تشويش «إسرائيلي» سياسي وعسكري على الحلول عبر ربط «الملفات»
روزانا رمّال
في الوقت الذي تتصاعد فيه موجة الحديث عن اقتراب الحلّ السياسي في سورية من قنوات دبلوماسية وسياسية إقليمية ودولية، وفي الوقت الذي تتحضّر فيها الدول الكبرى لافتتاح مرحلة جديدة في سورية قوامها البحث في إعادة الإعمار ووضع خطط مناسبة للدول المشاركة بين مطامع ومكاسب وحسابات الدولة السورية العليا، تدخل «إسرائيل» منفردة هذه المرّة كاشفة أوراقها في الحدود السورية مع فلسطين المحتلة «حضر»، بدعم غير مشروط للمسلحين، وقبلها بقصف «إسرائيلي» هو اعتداء من أصل سلسلة اعتداءات طالت سورية منذ الأزمة، وبالتوازي مع كل ذلك استهداف قيادات للمقاومة الفلسطينية في ما بدا مسعىً إلى إحراج قوى الحل الفلسطيني الفلسطيني، وهي مصر ومن ورائها من مساعٍ لتقريب الأطراف الفلسطينية وتصحيح مسار طويل من العلاقات التي ساءت بدورها تأثراً بالأزمة السورية وبأزمة الإرهاب ككل، حيث تلعب مصر دوراً أساسياً في الاصطفاف السياسي لجهة قطيعة الجهات التي تدعم الإرهاب، وبينها حركة حماس التي اتهمتها القاهرة بأعمال إرهابية مباشرة مدعومة من حركة الاخوان المسلمين حتى نقلها المشهد برمّته نحو المصالحات.
المصالحة الفلسطينية الفلسطينية تشكّل في ما تشكل مسعى إقليمياً ما كان ليكون لولا أن الأجواء الإقليمية تبدّلت وتغيّرت كثيراً لجهة المشهد السوري وقبله المصري، فيما بدا اقتراب وضع الحرب أوزارها ما يحتم إعادة إيجاد صيغة لتقبل الحلول السياسية في الملفات كلها، لأنها «مرتبطة» ارتباطاً وثيقاً وتتعلّق بأدوار مساندة لدول إقليمية مثل مصر للتقدم نحو حل نهائي.
«إسرائيل» التي تدرك كل ذلك، تدرك أن ولادة حل في سورية من دون أن يتم أخذ مصالحها بعين الاعتبار هو أمر يقارب المستحيل بمنظار تل أبيب، التي سارعت إلى إرسال رسائل مباشرة منذ شهور حتى اليوم وصولاً لقصف قوى الجهاد الإسلامي والقسام لنسف المصالحة الفلسطينية أو كشف هشاشتها، ما يؤكد على عدم استعداد «إسرائيل» «لفصل» الملفات عن بعضها بعضاً، بل استعدادها الكامل لابتزاز القوى الدولية والإقليمية من أجل التوقف عند مصالحها أولاً، أكان في الملف الفلسطيني او السوري قبل التيقن من أن الأمور كلها تسير على ما يرام وبالتالي فإن استعداداً «إسرائيلياً» واضحاً لإشعال حرب في غزة او أقله تشنج واستنفار عسكري لجس نبض التعاطي مع «إسرائيل»، على الرغم من عدم إمكانية الجزم بضمان «إسرائيل» عدم الرد التصعيدي الفلسطيني او السوري على حد سواء. بالتالي فإن هذا «الانتحار» الذي تطلب ضبط باقي الأطراف النفس وعدم الانجرار وراء الهدف في دهورة الأمور يدلّ على أن الضغط عند «الإسرائيليين» صار مسألة حياة او موت. وهو ما يؤكد أن في مثل هذه الأيام وصاعداً، فإن تكرار الاعتداءات «الإسرائيلية» قد يكون مشهداً مألوفاً جداً حتى تمكنها من الحصول على ما تعتبره واقعاً مقبولاً قبل اختتام الملفات.
استفزازات «إسرائيلية» على أكثر من جبهة توحي بأن الدول الكبرى صارت جدية في مسألة الحل، وأن النهاية صارت تتطلّب مجهوداً أكبر وصارت المخاطر أعلى لجهة النزول عند الرغبة «الإسرائيلية» في المناطق الحدودية، أو أخذ الأمور الى تحدٍّ بين المحاور حتى يتم حسم المعركة بنهاية المطاف من دون التنازل من أي طرف من الأطراف لتعود فرضية التصعيد أكبر.
وعلى أن هذا الضغط الذي تعيشه «إسرائيل» صار ضغطاً سياسياً أيضاً، فإن ما يؤكده رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بن يمين نتنياهو عن نية دول إقليمية «إقامة تحالفات مع إسرائيل ومن غير الممكن تخيّلها قبل الآن بسبب الخطر الذي تشكله إيران»، هو دليل على التلويح بخيارات جدّية بناء على ما يمتلكه من أجواء لا يمكن بثها في مثل هذه الظروف التي توضع بمصاف ضمان الوجود والحيثية «الإسرائيلية»، وبالتالي فإن استخدام كل الأوراق وبينها فضح الأسرار الخارجة عن المألوف في هذا التوقيت يعتبر التوقيت المناسب «الإسرائيلي» لزيادة الشرخ والاصطفاف أولاً ولزعزعة الثقة بين الدول المقبلة على حلول، خصوصاً السعودية وهي تقصدها في الحديث عن محاولة للتقارب منها، وبالتالي فإن كسر الثقة بين الدول بعضها ببعض وتشكيكها حيال إمكانية النجاح في الجلوس مع إيران على طاولة واحدة من أجل توسيع إطار الشكوك هو أكثر ما تبتغيه «إسرائيل».
التصعيد «الإسرائيلي» مستمرّ ولا شيء يؤكد عدم قيام «إسرائيل» بكل ما يمكنها من وضع مطالبها على سلم «الأميركيين» والروس، في وقت تركت روسيا «إسرائيل» تتمادى في قصفها أهدافاً على الارض السورية، مسلمة إياها منطق عدم التدخل بالنشاط «الإسرائيلي» المتعلق بملاحقة مخازن سلاح أو غيرها من الأمور، ومن بين أسرار الحرب التي قد تكشف يوماً ما سيتبين مدى التواصل بين الأطراف كلها من أجل ضبط الحركة «الإسرائيلية» ومنحها ورقة ثقة بالطرف الروسي المقبل على مسك زمام الأمور في الحل السوري أكان في أستانة أو في جنيف.
«إسرائيل» التي لم تقبل حتى اللحظة الشروط الروسية بتقبّل دور موسكو الوسيط بين أطراف النزاع كافة، من دون المساس بمصالح الدولة السورية هي اليوم أكثر توجهاً نحو التشويش منه الى التصعيد المدروس حتى تكاد تكون جاهزة للعب على حافة الهاوية من دون الاستعداد للوقوع فيها. الأمر الذي قد يزيد الأزمة تعقيداً لجهة إحراج كافة الاطراف التي تتجه نحو الحلول وتأخذهم لوضع الردّ على «إسرائيل» وإثارة الضجيج بدلاً من التفرغ للحل السياسي.