هل أضحى الانقلاب العسكري وشيكاً في السعودية وما هو الموقف الأميركي؟
الأزمات والصراعات ترافق الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ بدء ولايته الرئاسية، وكان يتطلع بنظرة الواثق إلى فترة هدوء وأخذ قسط من الراحة بالابتعاد عنها خلال جولته الآسيوية الطويلة. ولم يخرج عن طوره في «عدم الاكتراث أو تحمّل المسؤولية» في حادث القتل الجماعي في كنيسة بولاية تكساس. أما جمهور مناصريه فلم يشذّ عن القاعدة المعهودة والمطالبة بعدم تقييد اقتناء وحمل السلاح.
في القضايا الدولية الملتهبة أظهر ترامب بعض التعديل في لهجته التصاعدية ولغة التهديد، في ما يخصّ كوريا الشمالية، وانتقل مركز الثقل الإعلامي إلى صحبته في الجولة وترقب ما قد يصدر عنه من «مبادرات» لتبريد وعيد ولهيب ترامب.
في المقابل، شدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرحال في زيارة رسمية لإيران، الأول من الشهر الحالي، رافقتها تكهّنات أميركية بـ «احتمال» عقد لقاء بين الرئيسين الأميركي والروسي بينما وسائل الإعلام الروسية أكدت مسبقاً، أنّ اللقاء تمّ الإعداد له بينهما لينضج لقاء قمة بين العظميين في فييتنام التي استضافت «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي إيبك 9 تشرين الثاني الحالي.
تكهّنات المؤسسات الأميركية كانت أنّ اللقاء سيتمّ نظراً لنضج جملة من الأمور التي تهمّ الطرفين، منها سورية.
لدى كتابة هذه السطور صدر بيان مشترك عن لقاء بوتين وترامب يؤكد التوصل إلى اتفاق أوّلي حول سورية ويرجّح تملّص ترامب من عقدة التعامل الواقعي مع روسيا في الملفات الساخنة وحالة الحصار والاتهام المفروضة عليه من معسكر العداء لروسيا في واشنطن، كما يشكل مؤشراً على بداية تيلرسون في تفعيل دور غائب للخارجية.
برزت مسألة المصير الغامض لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد توجّهه للرياض، بطلب منها، إلى صدارة الأحداث والاهتمامات، واكبها اعتقال ولي العهد السعودي لمجموعة كبيرة من الأمراء والأثرياء ومالكي وسائل الإعلام بل وبعض رجالات الدين تحت واجهة «محاربة الفساد». بيد أنّ التدقيق في آليات المعالجة الأميركية لما جرى تكشف عن جملة قضايا جوهرها العلاقة الوثيقة التي نسجها الرئيس ترامب بالعاهل السعودي ونجله، وما ترتب عليها من تعهّدات باستمرار ضخّ الأموال من السعودية باتجاه أميركا.
بداية، ينبغي التطرق لبعض ردود الأفعال الأميركية حول تصريحات وزير الدولة السعودي ثامر السبهان الخاصة بلبنان، في الآونة الأخيرة وتهديده بشنّ حرب عليه نظراً لما يحتله لبنان من مكانة جيو – سياسية في القرار الأميركي.
أحد ضباط الاستخبارات الأميركية السابق، دون بيكون، أعرب عن قلقه من «التحوّلات الجيوسياسية» في المنطقة، والتي «تسير بعكس ما تشتهيه الرياض… تصريحات السبهان تشي بأنّ أعمالاً سرية أنجزت ستستهدف حزب الله في لبنان». الأول من الشهر الحالي .
وأضاف أنّ أهمية ومركزية «ايران وحزب الله تضاعفت إقليمياً وأدّت لخسارة إضافية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بدءاً بالعراق والآن سورية..». ومضى موضحاً أنّ «الحرب آتية إلى لبنان»، رأس حربتها سيكون «التنظيم الجديد للقاعدة بعد تهيئته كتنظيم معتدل».
