ترامب يغمز للروس من قناة النووي الإيراني
روزانا رمّال
وحده الاتفاق النووي بين الإيرانيين والغرب مؤشر التقدّم بالعلاقة بين الأميركيين والروس، فواحدة من الدول المفاوضة لا تنكر أن نجاح التوصل الى اتفاق بعد عقد من الصراع السياسي بين إيران والعالم كان نتيجة الجهد الاستثنائي لثنائية دبلوماسية لافتة قوامها وزير خارجية الولايات المتحدة السابق جون كيري ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف.
الاتفاق النووي بين إيران والغرب ليس اتفاقاً سياسياً عادياً ولا يعني فقط العلاقة بإيران أو النظرة «المعدَلة» نحوها فهو عنوان عريض لرسم صورة التوازنات السياسية الإقليمية والدولية التي تغيّرت جدياً لأول مرة بعد ما أفرزته مرحلة أحداث 11 ايلول وما خطّط له الأميركيون من تقدّم نحو الشرق الأوسط مباشرة ودخول افغانستان والعراق في وقت كانت روسيا «الجديدة»، تتحضّر تدريجياً لعودة قوية لنفوذها الذي كان الاتحاد السوفياتي قد شكّله في مرحلة سابقة، وحينها كان الرئيس الروسي «الواعد» الرئيس الحالي فلاديمير بوتين يحمل الكثير من أجل روسيا وكانت مراكز البحوث الأميركية قد قدمت رؤيا لفجر جديد ستدخله روسيا بعد استقالة الرئيس بوريس يلتسن العام 1999 وانتخاب بوتين في 26 آذار من العام 2000 رئيساً لروسيا الاتحادية ثم تولّيه منصبه رسمياً في 7 أيار من العام نفسه.
تطوّرات إقليمية كبيرة بينها تحرير جنوب لبنان عام 2000 كأول هزيمة «إسرائيلية» أشرت إلى مخاطر وجودية بالنسبة للكيان «الإسرائيلي» عند الإدارات الأميركية المتعاقبة لتنتج عنها مطالبة «إسرائيلية» بعناية أميركية مطلقة، ولو تطلّب الأمر شنّها عمليات عسكرية مباشرة أو حضورها إلى المنطقة لتأتي أحداث 11 ايلول التي تضع بمرور «الزمن» علامات استفهام عن إمكانية أن تكون عمليات غير «عفوية « أي محسوبة، خصوصاً أنه لم يتكرّر بحجمها من جديد، إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية فعلاً هدفاً «ثابتاً» عند جماعات التطرّف. وبغض النظر عن كل ما يُقال حول عمليات 11 أيلول أكانت فعلاً مفاجأة لإدارة الرئيس جورج بوش أم لا، فإن الاهم هنا ان «المبرر» كان حاضراً كي يدخل الأميركيون الى افغانستان والعراق ويقتربوا من النفوذ الروسي ويسيطروا على منابع النفط.
يتحدث الرئيس دونالد ترامب اليوم بلغة استفزازية اعتاد عليها الإيرانيون من كل المسؤولين الأميركيين المتعاقبين بما يخص الملف النووي، كاشفاً انه توصل لقرار بشأن ما إذا كان سيلغي اتفاق إيران النووي مع امتناعه عن الإفصاح عن هذا القرار لتردّ إيران عبر مسؤول كبير لـ «رويترز» إنها مستعدة لكل السيناريوات إذا انسحب ترامب من الاتفاق النووي ليتابع وزير خارجيته ريكس تيلرسون ضمن السياق نفسه، بالقول تجب «إعادة النظر» بالاتفاق النووي مع إيران. وهو كلام المرشحة الأميركية الديمقراطية هيلاري كلينتون في وقت كان ترامب قد هدّد في حملته بأنه سيلغي الاتفاق ليعدل عن ذلك حتى الساعة.
الأسباب التي تجعل من ترامب يتمسك بالاتفاق كثيرة، بينها المصالح الأوروبية التي كرّت سبحتها اقتصادياً وتجارياً وسياسياً أخصها بين إيران وفرنسا، لكن الأهم هو ان هذا الاتفاق هو نواة العلاقة الجديدة بين الأميركيين والروس، واذا كان الإيرانيون قد اعتادوا على تصريحات أميركية من هذا النوع، فإن روسيا تدرك جيداً ان هذه التهديدات موجهة إليها كعراب لهذا الاتفاق. اللافت ان تصاعد الحديث عن الملف يأتي بعد العلاقة الأميركية الروسية السيئة نتيجة قضية طرد الدبلوماسيين الأميركيين من روسيا، وفي وقت تزدحم فيه شروط إقفال الملف السوري وتزداد مطالبات «الاسرائيليين» من اللاعبين الكبار واشنطن وموسكو، خصوصاً بشأن مصير الجنوب السوري والحدود والوجود الإيراني وحزب الله فيهما او في سورية بالمجمل.
بهذا الإطار تبدو روسيا ثابتة في مسألة دعم حلفائها وعدم تمرير التسويات جزافاً في وقت بدت زيارة نتنياهو لموسكو فاشلة لجهة إقناع الروس بضرورة التخلي عن إيران وحزب الله بشروط محددة تطمئن «إسرائيل»، مع العلم ان لروسيا رغبة بلعب دور الوسيط لكن ضمن ما يحترم حساباتها وشروطها التي لا تلتقي «حالياً» مع «الاسرائيليين». دبلوماسي روسي رفيع اكد لـ«البناء» أن هذا الامر لن يحصل أي تخلٍّ من روسيا عن حلفائها في سورية، فموسكو ستراعي مصالح حلفائها في سورية، وهي دخلت الحرب معهم على هذا الأساس وتخرج منها بالإطار نفسه.
الرئيس الفرنسي أحد المتضررين من الغاء الاتفاق هو احد الرؤساء الواقعين ضمن منظومة عمل الادارات الأميركية كحليف أوروبي أساسي، لكن كلامه وحرصه على الاتفاق يؤثر بدوره ومن شأنه إرسال رسالة تهدئة لروسيا، وكأن الموقف الفرنسي بضرورة الحفاظ على الاتفاق هو أحد اوجه المواقف الأميركية، بحيث لا تمانع واشنطن بالحفاظ عليه، فيما لو تم الاتفاق مع الروس على باقي مصالحها في مجمل الملفات، فكيف بالحال إذا كانت تجربة شراكة الأميركيين والروس في اقتسام الحلول تجربة جديدة على الأميركيين الذين يقتنعون بصعوبة بنهاية الأحادية السياسية القطبية؟
الرئيس بوتين لم يحضر الى نيويورك، فهو لا يريد لقاء الرئيس ترامب، حسب المعلومات في رسالة متشنّجة للأميركيين يعبر عن استعداد روسيا لتخفيض مستوى التعاون مع الأميركيين وإعادته إلى الوراء. على أي حال يبقى الغمز من قناة إيران المؤشر الأكثر دلالة على تراجع العلاقة راهناً بين بوتين وترامب من دون أن تعني استعداد الغرب لنسفه.