البرزاني يستسلم للمعادلة الجديدة: النفط… والمناطق المتنازَع عليها في عهدة بغداد أمر عمليات أميركي: المشنوق وزهرا على باسيل… والسنيورة وعدوان… على سلامة!
كتب المحرّر السياسي
لم تنجح محاولات تصوير التسليم والتسلّم بين داعش و«قوات سورية الديمقراطية» في الرقة جزءاً من النصر في الحرب على الإرهاب وقد تمّ نقل مسلحي داعش إلى خطوط الاشتباك مع الجيش السوري وحلفائه، ولا نجحت العملية في تعويم الميليشيا الكردية لتعزيز حظوظ الانفصال، بعدما تلقى مشروع الانفصال الأصلي في كردستان العراق صفعة، أجبرت صاحب المشروع مسعود البرزاني على الاستسلام لمعادلة تسلّم حكومة بغداد النفط والمناطق المتنازع عليها، وبدا خلال ثمانٍ وأربعين ساعة أن قرار انسحاب البشمركة لصالح الجيش العراقي والحشد الشعبي كأساً مرّة على البرزاني تجرّعها من دون الاختباء وراء تخوين الاتحاد الوطني الكردستاني المتمسك بلغة التوافق والحوار مع بغداد والرافض خطوات انفرادية تلعب لعبة فرض الأمر الواقع.
تراجع حظوظ المشروع الأميركي المتخفّي وراء الميليشيا الكردية في سورية، بسبب دنوّ ساعة سقوط داعش من جهة، وتلاقي الجيشين السوري والعراقي ومعهما الحشد الشعبي وقوى المقاومة على خط الحدود السورية العراقية من جهة ثانية، وسقوط الرهانات على المشاريع الانفصالية من جهة ثالثة، دفعت لغة التصعيد الأميركي «الإسرائيلي» إلى الواجهة، تحت مفردات متعدّدة، بينما دول وقوى محور المقاومة تفرض معادلاتها في الميدان، حيث إيران ماضية في تثبيت إنجازها السياسي في معركة الاتفاق النووي، ببقاء الأميركي وحيداً من دون حلفائه التقليديين، خصوصاً في أوروبا، بينما سورية تفتتح باب معادلة ردع جديدة تستنفر عناصر القلق «الإسرائيلية» كلّها باستهداف الطائرات «الإسرائيلية» في الأجواء اللبنانية.
هذا الفشل وعلاقته بالتصعيد كان عنوان مواقف رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو في مقاربته للتطورات التي يدفع بها الأميركي و«الإسرائيلي» بعد سقوط النسخة الأولى من مشروع الهيمنة، ونسخته الثانية الهادفة للتفتيت والتقسيم، داعياً الحكومة اللبنانية للتنسيق مع سورية ومواجهة أخطار استهداف السيادة اللبنانية، معتبراً أنّ الأولوية لا تزال لتحصين الإنجازات المحققة في سورية والعراق.
مصادر متابعة لمسارات المشروع الأميركي في المنطقة، توقفت أمام المشهد السياسي اللبناني الراهن، لتقول إنه في لبنان يجد المشروع الأميركي فرصه التي يضيّعها في المنطقة، كما ظنّ في العام 2006 عسكرياً بالحرب التي خاضها بالواسطة «الإسرائيلية»، كما كشفت يومها وزيرة الخارجية الأميركية غونداليسا رايس، ليحاول خوضها سياسياً هذه المرة بواسطة تحالفات ظهر التناغم المريب في خطابها ورفع سقوفها. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية حملة متواصلة ومنظمة لوزير الداخلية نهاد المشنوق على وزير الخارجية جبران باسيل اتخذت من لقائه بوزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك ذريعة، ترضي السعودية، لكنها تقع وفقاً لمصادر مطلعة في مكان آخر، هو المكان ذاته الذي قصده النائب القواتي أنطوان زهرا، تحت ذريعة الدفاع عن مصالحة الجبل مدغدغاً النائب وليد جنبلاط والكنيسة المارونية، لكن للغرض ذاته الذي يفسّر إصرار المشنوق على مواصلة التصويب على باسيل. وهو ما وصفته المصادر بأمر عمليات أميركي للضغط على التيار الوطني الحر، طلباً لتعاونه في تمرير خطة العقوبات الهادفة لمحاصرة حزب الله والمقاومة من خلاله، وهو أمر العمليات ذاته الذي استهدف مصرف لبنان، بتناغم بين رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائب جورج عدوان، بفتح ملف عمره عشرين عاماً، لم يعُد مهماً ما الصواب والخطأ فيه، بقدر التساؤل عن خلفيات الانتقال من سياسة الصمت إلى الإثارة، إذا كان صحيحاً، وخلفيات الافتعال إذا كان مفبركاً، فلماذا الآن؟، تقول المصادر، لأنّ المطلوب من مصرف لبنان تخطي الضوابط التي وضعها في التعامل مع منظومة العقوبات الأميركية.
قانصو: لتحصين الإنجازات بمواجهة مخطّطات التقسيم
شدّد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير علي قانصو على أنّ الأولوية هي للإنجازات التي تتحقق في سورية والعراق، ولتحصين هذه الإنجازات في مواجهة الإرهاب ومخططات التفتيت والتقسيم.
و خلال استقباله وفدين، الأول وفد الهيئة الإدارية للمجلس النسائي اللبناني برئاسة إقبال دوغان، والثاني من حركة الإصلاح والوحدة برئاسة الشيخ ماهر عبد الرزاق، اعتبر قانصو أنّ «التصعيد الأميركي ـ الصهيوني المزدوج، ضدّ دول المقاومة وقواها، هو تعبير عن الفشل الذي أصاب مشروع الهيمنة والتفتيت الذي استهدف تحويل المنطقة كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية متنابذة ومتناحرة، وليشكل قيامها تأبيداً للاحتلال الصهيوني العنصري الاستيطاني».
وحذّر قانصو من مغبّة تورّط بعض العرب وقوى الداخل في حملات التصعيد الخارجي، ومن ارتدادات هذا التورّط على أمن المنطقة واستقرارها.
وندّد قانصو بالعدوانية الصهيونية، ضدّ لبنان وسورية، مشيراً إلى أنّ خرق «إسرائيل» للسيادة اللبنانية بصورة دائمة ومستمرة، يحتّم على لبنان اتخاذ الإجراءات كافة لوقف هذه الاستباحة.
وتساءل قانصو عن الأسباب التي تدفع الحكومة اللبنانية إلى الامتناع عن التنسيق مع نظيرتها السورية بخصوص ملف النازحين، معتبراً أنّ ما نسمعه بهذا الخصوص من قوى معروفة بمواقفها، غير منطقي ولا يصبّ في مصلحة لبنان واللبنانيين.
وأفرد قانصو خلال لقاءاته، حيّزاً للحديث عن أهمية دور المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية.
جلسة مناقشة الموازنة
وفي حين بقيت الساحة الداخلية تحت تأثير ارتدادات عاصفة السجالات وحرب البيانات والردود بين التيار الوطني الحر من جهة وتيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي من جهة ثانية، على خلفية أزمة النزوح والعلاقات مع سورية وكلام وزير الخارجية جبران باسيل عن مصالحة الجبل، خطفت ساحة النجمة الأضواء يوم أمس، وتحت قبة البرلمان ومظلة التوافق السياسي والتسوية المالية اللذين يحكمان المعادلة الداخلية حتى إشعار آخر، غاص المجلس النيابي أمس وعلى مدى جلستين صباحية ومسائية في أرقام وحسابات واعتمادات مشروع موازنة 2017 بعد انقطاع نيابي عن مناقشة وإقرار الموازنات العامة لمدة اثني عشر عاماً.
وبدأت الجلسة الصباحية بتجديد المجلس النيابي لهيئة مكتبه وأعضاء ورؤساء اللجان ومقرّريها، ثم تلى رئيس لجنة المال والموازنة تقرير اللجنة عن مشروع الموازنة، مشيراً إلى أن «مشروع قانون الموازنة تضمن 76 مادة موزعة على 4 فصول وافتقر الى الشمول المكرّس دستورياً بنص المادة 83 من الدستور، وقانونياً بنص قانون المحاسبة العمومية»، مضيفاً: «لا القروض تدخل في الموازنة، ولا نفقات الهيئات والمؤسسات والمجالس التي تعمل لصالح الدولة تدخل في الموازنة أيضاً». لافتاً الى «العرض الذي قدمه وزير المالية يظهر أن نسبة العجز إلى إجمالي النفقات 30,79 نسبة الواردات إلى الناتج المحلي 19,68 ونسبة النفقات الإجمالية إلى الناتج المحلي 28,44 الناتج المحلي /83.236/ مليار ليرة نسبة العجز إلى الناتج المحلي 8،76 »، مؤكداً ان «لجنة المال توصلت إلى تعديلات تناولت مشروع قانون الموازنة والاعتمادات المخصصة لبعض أوجه الإنفاق وواردات المشروع الذاتية منها والاستثنائية».
ثم تناوب النواب على إلقاء الكلمات وتسجيل ملاحظاتهم على ما تضمّنه التقرير وتمحورت حول ضرورة مكافحة الفساد وخلق نمو في الاقتصاد وتحقيق توازن بين الواردات والنفقات.
أما المضحك المبكي فهو ما ردده أكثر من برلماني بأن المجلس النيابي يناقش موازنة صرفت نفقاتها في وقتٍ من المفترض أن يناقش مشروع موازنة 2018.
وقالت مصادر نيابية لــ «البناء» إن «مشروع الموازنة متفق عليه مسبقاً لا سيما داخل لجنة المال والموازنة التي تمثل معظم الكتل الرئيسية، الى جانب اتفاق بعبدا الذي تضمن ربط إقرار قانونَيْ السلسلة والضرائب بإقرار الموازنة»، مشيرة الى أن الموازنة ستُقرّ بعد التصويت عليها في جلسة الخميس المقبل من دون أي عقبات بعد تذليل عقدة قطع الحساب وتأمين المخرج القانوني لذلك».
لجنة تحقيق في حسابات مصرف لبنان!
وكشف عضو كتلة «القوات» النائب جورج عدوان عن فضيحة مالية في مصرف لبنان المركزي، حيث اتهم عدوان المصرف بأنه لم يدفع المستحقات للخزينة لمدة 20 عاماً، مطالباً وزير المال بكشف حسابات المركزي وإطلاع المجلس النيابي على أرباح مصرف لبنان، ما استدعى تدخل رئيس المجلس النيابي نبيه بري طالباً من عدوان تقديم طلب لرئاسة المجلس لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، ووعد عدوان بأنه سيقدّم طلباً بهذا الشأن.
وردّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عدوان، مؤكداً أنه «لم تمضِ أي سنة في السنوات العشرين لم يقدّم فيها مصرف لبنان على دفع ما يتوجب عليه وتقديم قطع حساب لوزارة المالية»، منوّهاً بأنّ «مصرف لبنان خلال الفترة الّتي تحدث عنها عدوان، حوّل إلى الخزينة 4 مليارات و500 مليون دولار، وزاد أمواله الخاصة من 60 مليون دولار إلى 3 مليارات دولار».
وقالت مصادر مالية مطلعة لـ «البناء» إن «مصرف لبنان يجري كل عام عملية قطع حساب ويحول الأرباح إلى وزارة المال»، وأوضحت أن «أموال المصرف منذ عشرين عاماً كانت تقدر بـ 75 مليون دولار والآن أصبحت ثلاثة مليارات و500 مليون دولار نتيجة الأرباح التي حققها من خلال قبوله الودائع من المصارف ويدفع عليها فوائد، كما يقوم بعمليات مفتوحة مع الأسواق».
وأضافت المصادر: «المصرف المركزي حوّل الى الخزينة العامة 45 مليار و500 مليون ليرة منذ عشرين عاماً، كما أنه يؤمن دعم عجز الخزينة بالدولار الأميركي، وبالتالي يدفع فرق العملة ويغطي خدمة الدين بالدولار ويدفع فرق القطوعات، كما أنه ومؤسسة الضمان الاجتماعي يملكان 50 في المئة من الدين العام للدولة الذي يشكل 145 في المئة من الناتج المحلي».
ولفتت المصادر الى أن «كلام عدوان ينمّ عن جهل في المعطيات والأرقام المالية»، مشيرة الى «أن تماهي الرئيس فؤاد السنيورة مع عدوان هو تمثيلية منسّقة لنشر الهلع بين المواطنين والتخويف بتدهور الوضع الاقتصادي وضرب الثقة بالدولة والحكومة ومحاولة ابتزاز رئيس الجمهورية وحزب الله. وتأتي في سياق التهديد بتداعيات العقوبات الأميركية المالية السلبية على لبنان والتهديد بانهيارات مالية واقتصادية آتية». وتساءلت المصادر: مَن يقنعنا بأن السنيورة لا يعرف هذه الأرقام والمعطيات عن مصرف لبنان؟
حفلة رسائل ومزايدات وانتخابات
وتحوّلت جلسة مناقشة الموازنة الى حفلة رسائل ومواقف ومزايدات سياسية وانتخابية وشعبوية، لا سيما مواقف النائبين انطوان زهرا وأحمد فتفت اللذين ردّا على الوزير باسيل من دون أن يسمّياه، في ما يتعلق بموقفه من مصالحة الجبل، فرأى زهرا أن «إنجازات ومحطات بحجم التاريخ، صنعها كبار على رأسهم البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، المسّ بها ممنوع ولا نقبل أن تكون محل جدال او مراجعة». أما فتفت، فصوّب على سلاح المقاومة ودافع عن الإرهابي المحكوم أحمد الاسير وشنّ هجوماً على المحكمة العسكرية مهدداً بالبلاء العظيم، وأشار الى أن «وجود سلاح خارج الدولة لا يمكن أن يؤمّن الثقة»، ودعا الى «وقف المزايدات في مسألة التوطين»، سائلاً «أيعقل ان يقول البعض عن نفسه إنه عنصري؟ هذا كلام مؤذٍ داخلياً وخارجياً، والبعض ينبش القبور وكأنه اشتاق الى الحرب الاهلية».
وحاول فتفت ومن بعده النائب خالد الضاهر في الجلسة المسائية استفزار فريق المقاومة واستدراجهم الى ردود أفعال لتوتير الأجواء، لكن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض رفض الدخول في سجالات مع أحد في ظل التوافق السياسي السائد في البلد. وأشار فياض الى أن مواقف رئيس الجمهورية تجاه القضايا الكبرى الوطنية والاستراتيجية أظهرت مقدار ما يمثله من ضمان وطني كبير، وموقع يعكس العزة والاستقلال، ومع كل ذلك، يشعر اللبنانيون بأن معدلات الفساد لم تتراجع، وأن من يملك النفوذ، سواء أكان سلطة أم مالاً، قادر على أن يفعل ما لا يمكن فعله في إطار القانون وان حقوق المواطنين العاديين غالباً ما تتعرض للابتزاز في الدوائر والإدارات، بل إن لدى الرأي العام اللبناني انطباعاً أن ممارسة الفساد تزداد احترافاً وقدرة على التلطي بالقانون».
ورفع الرئيس بري الجلسة المسائية لمناقشة الموازنة على أن تعقد صباح اليوم.
سجال باسيل المشنوق متواصل…
على صعيد آخر تواصل السجال بين باسيل ووزير الداخلية نهاد المشنوق، وقد أوضح وزير الخارجية عبر تويتر، قائلاً: «أنا قلت في رشميّا وأكرّر انّ المصالحة لا خوف عليها، لأنها بين الناس وهي أقوى من ان تسقطها القوى السياسية، ولكن العودة لا تكتمل إلا متى كانت نفسية وسياسية إدارية واقتصادية… وهي لم تكتمل بعد. وهذه هي الحقيقة. ونحن سنعمل بالمصالحة على استكمالها». أما في ما يتعلق بإشكالية تصويت لبنان ضد مصر في انتخابات الاونيسكو التي أثارها وزير الداخلية، فقال: «لمن لا يريد أن يفهم: لبنان لم يصوّت لقطر ضد مصر، لبنان أبعد نفسه عن المشكلة كما ينص البيان الوزاري بعد أن عجز عن تأمين التوافق العربي».
في المقابل ردّ المشنوق في تصريح، وأشار الى أن «مشكلتي مع وزير الخارجية جبران باسيل ليست مشكلة شخصية»، معتبراً أنه يكون أعمى من لا يرى أن هناك مشكلة في السياسة الخارجية، وهناك مشكلة سياسية على القوى المعنية ان تجلس بينها وتحلّها». وأوضح المشنوق أن «الخلاف السياسي مشروع وليس جريمة، وبموضوع النازحين نحن قريبون جداً في آرائنا أنا وباسيل، لكن بموضوع سياسة التعامل مع النظام السوري هناك خلاف استراتيجي مع باسيل».
وعن تصريحه ضد باسيل، لفت المشنوق الى «أنني لم اتشاور مع رئيس الجكومة سعد الحريري بالموضوع. وأنا أقول رأيي في مشكلة سياسية أراها أمامي».
وفي حديث تلفزيوني آخر، أوضح المشنوق أن «سبب عدم انعقاد اجتماع لجنة الإشراف على الانتخابات النيابية هو استمرار الجلسة التشريعية لمناقشة الموازنة حتى الساعة الرابعة». وأكد أن «الانتخابات ستُجرى في موعدها استناداً إلى القانون الجديد وكل كلام غير ذلك يعرّض الأمن السياسي للخطر».
في المقابل أكد وزير المال علي حسن خليل في حديث تلفزيوني، «أننا ملتزمون بالقانون الجديد وإجراء الانتخابات في موعدها. وهذا أمر محسوم لا نقاش فيه»، مشيراً إلى «أنني لا أعلم لمَ تمّ إلغاء اجتماع لجنة الإشراف على الانتخابات ، وتبلّغت الأمر فقط لا أكثر».