انقلاب القصر… لماذا؟
التوقف عند حيثيات ما جرى في وعلى رأس هرم السلطة الملكية في السعودية، في الأيام القليلة الماضية، ينطوي على سردية طويلة من التفاصيل. بيد أنّ ما يهمّنا هو تسليط الضوء على الزوايا الأميركية في كيفية تعاطيها، بل تمهيدها لما جرى من اعتقالات ومصادرة ثروات ومقتل أحد الأمراء، منصور بن مقرن، بإسقاط طائرته المروحية بصاروخ حربي من مقاتلة سعودية.
الصحافي الأميركي المخضرم في «واشنطن بوست» والمقرّب من دوائر صنع القرار السياسي، ديفيد أغناطيوس، أرسى عناصر الرواية المتداولة بالقول إنّ الأمير محمد بن سلمان «يقوم بعمل قوي جداً ومحفوف بالمخاطر.. هو يفكك نظام حكم تقليدياً، لكنه متواصل. لقد خرج الأمير الشاب بعيداً عن تقاليد الحكم السعودي..». 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي . واستطرد في تبرير دوافعه مؤكداً أنّ «الفساد في السعودية حقيقة واقعية.. يبدو أنّ ابن سلمان سيسعى لكسب شعبيته من خلال استهداف كبار الأثرياء».
الصحيفة الأكبر في أميركا «نيويورك تايمز»، ذات النفوذ البارز، اصطفت إلى جانب بن سلمان أيضاَ، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، لتبرير «حملة تطهير الفساد… فالاختلاس والسرقات متفشية لن يوقفها إلا إجراء قريب من التغيير الثوري.».
على الشاطئ الأطلسي المقابل، اعتبرت الصحيفة البريطانية «ذي غارديان» أن ما يجري في السعودية هو بمثابة «ثورة». 7 تشرين الثاني/ نوفمبر .
وكالة بلومبيرغ للأنباء، 25 نيسان 2016، أشادت بالأمير محمد بن سلمان وقدرته على مواصلة «العمل المضني لستة عشر ساعة يومياً» والذي جاء بالتطابق مع وصف المعلق الشهير في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، قائلاً: «أمضيت أمسية مع محمد بن سلمان في مكتبه، وقد أتعبني برشقات طاقته النارية المتقطعة». 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 .
باختصار، أنصار السعودية في وسائل الإعلام الأميركية، المقروءة والمرئية، اتخذوا قضية الفساد كمنبر للتدليل على «عصرية» الأمير الشاب ونزوعه للإصلاح وتجاوبه مع ما تمثله ظاهرة الفساد الملازمة للتخمة المالية كأكبر هاجس بين المواطنين.
الموقف الأميركي الرسمي تفادى الإشارة لإبن سلمان، سلباً أو إيجاباً، إلى حين مغيب يوم الخميس، 9 تشرين الثاني/ نوفمبر. الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية هذر ناويرت، اكتفت بسردية لقاء القائم بالأعمال الأميركي في الرياض، كريس هينزل، بسعد الحريري رافضة توضيح مكان اللقاء وأحالت الاستفسارات التفصيلية الى «الحكومة السعودية ومكتب السيد الحريري».
في العاشر من الشهر الحالي، أصدر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بياناً شدّد فيه على «تأييد أميركا لاستقلال لبنان واحترام رئيس حكومته سعد الحريري»، وحذّر من تحويل «لبنان إلى ساحة حرب بالوكالة»، مما اعتبر بأنه صيغة ديبلوماسية لمطالبة بن سلمان بإنهاء الأزمة الناجمة عن احتجازه الحريري.
الرئيس دونالد ترامب أثنى على الإجراءات التي قام بها بن سلمان كمؤشر «يستهدف الفساد… وباء استنزف موارد البلاد لسنوات». كما حث ولي العهد السعودي الاعتماد على أسواق الأسهم الأميركية في نيويورك عند إطلاقه بيع أسهم شركة «أرامكو» العملاقة.
يُشار الى أنّ إحدى ركائز خطة إبن سلمان التنموية، 2030، تستدعي بيع جزء من أصول شركة «أرامكو» واكتتابها في أسواق الأسهم العالمية لتوفير سيولة مالية عاجلة. الرئيس ترامب حرص على دعوة الأمير الشاب لطرح الإكتتاب في سوق بورصات نيويورك، بيد أنّ قانون «جاستا» المسلط على السعودية على خلفية المتضرّرين من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 يحول دون المضيّ قدماً، مما حدا بالحكومة البريطانية تقديم «قرض قيمته 2 مليار دولار»، لتسهيل دخول «أرامكو» إلى سوق الأسهم البريطانية فاينانشال تايمز 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي .
