حتى السيد المسيح باعه يهوذا بـ 30 قطعة من الفضة… فكيف لا يبيعون فلسطين والمقاومة!؟
نصار إبراهيم
«الجبير يقول بالعربية ما نقوله نحن بالعبرية»
وزير الحرب الصهيوني السابق موشيه يعالون
جميل وممتع أن تسقط الأقنعة حتى النهاية، ومدهش أن تتخلّى اللغة عن حذرها ومراوغاتها. إنه لأمر حسن لا سيّئ مغادرة الخطاب الذي لا يقول شيئاً، فقول الأشياء بأسمائها هو أوّل درجات الوضوح، كما هو أوّل شروط تحديد المواقف كي لا يبقى الوعي أسيراً للأوهام والخرافات واللغة العمياء.
هذا هو بالضبط كان حال جامعة المهازل العربية في اجتماعها بالأمس في 19 تشرين الثاني 2017 في القاهرة، حين خلعت كلّ ملابسها الملوّنة وتخلّت عن آخر ورقة خجل ووقفت على حلبة الرقص تعرض آخر ما تبقى لها من شرف، ولو كان على شكل لغة غامضة.
بالأمس استعدنا، ولو على شكل مهزلة، مشهد بيع السيد المسيح من قبل يهوذا بـ 30 قطعة من الفضة، ذلك لأنّ «… من فضائل المال – على سوئه – أنه كاشف للقلب والروح.. فلا توجد قوة أخلاق توقف سطوة المال في قلب إنسان يحب المال… ففي يوم من الأيام انتصرت 30 قطعة فضية على ابن الإله وعلى محبّة السيد المسيح للناس، وكان انتصار الفضة في الحقيقة انتصاراً على الإله..
وعندما وقعت فتنة علي ومعاوية اشترى المال جنوداً لمعاوية من العسل ولم يبالِ بعض المسلمين بأن يحملوا رأس حفيد نبيّهم على الرماح، طالما أنهم سيأكلون من عسل الخليفة…
والأمر لم يتغيّر منذ أن انتصر الإنسان للفضة على ابن الآب والروح القدس.. وكانت التجربة السورية خير مثال على قوة الفضة والذهب عندما سقط الدين بكلّ حصونه، وانهارت قلاع الثقافة أمام المال السعودي وتحوّل الماركسيون الى أئمة مساجد، كانوا يوماً في ربطات عنق فخلعوها ليضعوها كالعمائم على رؤوسهم.. وأبدت الكتب التقدّمية ندمها على ما قالته في أيام الطيش الثوري العلمانية في سبيل التقدّم، وعادت الى المساجد لتتعلّم القراءة والكتابة في الكتاتيب وعلى أيدي شيوخ الكتّاب.. وقام آخرون بشنق كلماتهم ثأراً مما فعلته في الماضي وقام البعض الآخر بطيّ جسدها الفولاذي ووأدها حية لأنها صارت محرجة، عندما يُقال بأنها اعتدت على العدالة وحكم الآلهة الكائنة في الرياض.. ومحا كثيرون بالممحاة كلّ رصاصهم القديم الذي أطلقوه على الملوك والأمراء وأهل اللحى.. وصاروا يطنبون في مديح الحزم وملوك الحزم والعزم» نارام سرجون 12 تشرين الثاني 2017 .
في اجتماع جامعة المهازل العربية الأخير، رحنا نتابع رقصة فاضحة ومهينة إلى أقصى الدرجات. رقصة يؤدّيها راقصون فقدوا كلّ إحساس بالكرامة.
بالأمس أطلّ من باطن الأرض الفلسطينية والعربية، كما القمح مئات آلاف الشهداء، ومن الزنازين والمعتقلات الإسرائيلية أطلّت وجوه آلاف الأسرى الفلسطينيين. راحوا يتابعون ويبتسمون…
راحوا يتابعون بازار بيع الخردة الرخيصة في ما يسمّى الجامعة العربية.
راحوا يشاهدون كيف يكتسح النفط الدم والحقوق والأوطان والكرامات.
راحوا يتابعون ذروة الانحطاط في الخطاب والمواقف… وكيف أنّ جامعة المهازل العربية لم تجد ما تتفق عليه بعد عقود طويلة من الميوعة سوى أن تهاجم حزب الله وتعلنه تنظيماً إرهابياً! وهو الذي أذلّ جيش الإرهاب «الإسرائيلي» الذي يخوض في دمنا منذ سبعين عاماً!
اليوم لا أحد بمقدوره أن يقول إنّ جامعة المهازل العربية لا تتخذ مواقف واضحة وحاسمة، ذلك لأنّ أهدافها ومواقفها لم تكن واضحة ذات يوم بمثل هذا الوضوح والحزم والعزم الذي تابعناه بالأمس.
بالأمس في القاهرة، بعد نصف قرن، انتقم الجبير من جمال عبد الناصر، وضع قدمه على ضريح جمال، وقال له: ألست أنت الذي قال: «جزمة كلّ شهيد أشرف من تاج آل سعود!؟»… ماذا ستفعل وماذا ستقول الآن وأنا أعلن ولادة الحلف الأميركي «الإسرائيلي» العربي من القاهرة!؟
رغم تراجيديا اللحظة والحالة، أقول إنّ هذا الأداء المهين جيد وضروري، ذلك لأنّ اللحظة لم تعُد تحتمل اللغة العمياء سواء من هنا أو من هناك.
اللحظة الآن هي لحظة المواجهات الكبرى…
ما جرى بالأمس في جامعة المهازل العربية أمر حسن لا سيّئ… ذلك لأنه تعبير عن اليأس والإحباط والشعور بالهزيمة والفشل، بحيث لم يبق أمام السعودية وحلفائها سوى الإعلان الكامل عن الوقوف في خندق واحد مع «إسرائيل».
فلو كانت السعودية تشعر أنّ الأمور بخير.. وأنها لا تزال تُمسك بزمام المبادرة، وأنّ «إسرائيل» ومن خلفها أميركا في موقف القوة وفرض الوقائع.. لما اضطرت السعودية إلى كشف عورتها هكذا، ولو من باب التمويه والنفاق تجاه الشارع العربي.
لقد وصلت السعودية إلى هذه الحالة بعد أن انهارت وهُزمت مشاريعها ومشاريع حلفها في كسر إرادة المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن.
لهذا، فإنّ المواقف التي استجداها جبير الجبار من جامعة المهازل العربية بالأمس في القاهرة، ما هي في الجوهر والعمق إلا إعلان هزيمة ويأس… والمهزوم اليائس والضعيف يتخلى عن كلّ الحذر والخجل.. إنه مستعدّ للارتماء كغانية رخيصة في أحضان مَن يحتلّ فلسطين ويقتل شعبها كلّ يوم لكي يحفظ بقاءه الذي زلزلته الهزائم والإخفاقات المتراكمة.
المقاومة بخير… بعدنا طيّبين… قولوا الله.