسورية إلى محافظة دير الزور السورية.
إلاّ أنّ الاتفاق لم ينل إعجاب «قوى 14 آذار» لأسباب محلية وإقليمية ودولية عديدة، لكن أهمّها أنّ المقاومة في هذه المعركة خرجت ظافرة وأدرجت في سجلها نصراً جديداً مستحقاً بقوة النار وصلابة التفاوض معاً. تماماً مثلما حدث عام 2006 إبّان العدوان «الإسرائيلي» على لبنان.
لكن بدلاً من أن تجمع «قوى 14 آذار» صفوفها وتقف خلف الجيش في معركته المستمرة ضدّ الخلايا الإرهابية لتفكيكها قبل انتقام هؤلاء لهزيمتهم النكراء واستهداف الداخل اللبناني بعمليات إجرامية ضدّ الجيش والقوى الأمنية والمدنيين، اصطفوا جميعاً للتصويب على المقاومة مستهدفين الجيش والقوى الأمنية بطريقة غير مباشرة من خلال تصوير سلاح المقاومة كرديف لسلاح الجيش.
وفي حين تواصل قوى 14 آذار حربها السياسية والإعلامية الضروس ضدّ المقاومة التي حرّرت لبنان من العناصر الإرهابية المسلّحة ضمن مساحات شاسعة من الأرض اللبنانية، لم تقم قيامة القوى المذكورة ضدّ هؤلاء العناصر المغتصبين للسيادة الوطنية. كذلك لم تصدر بعد أي تغطية سياسية من هذا الفريق، خصوصاً من جانب تيّار «المستقبل»، لملاحقة الجيش والقوى الأمنية المدعو مصطفى الحجيري أبو طاقية المختبئ، بحسب المعلومات في مصلّى أنشأه في منزله في بلدة عرسال البقاعية وأطلق عليه اسم «مسجد» ليمنحه بذلك حصانة دينية تحول دون اقتحام القوى الأمنية هذا المخبأ، وإلا فإنّ الشارع الذي ينتمي إليه أبو طاقية هذا، سيفور ويثور ويتوعّد بالويل والثبور لكلّ مَن يتجرأ على دخول منزل أبو طاقية، وكلّ ذلك تحت يافطات دينية مذهبية.
تماماً كما حدث إبّان معركة عرسال في آب 2014، تحت كلّ اللافتات والشعارات نفسها، حتى تمكّنت التنظيمات الإرهابية من أسر عدد من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي واصطحبتهم معها من البلدة المذكورة إلى الجرود، وبمساعدة بعض أبناء البلدة الخارجين عن خطها الوطني وتاريخ أبنائها النضالي في صفوف الأحزاب الوطنية والقومية وفي سبيل نصرة القضية الفلسطينية.
وتماماً أيضاً، عندما شهد وسط بيروت اعتصام أكثر من نصف اللبنانيين حول السراي الحكومي، للمطالبة بحقوقهم السياسية والمعيشية وإسقاط حكومة فؤاد السنيورة البتراء والمخالفة لأحكام الدستور لجهة كيفية تكوين السلطة. آنذاك هبّت قوى 14 آذار بيافطات دينية ومذهبية للدفاع عن السنيورة، وتقاطرت الأفواج الدينية إلى السراي الذي حوّله السنيورة مكان إقامة دائمة له ولعدد من وزراء حكومته، لمبايعة الأول، وتحوّل السراي شبه مسجد تؤم فيه الصلاة جماعةً وتلقى خلالها الخطب الدينية لتجييش أنصار «المستقبل» والجمعيات التي تدور في فلكه ضدّ المعتصمين.
هذا الجوّ نفسه موجود الآن، وإنْ بشكل غير ظاهر وفاضح، كما كان في السابق، وذلك بالتزامن مع طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التحقيق القضائي في قضية خطف العسكريين عام 2014 في ظلّ حكومة الرئيس تمّام سلام، وإلاّ ما معنى خروج الأصوات التي تؤكد عدم مسؤولية أيّ قوى سياسية أو دينية أو حكومية في القضية قبل بدء التحقيق؟ هذا لا يعني اتهاماً أيضاً لأحد، خصوصاً للرئيس سلام، لكن لماذا افتعال جوّ ضاغط على القضاء قُبيل نظره في قضية وطنية كبرى تطال الجيش بعناصره كلهم، ومن مختلف الرتب؟