قمة طهران تعزّز الاستقرار
أسامة العرب
شهدت العاصمة الإيرانية طهران، الأربعاء الماضي، قمّة ثلاثيّة جمعت بين الرئيس حسن روحاني، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والأذري إلهام علييف. والقمّة الثلاثية، التي جمعت الرؤساء الثلاثة للعام الثاني، انتهت ببيان مشترك شدّد على ضرورة التعاون بينهم في مختلف المجالات، وتقرّر إنشاء صندوق للاستثمار المشترك بين الدول الثلاث، من أجل تعزيز قوتها في المجالات الاقتصادية، وتعزيز إمكانيات التعاون في مجالات أخرى، مثل الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب.
ينظر إلى زيارة بوتين لطهران كدعم في مواجهة الضغوط الأميركية الجديدة، خاصة أنها تضمّنت بحث آخر الإجراءات لإنشاء مفاعلَيْن نوويين جديدين في بوشهر، ولأنّ الرئيس بوتين التقى مرشد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي وأكدا معاً أهمية التعاون بين إيران وروسيا لتسوية الأزمة في سورية، ومقاومة الإرهاب التكفيري في المنطقة، والاستفادة من تجارب السنوات الماضية في القضايا الإقليميّة والثنائية لتعزيز وتوسيع العلاقات.
ولا ينبغي التقليل من شأن موقف الرئيس الروسي حيال رغبته ببناء مفاعليْن نوويين جديدين في بوشهر في هذا الوقت بالذات، لا سيما أنها تهدف لمنع الكونغرس الأميركي من سنّ تشريع يطالب بتعديل الاتفاق النووي. ولهذا استبقت روسيا الأمر، معربةً على لسان نائب وزير خارجيتها، سيرغي ريابكوف، أنّ مسؤولية إفشال الاتفاق النووي الإيراني سوف تقع بشكل كامل على عاتق الولايات المتحدة، وأنه ينبغي على واشنطن أن تدرك العواقب الكارثية لهذه الخطوة. ومشيراً إلى أنّ التغييرات والإضافات والتعديلات على الاتفاق الحالي غير ممكنة، لأنها تحمل توازناً دقيقاً للمصالح والتسويات. واللافت هنا، والذي لا يعيه البعض، بأنّ «قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني» الأميركي، يُلزم الرئيس الأميركيأمير بأن «يُقرّ» كلّ 90 يوماً أمام الكونغرس بأنّ إيران تحترم الاتفاق بشكل كامل وبشفافية، وبأنها ليست مسؤولة عن انتهاكات مادية له، وبأنها لم تطوّر برنامجها النووي العسكري لامتلاك سلاح ذرّي، وبأنّ الاتفاق يبقى حيوياً بالنسبة إلى مصلحة الولايات المتحدة وأمنها القومي. وما لا يعرفه إلا قليل، بأنّ الرئيس دونالد ترامب قد صادق بالفعل على التزام إيران بالاتفاق مرتين في نيسان وتموز من السنة الحالية.
وعموماً، فإنّ العلاقات الإيرانية – الروسية شهدت بعض اللحظات التاريخية الفارقة، منها على سبيل المثال، تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكذلك بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية وفي عام 1989 عندما كشفت زيارة هاشمي رفسنجاني لموسكو، عن وجود وجهات نظر مشتركة بين البلدين في الشؤون الإقليمية والدولية على مستوى القضايا الرئيسية. ومنذ عام 2000 وتولي الرئيس فلاديمير بوتين السلطة، قام الرئيس الجديد بتطوير العلاقات مع طهران بشكل كبير، ومن ذلك تشكيل تكتّل معارض معها لسياسة الولايات المتحدة يضمّ الصين والهند والبرازيل، لإعادة خلق نوع من التوازن في العلاقات الدولية ولإنهاء سياسة القطب الواحد الأميركية. كما تمثِّل إيران اليوم بالنسبة لروسيا شريكاً استراتيجيّاً، وتقدّم لها الدعم في «الشرق الأوسط» فيما تتلقى منها دعماً مقابلاً في القوقاز وآسيا الوسطى.
وليس من باب الصدفة أن ترى بأنّ مواقف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تتمحور حول التهديد الروسي – الإيراني لمصالح «إسرائيل» في المنطقة، وبأنها تقوّي النظام في طهران الذي بات يشكّل تهديداً مركزياً للأمن القومي «الإسرائيلي»، لا سيما بعد مفاعيل انتصار محور المقاومة على الإرهاب التكفيري. وليس من باب الصدفة أن ترى رئيس البيت اليهودي ووزير التعليم «الإسرائيلي» يشدّد على أنّ «إيران النووية خطر وجودي على إسرائيل»، وأنّ «سقوط صاروخ نووي إيراني على إسرائيل هو إبادة. وأنه في المقابل، فإنّ أيّة ضربة «إسرائيلية» في إيران هي ضربة قاسية، لكنها لن تكون إبادة»، وأنّ «إيران النووية ليست مثل أيام الحرب الباردة»، بل إنّ «إيران النووية لا يقتصر تهديدها على «إسرائيل» والمجتمع «الإسرائيلي»، وإنما على الفكرة الصهيونية بالكامل» فيما يؤكد رئيس مركز الدراسات السياسية الروسية ليونيد ايفاشوف أنّ إيران تشكل حائلاً دون تحقيق الولايات المتحدة مساعيها لتأزيم المنطقة. وبأنها تسعى إلى إضعاف دور إيران، لأنها تلعب دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار في المنطقة.