المفاصل النافذة في القرار الأميركي تبنّت تقييم جهاز المخابرات الألمانية «بي أن دي» للأمير الشاب باعتباره «مقامراً متهوّراً يحيط نفسه بفائض من القوة». لكن هذا لم يحل دون التعامل المباشر معه نظراً للعلاقة الخاصة التي أضحت تربطه بالرئيس ترامب وأفراد عائلته، لا سيما في تشاطر رؤاهما في العداء الصارخ ضدّ إيران.
منذ بروز محمد بن سلمان، في ظلّ والده ومن ثم تجاوزه، اعتقد أنّ باستطاعة بلاده تسخير علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة لتثمر توكيلها دوراً أكبر في الملفات الإقليمية، وتمضي في وضع قدراتها العسكرية تحت تصرف الاستراتيجية الأميركية.
مراكز الأبحاث الأميركية التي لا تتلقى مساعدات وهبات سعودية اعتبرت مسار الأمير الشاب بأنه «يشكل نقطة انعطاف كبرى في دولة قيد التفكك… وتجاوزه للبنية القبلية التقليدية»، في طموحه للانتقال الى مرحلة «المملكة الرابعة».
البعد الاقتصادي
في لغة الاقتصاد الصرفة، تنتج السعودية سلعة وحيدة، النفط، وما تبقى من تركيبة اقتصادية مهيّأة للاستهلاك وليس للإنتاج، رغم بعض المحاولات التي تمّ الالتفاف عليها من قبل «مجموعة 10 عمولة» من كبار رجالات آل سعود.
ما يهمّ مراكز المال العالمية إنجاز «خصخصة القطاع العام اينما وجد رفع يد الدولة عن التحكم وإدارة السوق رفع الدعم عن السلع الأساسية» و»تطوير» المملكة الرابعة من هيكلية و»بنية ريعية» الى دولة مستهلكة ودمجها بالكامل في نظام العولمة والمضاربات المالية.
البنية الريعية يعرّفها الاقتصاد السياسي بأنها «نمط اقتصادي يعتمد على استغلال الموارد الطبيعية دون الحاجة الى الاهتمام بتطويرها المعادن، المياه، النفط والغاز». الإيرادات الناجمة عن تلك المبادلة تذهب لنزعة استهلاكية مرتبطة بالاستيراد. ونزيد بأنّ هذا النموذج لا يعير اهتماماً للزراعة أو الصناعات التحويلية.
معهد كارنيغي المرموق وصف الاقتصاد الريعي في السعودية بأنه «منح الامتيازات والخدمات وفرص العمل لصالح فئة معيّنة من دون مراعاة أيّ اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. وتكمن خطورة الريع، مقارنةً بالفساد أو سوء استخدام المال العام، في أنه يكتسب طابعاً «قانونياً» إذ أنّ الأحكام التي ترعاه عادة ما تكون مكرّسةً في القوانين والمراسيم».
اتضحت مؤشرات مستقبل المملكة الرابعة في الانتقال من الاعتماد على سلعة النفط الى الاعتماد على الاستثمارات المالية والمضاربات في أسواق الأسهم – بيع الشركات الكبرى «أرامكو» و»سابك» تقدّر قيمتها بعد تسييلها ببضعة عشرات تريليون من الدولارات وتحويلها الى سيولة مالية تتحكم بها رؤوس الأموال العالمية.
مراكز القوى السياسية والمالية العالمية تدرك حقيقة الأزمة البنيوية التي تعانيها السعودية، لا سيما أنّ احتياطيها من النقد الأجنبي انخفض بشكل ملحوظ الى 487 مليار دولار رويترز 28 آب 2017 ، واكبه ارتفاع في حجم الديون الداخلية والخارجية التي بلغت 200 مليار دولار 31 كانون الأوّل/ ديسمبر 2016 Indexmundi .
وعليه، تمّ تشجيع ورعاية توجّهات إبن سلمان من قبل مفاصل القرار السياسي والاقتصادي الدولي تصفية مراكز القوى السياسية وأضحى يسيطر بالكامل على «مثلث السلطة والمال والإعلام». الأمر الذي عززته «الزيارة غير المقرّرة» لصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنر للرياض، والتي أعقبتها «ليلة السكاكين الطويلة»، والصمت الأميركي الرسمي لبضعة أيام.
بناءً على تلك المعطيات، يمكن للمرء القول إنّ الرئيس ترامب أوكل إلى صهره كوشنر الإشراف على تصفية مفاصل النظام السعودي والإعداد «للمملكة الرابعة» أهمّ ميزاتها نقل السلطة إلى يد فرد دون مشاركة من الأمراء الآخرين «عمودية السلطة».
الانقلاب العسكري على إبن سلمان هل هو ممكن؟
توصيف ما جرى بأنه «انقلاب» في رأس السلطة وبنيتها التقليدية أضحى مسلماً به، لا سيما أنّ المتضرّرين هم كبار الأمراء والأثرياء والإعلاميين والأجهزة العسكرية والأمنية، أعمدة النفوذ السعودي إلى حين «ليلة السكاكين».
جدير بالذكر أنّ إبن سلمان ركّز مفاصل القوة العسكرية بين يديه وتهميش البنى الأخرى من «حرس وطني» ووزارة الداخلية والاستخبارات. من الطبيعي أن يلجأ الطرف المتضرّر لاستعادة هيبته مما يمهّد الأرضية الموضوعية لاصطفافات جديدة يجمعها العداء لإبن سلمان والقضاء عليه.
كما أنّ البعد القبلي الذي «كان» يشكل أبرز أعمدة السلطة وأجهزتها المتخمة من أبناء القبائل والعشائر قد أضحى من بين المتضرّرين في زمن الأمير الشاب، وهو ينصت لنصائح مستشاريه الأجانب بتقويض البنية القبلية والاعتماد على مستشارين وقوى «محترفة» لحمايته ووضعها على رأس الأجهزة التابعة.
المغامرة بانقلاب ضدّ إبن سلمان يستند الى القوة العسكرية غير مضمون النتائج، ضمن المعطيات الراهنة، لا سيما أنّ السعودية «حاولت» الإطاحة بأمير قطر عبر البوابة العسكرية وفشلت فضلاً عن إعادة الاصطفافات والولاءات داخل مراكز القوى السابقة.
في هذا السياق أيضاً، لا يجوز إغفال الدور «المعنوي» الذي يمثله الملك سلمان في معادلة التوازن العائلي وهو المدين لها بتسلمه السلطة، فضلاً عن مصير القوات العسكرية والحرس الوطني.
من بين مراكز القوى المناوئة لإبن سلمان يلمس المرء أبرزها: عائلة الملك السابق عبد الله عائلة الملك الأسبق فهد وعائلة ولي العهد السابق محمد بن نايف. بيد أنّ استهداف شخص الملك سلمان من قبل تكتل من هؤلاء غير مضمون النتائج نظراً لمكانته ونفوذه بصرف النظر عن صلاحيته الذهنية.
العاهل السعودي من جانبه يمضي قدُماً لتهيئة الأرضية لتولي نجله السلطة وهو على قيد الحياة، وأيّ عارض قد يصيبه أو يبعده في الأيام المقبلة سيعقد قليلاً طموح نجله بتسلّم السلطة. ويجد المرء بعض الصدقية لأنباء غير مؤكدة بأنّ سلمان يسلّم سلطاته تدريجياً لنجله والتصدي لمناوئيه الآخرين وهو على قيد الحياة.
عند العودة لفرضية تسلّم الأمير الشاب مقاليد الأمور، وغياب والده، ستنهض الأطراف المتضرّرة للتحرك على أرضية الولاء القبلي وتشارك السلطة لا سيما بين الجناح السديري، بعد إقصاء بن سلمان منه، وقبيلة شمّر موطن الملك عبد الله الراحل.
رموز الجناحين المذكورين يمثلهما الأمير محمد بن نايف السديريين ومتعب بن عبد الله الشمريين ، قد يكافئون تجاوزات إبن سلمان بانقلاب أبيض دون إسالة الدماء. ما عدا ذلك، خاصة إصرار الملك سلمان البقاء في منصبه، فإنّ اللجوء لاستخدام القوة العسكرية قد يبرز الى الواجهة.
نجاح أيّ محاولة انقلاب يستدعي تضافر جملة من العوامل، منها تواجد القوة الفاعلة بالقرب من مراكز السلطة المفصلية وهذا يحتم عليها الاستيلاء على الرياض غير عابئة بانتشار القوات العسكرية على الحدود الجنوبية مع اليمن، والتي يتطلب نقلها لمؤازرة القصر الملكي تعقيدات لوجستية ومغامرة الانسحاب من جبهات عسكرية مفتوحة.
في هذا الصدد، يحتلّ فوج الحرس الملكي مكانة مركزية للمهام المنوطة به بتوفير الحماية للملك وولي العهد، بالدرجة الأولى. يتكوّن الفوج الملكي من ثلاث كتائب مشاة خفيفة، ويخضع لإمرة الملك ولديه شبكة اتصالات متطورة ومستقلة عن نظيرته في القوات العسكرية الأخرى، لتعزيز فرص الحماية ووقاية الملك من انقلاب محتمل.
أما قوات «الحرس الوطني»، التي أسّسها ورعاها الملك عبد الله، فحجمها الفعلي لا يعادل نصف عدد القوات العسكرية، ترابط بعض وحداتها بالقرب من الرياض وتعاني من نقص في الأسلحة المتطورة بيد أنها منوطة بتوفير الحماية ضدّ أيّ محاولة انقلاب.
تتشكل قوات الحرس الوطني من لواء ميكانيكي يخضع لإمرته أربعة كتائب وكتيبة مدفعية ولواء الأمير سعد الميكانيكي الذي يضمّ تحت إمرته ما مجموعه أربعة كتائب مسلحة ترابط في الرياض، ولا يمتلك أيّ مدرّعات عوضها بعربات مسلحة خفيفة. وعليه ليس من اليسير قيام الحرس الوطني بتصدّر محاولة انقلابية، إلا في حال حدوث انشقاق داخل قوات الحرس الملكي وعصيان الأوامر العليا.
جدير بالذكر أنّ أقرب حلفاء إبن سلمان هو ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، الذي لديه علاقة وثيقة بقوات مرتزقة «بلاك ووتر»، سابقاً ومن غير المستبعد أن يتمّ نقلها الى الرياض لتعزيز حماية إبن سلمان والملك. كما أنّ سلمان ونجله يسيطران بالكامل على شبكة الاتصالات العسكرية ولديهما فائض من القوة العسكرية وباستطاعتهما الصمود لفترة أطول مقابل الخصوم.
لا يلمس المرء والمراقب على السواء توفر قيادة أو هيكلية موحدة مهيأة لتنفيذ انقلاب وعليها الاعتماد التامّ على الوحدات التي بإمرتها لتنفيذ مهام الهجوم على المرافق الحيوية والقصر الملكي. كما أنّ العقيدة العسكرية التي تسيطر على القوات السعودية المختلفة جرى إعدادها وفق العقيدة الأميركية بتراتبية شديدة تنطوي على عقبات عملية أمام تنفيذ انقلاب ناجز إلا إذا حصلت على دعم ورضى أميركي، وهو أمر مستبعد في اللحظة الراهنة.
في ظلّ هذه المعطيات، نجد من المنطقي التريّث ممن يرغب أو يحاول السعي لتنفيذ انقلاب لحين حلول الأمير الشاب محلّ والده مما سيجذر حجم الاعتراض والامتعاض داخل الأطر القبلية والعسكرية ضدّه والبناء عليه لاستثماره في مرحلة لاحقة تتوفر فيها نضوج عوامل ضرورية.
فوز إبن سلمان بالعرش لا يعني بالضرورة أنّ باستطاعته الحفاظ عليه والاستمرار في الحكم وفق الوصفة المعدة.
مركز الدراسات الأميركية والعربية