وهنا، يقتضي التنويه بأنّ إيران لا تشكل وحدها خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، وإنما روسيا أيضاً، وذلك منذ أن بدأت «إسرائيل» بتمويل وتسليح أعداء روسيا، ففيما كانت الحرب دائرة بين روسيا وجورجيا، تمّ الكشف عن 1200 خبير عسكري «إسرائيلي» في جورجيا وصادرات «إسرائيلية» لجورجيا بقيمة 5 مليارات دولار، وإبان أزمة القرم هدّد بوتين بشكل صارم «إسرائيل» من مغبّة بيع طائرات بدون طيار إلى أوكرانيا، مشيراً إلى أنه سوف يقلب الموازين، وبعدها سارع نتنياهو إلى إلغاء الصفقات مع أوكرانيا مخافةً من تنفيذ بوتين لتهديداته.
وفي المجمل، فإنَّ الكثير من المزايا الأمنية والاقتصادية والعسكرية من الممكن أن تحققها روسيا ومحور المقاومة لاستقرار المنطقة، ولمواجهة التهديدات «الإسرائيلية». وبدون تحوّل سياسي كبير في العلاقات الدولية، فإنّ العلاقات مع روسيا ستكون الأقوى وسيحدث تنسيق كبير في العديد من ملفات المنطقة. ومن ثمار هذه العلاقات المتينة مع روسيا، أنّ مشروع الإرهاب التكفيري قد هُزم وتفتيت سورية والعراق وتصفية القضية الفلسطينية على أساس أرض بديلة في سيناء لم يعُد أمراً بالحسبان. ولهذا، تجد بأنّ نتنياهو يشدّد على ترامب، ضرورة زيادة حجم تدخله في المنطقة. ويشدّد على ضرورة أن تؤدّي الإدارة الأميركية دوراً فعّالاً في كلّ ما يتعلق بالمحافظة على مصالح الأمن القومي «الإسرائيلي» في الاتفاقات والواقع الذي يتبلور في الساحة، وعدم إبقاء الملعب لإيران وحلفائها.
كذلك، فمن ثمار العلاقة مع روسيا، أنّ الثقة بأميركا تتآكل باستمرار نظراً للرجوع عن التعهّدات والوعود أمام مقتضيات المصالح القومية الأميركية، حتى «إسرائيل» المدللة لدى الولايات المتحدة وهي الحليف النوعي والاستراتيجي الدائم بغضّ النظر عن الإدارات والرئاسات، باتت تجد نفسها مضطرة للخضوع لإملاءات محور المقاومة، لا سيما بعدما انهار مشروعها التكفيري، وسقطت داعش وأخواتها، وانهارت أحلامها بالهيمنة الإقليمية على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقضم أجزاء من دول الجوار، والتمدّد والتوسّع من خلال دولة الخرافة، التي أعدّت من أجل مصادرة الموارد الطبيعية في الدول المجاورة، وبيعها لها بأبخس الأثمان.
إنّ ما تقدّم، معناه بأنّ المرحلة المقبلة ليست مرحلة حرب إقليمية، وإنما مرحلة استقرار وثبات، ولن يُعاد فرض العقوبات على طهران، خوفاً من أن تؤدّي خطة العمل الإسرائيلية الأميركية لانهيار الاتفاق بالكامل إذا فشلت محاولات التفاوض الجديدة. الأمر الذي من شأنه أن يظهر إدارة ترامب وكأنها عاجزة أمام طهران، وأنّ دبلوماسيتها فاشلة. لا سيما أنّ طهران استبقت الأمر وأعلنت على لسان رئيس برلمانها علي لاريجاني، أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع بلاده فسيعني هذا انهيار الاتفاق الدولي بالكامل.
وأخيراً، إنّ واحداً من صُنَّاع السياسة الخارجية الإيرانية، وممن يَعون المتغيّرات الحاصلة على الصعيد الدولي، وهو وزير الخارجية السابق د. علي ولايتي، سبق أن قال حكمة بليغة أن العلاقات بين إيران وروسيا وسورية، هي علاقات استراتيجية، وأنّ مستقبل المنطقة بيد هذا المثلث. غير أننا نحبّذ أن نضيف على ذلك، لبنان وفلسطين والعراق، لأنّ هذه الدول تُشكّل معاً المسدّس لا المثلث الذي يرعب «إسرائيل».
محامٍ، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً